منذ نشوب الحرب على قطاع غزة، تصدّر وزير الأمن القوميّ الأكثر تطرفًا في الحكومة الإسرائيلية، إيتمار بن غفير، المشهد السياسي، وتسببت تصريحاته التحريضية إلى زيادة حدّة التوتر بين إسرائيل والإدارة الأميركية، والأخطر من كل ذلك استغلال بن غفير للحرب ومآلاتها، من أجل تنفيذ ما كان يخطط إليه من قبل، وهو تسليح المستوطنين في الضفة الغربية، حتى أنّ رئيس شعبة ترخيص السلاح في الوزارة استقال من منصبة، رفضًا لسياسة بن غفير في منح تراخيص السلاح للمستوطنين.وعلى الرغم من التحذيرات التي قدّمتها الإستخبارات الإسرائيلية، من احتمال انفجار الأوضاع في الضفة، إلا أنّ بن غفير وزع قرابة 50 ألف قطعة سلاح على الإسرائيليّين في الضفة وداخل الخط الأخضر، فيما ينتظر أكثر من 120 ألف إسرائيليّ للحصول على أسلحة خلال الفترة المقبلة، حيث خفضت وزارة الأمن القوميّ المعايير التي كانت تطلبها لتوزيع الأسلحة على المدنيّين، هذا التغيير أدى لحصول عدد هاثل من الإسرائيليّين على الأسلحة. فرق حراسة وتسليح للمستوطنين وفي هذا الإطار، أشارت مصادر إسرائيلية حصول مكتب وزارة الأمن القوميّ الخاضع لسلطة بن غفير، على 170 مليون دولار، لتسليح وإنشاء مئات فرق الحراسة التي أقيمت عقب هجوم 7 أكتوبر، لإقامتها في البلاد والمستوطنات على الأراضي الفلسطينية، ببنادق وأسلحة طويلة ومعدات حماية وذخائر، وكما تم تجهيز الفرق بأسلحة طويلة، بما فيها معدات الحماية الشخصية وسلسلة من التدابير لتمكين استخدامها والتدريب المستمر استعدادًا لوقت الحاجة. وبلغت قيمة الميزانية الإضافية لوزاة الأمن القوميّ 510 مليون دولار، التي خصصت لحالات الطوارىء، والتعامل مع وضعية القتال. حصة الأسد منها ذهبت لصالح فرق الحراسة وتسليح المستوطنين، حيث إنّ خطة بن غفير تقضي بشراء 40 ألف قطعة سلاح طويلة وبندقية ومعدات ذات صلة، تم شراء 25 ألفًا و550 قطعة سلاح طويلة وبندقية، من أصل40 ألف بندقية، وأظهرت تقارير إسرائيلية شراء أكثر من 5.5 ملايين رصاصة للتدريب والجهوزية للعمل بالطوارئ، والتزود بأكثر من 20 ألف طقم حماية من الخوذات والسترات الواقية، بتكلفة إجمالية بلغت71 مليون دولار. جيش بن غفير على أهبة الاستعدادفرق الحراسة أطلق عليها الإسرائيليون مصطلح "جيش بن غفير"، الذي زود بالأسلحة والبنادق الطويلة والذخائر ومعدات الحماية الشخصية، حيث أقيمت مئات فرق الحراسة ووحدات الاحتياط الجديدة، التي تم وضعها تحت مسؤولية وتصرّف الشرطة في جميع أنحاء البلاد، والمستوطنات في الضفة الغربية والقدس، حيث تتولى وزارة الأمن القوميّ نفسها مسؤولية شراء الأسلحة والذخائر والمعدات ذات الصلة لجميع فرق الحراسة، كل هذا تم بإيعاز مباشر من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو. أهداف مستقبلية أمام هذا الواقع، يقول المحلل السياسي رافي فلدان لمنصة "المشهد"، إنّ "إيتمار بن غفير شقيّ وعنصري، لكنه ليس رجلًا غبيًا، وهو من الشخصيات السياسية التي تبرع في التخطيط مستقبلًا لكل أعماله وتصريحاته، وما يقوم به مؤخرًا منذ السابع من أكتوبر، يندرج في إطار مخططاته المستقبلية، فهو لا يأبه لردة الفعل الشعبية أو الدولية". ويردف فلدان قائلًا: "في الواقع، هناك هدفان يسعى لتحقيقهما من خلال خطته الأخيرة التي وضعها منذ وقوع الحرب، بأنه يريد أن يرى أرض إسرائيل اليهودية الكاملة، وتهجير العرب فحقده وكراهيّته المطلقة لهم جلية للعيان، وذلك من خلال التوزيع غير الشرعيّ للأسلحة للمستوطنين والإسرائيليّين في عموم البلاد، وعلى الرغم من الضجة والرفض من قبل مئات الإسرائيليّين، لما ستودي به هذه الأسلحة من نتائج كارثية على المجتمع الإسرائيليّ بالدرجة الأولى، وتوسيع حالة الإشتباك مع الفلسطينيّين ثانيًا، إلا أنه مازال مستمرًا في ذلك". وحول استغلال الحرب وتسليح الوزير بن غفير للمدنيّين الإسرائيليّين، اعتبر فلدان أنّ "سياسة بن غفير لم تجلب لا الأمن ولا الأمان للمجتمع الإسرائيلي، بل موجة غير مسبوقة من السلبية والعنف القاتل، وهنا يبرز الهدف الأكبر لبن غفير، فسياسيًا يدرك بأنّ أيّ تشكيل للحكومة الإسرائيلية القادمة، ستقرر إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وهذا أمر يتطلب إخلاء المستوطنات، وبناءً على ذلك، فإنّ كل تصرفات وسياسات بن غفير تسعى للحيلولة دون حصول ذلك، بأيّ ثمن وبأيّ طريقة، من خلال تسليح المستوطنين، وهذا يعني تصعيدًا، ولربما تحويلهم لجيش ضدّ أيّ حكومة مقبلة". توتر الوضع الميداني بالضفة الغربيةووفق ما تقدم عن مخطط هذه الشخصية الإسرائيلية المثيرة للجدل، اعتبر المحلل السياسي د. أيمن يوسف في حديث لمنصة "المشهد"، أنّ "بن غفير يستغل هذه المواجهة الحالية والحرب المدمرة، من أجل فرض أجندات في غزة والضفة الغربية، فهو ينتمي إلى حزب إستيطانيّ أصوليّ يهودي، قواعده الإنتخابية موجودة بين المستوطنين، 700 ألف مستوطنين بالقدس والضفة الغربية يشكلون جبهة كبيرة". ولا يتختلف اثنان على اعتبار أنّ ما يقوم به بن غفير لا يصبّ في مصلحة السلم، ولهذا السبب يرى يوسف أنّ "مخططات بن غفير وتسليح الإسرائيليّين تأتي في إطار التصعيد والتأزيم، وتسليحهم بهذا الشكل سيؤدي إلى قيامهم بالأعمال القذرة، خصوصًا حرق القرى الفلسطينية، وكان لهم تجارب في حوّارة وعوريف وترمسعيا، وفي العديد من الأرياف الفلسطينية، التي تجثم عليها المستوطنات والجدار". ولا يستبعد يوسف أن "يؤدي ذلك لدخولهم بشكل مباشر على خط المواجهة مع الفلسطينيّين، كذلك القتل المنظم للفلسطينيّين وتفريغ الضفة الغربية من السكان، خصوصًا في المناطق القريبة من الجدار والمستوطنات، وهي مناطق حساسة تعتقد إسرائيل وتحديدًا بن غفير، بأنها منحة إلهيّة لهم، فمعظم المستوطنات أقيمت من منطلق دينيّ يهودي، وبالتالي يحاول بن غفير أن يفرض ذلك على الضفة الغربية". وحول تداعيات سياسة وتصريحات بن غفير في الضفة الغربية، يوضح د. يوسف، أنّ "ما يقوم به بن غفير، ما هو إلا خطوات تصعيدية تحمل الكثير من المضامين السياسية والاستراتيجية، ولها تداعيات على المشروع الوطنيّ الفلسطيني، على مستقبل الحل السياسيّ والمسار التفاوضيّ الفلسطيني -الإسرائيلي، وبالتالي إمكانية وجود دولة فلسطينية متواصلة الجغرافيا والديمغرافيا أصبحت بعيدة المنال، وسيذهب العالم لخيارات أخرى بما فيها خيار الدولة الواحدة، أو الكانتونات، أو المواجهة المستمرة كما هو حاصل الآن". (القدس - المشهد)