قد يكون القصف الأميركيّ على أهداف الميليشيات المسلحة في الشرق الأوسط أقل فاعلية في تهدئة التوترات الإقليمية بالمقارنة مع التوصل إلى اتفاق لوقف القتال بين إسرائيل و"حماس"، بحسب ما ذكر تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".وتقول الصحيفة إنّ الضربات الجوية الأميركية الانتقامية على الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق، تعدّ جزءًا من محاولة لوقف الهجمات على القوات الأميركية في الشرق الأوسط من دون دفع إيران إلى صراع مباشر.ويقول محللون في شؤون الشرق الأوسط، إنه من دون وقف إطلاق النار في غزة فإنّ الهجمات سوف تستمر.تأثير ضئيل على الأرضكانت الضربات وهي الأعنف التي تشنها أميركا ضد إيران وميليشياتها، منذ أن قتلت إدارة ترامب الجنرال الإيرانيّ قاسم سليماني في عام 2020 – هي الردّ الأميركيّ الأول على مقتل 3 من قواتها على يد ميليشيا مدعومة من إيران في غارة بطائرة دون طيار في الأردن نهاية الأسبوع الماضي .أدى مقتل سليماني في العراق إلى إطلاق فترة من الأعمال العدائية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا. وتهدف هذه الضربات الأخيرة إلى وضع حدّ لمثل هذه الاشتباكات.وقال البنتاغون يوم الجمعة، إنّ قاذفات "B-1" انطلقت من الولايات المتحدة ضربت مواقع مرتبطة بالقوات شبه العسكرية الإيرانية والميليشيات المدعومة من طهران، في سوريا والعراق.وقال محللون أمنيون إنه يبدو أنّ حجم الهجمات وموقعها، تم تحديدها بعناية لتجنب الصدام المباشر مع إيران، ومنع حرب إقليمية أوسع مع الميليشيات.وشملت الأهداف قواعد نائية مرتبطة بالميليشيات في العراق وسوريا، وليس الأراضي الإيرانية، وقد أعطت الولايات المتحدة إشعارًا كافيًا للسماح لإيران بنقل أفرادها بعيدًا عن خط النار.وقال جوست هلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية: "إنّ التأثير الفعليّ على الأرض ضئيل للغاية". وأضاف هلترمان، أنه في ما يتعلق باستعادة توازن الردع في المنطقة الذي كان موجودًا قبل مقتل القوات الأميركية، فقد كانت الضربات ناجحة. وأضاف: "أعتقد أننا عدنا إلى ذلك".ويزيد الصراع الملتهب مع شبكة الميليشيات المتحالفة مع إيران من الضغوط على إدارة بايدن، لتحقيق هدف سياسيّ منفصل في المنطقة: وقف إطلاق النار في غزة من شأنه تحرير الأسرى الإسرائيليّين الذين تحتجزهم "حماس".ويقول مسؤولون ومحللون إقليميون إنّ تحقيق ذلك من شأنه أن يُسهم بشكل أكبر في تهدئة التوترات في الشرق الأوسط.وخلال وقف إطلاق النار الذي استمر لمدة أسبوع في غزة في نوفمبر، أوقفت الميليشيات المتحالفة مع إيران، بما في ذلك "حزب الله" اللبنانيّ و"الحوثيون" في اليمن، والجماعات العراقية، هجماتها ضد إسرائيل والقوات الأميركية.وشنت الميليشيات المتحالفة مع إيران أكثر من 160 هجومًا على القوات الأميركية في العراق وسوريا منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر، ما يمثّل تصعيدًا حادًا في صراع بطيء الاشتعال مع الولايات المتحدة، يهدف فيه المسلحون إلى طرد الولايات المتحدة من غزة، كما انخرط " حزب الله" اللبنانيّ في تبادل متصاعد لإطلاق النار على الحدود الشمالية لإسرائيل منذ بدء الصراع.يقول خبراء في ديناميكيات المنطقة، إنّ تعطيل قدرة طهران على استعراض القوة من خلال ما يسمى بـ "محور المقاومة"، سيتطلب أكثر من مجرد الضربات العسكرية في العراق وسوريا. لقد أصبح حلفاء إيران جزءًا من النسيج السياسيّ في جميع أنحاء المنطقة، من لبنان، حيث يثعتبر "حزب الله" حزبًا سياسيًا ويُنظر إليه على أنه الضمان الرئيسيّ ضد الهجمات الإسرائيلية، إلى اليمن حيث استولى "الحوثيون" على العاصمة ويعملون كحكومة الأمر الواقع.بيض في سلّة واحدةوفي سوريا، صمد الرئيس بشار الأسد أمام انتفاضة تحولت إلى حرب أهلية بمساعدة إيرانية. وفي العراق، يمنح الاندماج في النظام السياسيّ والأجهزة الأمنية، الميليشيات المدعومة من إيران قوة اقتصادية وقدرة على التأثير على السياسة الوطنية مع البقاء خارج سيطرة الدولة.وقال أراش عزيزي، المؤرخ في جامعة كليمسون بولاية ساوث كارولينا: "مشكلة سياسة الولايات المتحدة في ما يتعلق بالمحور هي أنها لم تلتزم جديًا أبدًا باستراتيجية طويلة المدى تعمل مع شركاء محلّيين لمواجهة النفوذ الإيرانيّ وصعود المحور". على سبيل المثال، قال عزيزي، إنّ الولايات المتحدة فشلت في دعم الحكومات العراقية الملتزمة بصد النفوذ الإيراني، مثل إدارة مصطفى الكاظمي 2020-2022.وقال: "الولايات المتحدة تضع كل بيضها في السلة الإسرائيلية من دون إعطاء وزن مماثل لحلفائها العرب".إنّ الردّ على الضربات الأخيرة ضد مواقع الميليشيات الإيرانية، سوف يختبر ما إذا كانت الولايات المتحدة قد فعلت ما يكفي لإعادة الردع في جميع أنحاء المنطقة من دون تأجيج التوترات.وأشارت إدارة بايدن إلى أنّ الهجمات ستستمر في الأيام المقبلة. وإلى جانب ضرب المزيد من الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق، تشمل الخيارات المتاحة للولايات المتحدة استهداف الحرس الثوريّ الإيرانيّ في تلك البلدان، وزيادة الضغوط المالية على اقتصاد طهران المُنهك، وتنفيذ عمليات إلكترونية ضد البنية التحتية الأمنية الإيرانية.وفرضت الولايات المتحدة يوم الجمعة عقوبات على ضباط ومسؤولين في الحرس الثوريّ الإيرانيّ لمساعدتهم في تصنيع طائرات دون طيار إيرانية، ومحاولات شن هجمات إلكترونية على أهداف أميركية ، واتهامات غير معلنة ضد 9 أفراد لبيع النفط لتمويل "حماس" و"حزب الله".هل تشنّ أميركا ضربات داخل الأراضي الإيرانية؟وترى الصحيفة أنّ توجيه ضربة أميركية إلى الأراضي الإيرانية يشكل خيارًا أيضًا، وإن كان بعيدًا.من جهتها أشارت إيران إلى أنها لا تسعى إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة، أو تصعيد الأعمال العدائية في المنطقة. وبعد الغارة القاتلة بطائرة من دون طيار على القوات الأميركية في الأردن، سافر المسؤولون الإيرانيون إلى العراق لإبلاغ الجماعات المدعومة من إيران، بأنّ الهجوم على القاعدة قد تجاوز الحدود، وفقًا لمستشار كبير للحكومة الإيرانية شارك في الاجتماعات.وأدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، السبت، الضربات الأميركية، ووصفها بأنها “تهديد للسلم والأمن الإقليميّين والدوليّين”.ونفى بعض المقربين من طهران أن يكون للضربات أيّ تأثير على إيران.وقال محمد مراندي، الأكاديميّ في جامعة طهران والمقرب من إيران: "لم تضرب الولايات المتحدة أهدافًا إيرانية في أيّ مكان، بل في الواقع ضربت القواعد العسكرية التي تشكل جزءًا من القوات المسلحة العراقية، واحتجت الحكومة العراقية". وفي العراق، من المرجح أن تؤدي الضربات إلى زيادة المعارضة للوجود العسكريّ الأميركيّ في البلاد، حيث دعا رئيس الوزراء الشهر الماضي إلى خروج القوات الأميركية عن طريق التفاوض. وتقول الولايات المتحدة إنها لا تخطط لسحب قواتها من البلاد.وقال المتحدث باسم الجيش العراقي، إنّ "هذه الضربات الجوية تشكل انتهاكًا للسيادة العراقية، وتقوّض جهود الحكومة العراقية، وتشكل تهديدًا قد يقود العراق والمنطقة إلى عواقب وخيمة".(ترجمات)