قبل أن تتسبب حرائق الغابات في لوس أنجلوس في أضرار تقدر بنحو 250 مليار دولار، كانت المدينة تعاني من انكماش الصناعة التكنولوجية، وندرة الوظائف والمساكن، وارتفاع مُعدلات الفقر التي تسببت في تشرد ما يزيد عن 75 ألف شخص.وبعد نشوب الحرائق في المقاطعة، نزح وتشرّد المزيد من الناس، وتفاقمت المشاكل والصعوبات، في لوس أنجلوس التي صارت الحياة فيها أكثر صعوبة وأقل أمانًا وسلامة.عشرات الآلاف من دون مأوى مع العودة إلى الأنقاض التي لا تزال مشتعلة، في بعض المناطق، يشعر سكان المقاطعة، التي كانت بالأمس مرادفًا للشهرة وحياة الترف والثراء، بغضب كبير مُركب من هول الكارثة، التي لم تكن استجابة السلطات المحلية لها، حسب رأي الكثيرين، في مستوى التطلعات، وانكشاف مجموعة من النقائص والمشاكل التي كانت تعاني منها المدينة، واتّضحت أكثر بعد اندلاع الحرائق في 7 يناير المنصرم، وما خلفته من انتقادات لاذعة للطبقة السياسية الحاكمة بلوس أنجلوس، وولاية كاليفورنيا بشكل عام. في مقابلة مع منصة "المشهد"، قلّل المحلل السياسي والكاتب في صحيفة "يو أس أي توداي"، راي لوكر، من تأثير طبيعة وشكل القيادة السياسية بلوس أنجلوس على نتائج الحرائق التي تعصف بها منذ ما يقارب الشهر. وقال لوكر "بحكم معرفتي الجيدة بمُقاطعة لوس أنجلوس، أعتقد أن مدى نجاعة القيادة السياسية للمنطقة من عدمها، هي سبب يكاد لا يُذكر، بالمقارنة مع الظروف المناخية، التي يغلب عليها مناخ جاف وحار للغاية، لم يشهد أمطارًا لأشهر عدّة، صاحبته رياح عاتية بقوة 100 ميل في الساعة، أيُّ شخص عايش هذه الظروف المناخية، يعلم أنه مهما فعلت وكيفما كانت الاستجابة، من الصعب جدا وقف ألسنة اللهب، ووقف انتشار النيران". مع نزوح الآلاف من سكان لوس أنجلوس، وبقاء أكثر من 20 ألف شخص من دون مأوى، ازدادت ظروف الحياة صعوبة، يقول راي لوكر، وهو مؤلف كتاب "انقلاب هيج: كيف أجبر أقرب مساعدي ريتشارد نيكسون على ترك منصبه". بحسب لوكر، فإن ارتفاع عدد الأشخاص المشرّدين، تضع ضغوطًا أكبر على سوق بيع وكراء البيوت، خصوصًا وأنّ الأماكن التي يُمكن للناس التوجه إليها أصبحت محدودة بعد الكارثة، لأنّ الكثير منهم بحاجة للذهاب لأحياء تتوفّر على مدارس، وأماكن عمل، ما يفرض الكثير من الشروط على اختيار أماكن السكن، ويجعل حياة المنكوبين أكثر صعوبة. البيروقراطية تكبح احتواء الكارثة وعلى خلاف الكاتب الصحفي راي لوكر، يرى الباحث في العلاقات الدولية بهيئة الشرق الأوسط للسياسات ماركو مُسعد، أنّ تعاطي السلطات المحلية مع الحرائق، أثبت أن السياسات المتبعة من طرف القيادة السياسية للوس أنجلوس، وولاية كاليفورنيا، أوصلت المدينة لحالة كبيرة من التدهور، تجسّدت في غياب المياه في طفايات الحريق، التي ظهرت فارغة، والعجز في احتواء توسّع الحرائق ووقف انتشارها، وظهرت في صعوبة تسلم المساعدات التي تم إرسالها من ولايات أخرى، لإغاثة المتضررين، وتعذّر حصولهم عليها، بسبب العراقيل البيروقراطية، والصعوبة في تنسيق الجهود، التي حالت دون تسلّم طائرات مخصصة لإطفاء الحرائق، وانضمام رجال إطفاء من ولايات أخرى للمساعدة في احتواء الوضع. وامتدّ التأثير السلبي للبيروقراطية، يقول مُسعد، ليشمل المتضررين أنفسهم، حين أرادوا التدخل لتنظيف منازلهم و الدخول إليها، لأنهم كانوا من دون مأوى، فلم تسمح لهم السلطات المحلية بذلك، ما دفع الرئيس دونالد ترامب إلى توجيه انتقادات مباشرة لعمدة لوس أنجلوس كارين باس، خلال لقائه بها، و يُطالبها باستخدام سلطتها التنفيذية لتسهيل ذلك. علاوة على العراقيل والمشاكل التي تكشّفت مع اندلاع الحريق، يذكر ماركو مُسعد، مسألة رفض شركات التأمين منح تأمينات لأصحاب البيوت بلوس أنجلوس، قبل الحرائق بأشهر، ما وضعهم في فوهة البركان بعد أن دمرت الحرائق منازلهم، ووجدوا أنفسهم دون تأمين يضمن حصولهم على تعويضات لترميم بيتوهم المتضرّرة، أو تشييد بيوت جديدة. نتائج عكسية فشل السياسات المحلية، تسبب، حسب المتحدث، في هجرة الكثير من رؤساء شركات الصناعة التكنولوجية التي اشتهرت بها لوس أنجلوس، وفي مٌقدمتهم إيلون ماسك، الذي أعلن قبل أشهر طويلة من اندلاع الحرائق، سحب استثماراته من لوس أنجلوس، وكاليفورنيا ككل، مُتجها إلى ولاية فلوريدا، وقال ماسك حينئذ إن السبب الرئيسي لقراره، كان فشل السياسات المنتهجة من قبل الديمقراطيين الذين يحكمون الولاية. يعتقد الباحث في العلاقات الدولية، بهيئة الشرق الأوسط للسياسات، ماركو مُسعد، أن أكبر أسباب فشل الديمقراطيين، في ولاية كاليفورنيا، هو سياسة التعيين على أساس "Diversity, Equity, and Inclusion" التي يُرمز إليها بـ"DEI"، والتي تعني "التنوع والإنصاف والشمول"، وليس على أساس الكفاءة والجدارة، والمؤهلات الدراسة والمهنية، وأكبر مثال على ذلك، يقول مُسعد، عمدة المدينة في حدّ ذاتها، التي وعلى الرغم من أنها تفتقر للخبرة التي تؤهلها لقيادة مدينة بحجم لوس أنجلوس، فازت بالمنصب لأنها امرأة ومن ذوي البشرة السوداء. ومع نشوب الحرائق عبر الكثير من سكان ولاية كاليفورنيا عن امتعاضهم من هذه السياسات، التي اتّضح أنها لا تخدمهم. يُذكر أن حرائق مقاطعة لوس أنجلوس، تسبّبت في حرق أكثر من 40 ألف فدان، وقتل ما لا يقل عن 24 شخصًا، ودمرت ما يقدر بنحو 12,000 منزل ومبان أخرى، وألحقت أضرارًا تُقدر بـ250 مليار دولار، وهي خسائر يقول خبراء إنها ستؤدي إلى تفاقم نقص المساكن في مقاطعة أصبحت تضم فعليًا، ما يقارب الـ100 ألف مُشرد. (المشهد - أميركا)