أعلن خفر السواحل في مدينة صفاقس التونسية الخميس عن الكشف عن ورشة معدّة لصنع قوارب تستخدم للهجرة غير النظامية وجاء في بيان صادر عنه أنّ وحداته داهمت 3 منازل في منطقة جبنيانة، وضبطت خلال المداهمات 4 أشخاص وحجزت مراكب حديدية وخشبية حديثة الصنع ومعدّات لحام وكمية من المواد الغذائية المهربة. وقال الناطق الرسمي باسم محكمة صفاقس 1 فوزي المصمودي لمنصّة "المشهد" إن قوارب حديدية مصنّعة حديثا ضبطت مع جملة من مستلزمات صناعتها"، وأوضح أن أصحاب هذه المنازل تونسيون. وتكثف تونس حملاتها ضد هذا النوع من المصانع للحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية. "تجارة مزدهرة" وهذه ليست المرّة الأولى التي يكشف فيها الأمن التونسي عن ورشات لتصنيع القوارب المعدّة للهجرة غير النظامية، ويقول المصمودي إنّها "ورشات غير قانونية تنشط بعيدا عن الأعين". ومع ارتفاع وتيرة رحلات الهجرة غير النظامية نحو أوروبا صارت صناعة المراكب المخصصة لهذا النوع من الرحلات تجارة مزدهرة في مناطق تونسية كثيرة، وخصوصا في المناطق الساحلية وتأتي محافظة صفاقس الواقعة جنوبا في مقدمتها. وتشتهر صفاقس بطول سواحلها القريبة من السواحل الأوروبية والتي يفضّلها منظمو رحلات الهجرة غير النظامية لنقل الراغبين في "الحرقة" (مصطلح محلّي يطلق على هذا النوع من الرحلات) إلى الضفّة الأخرى من المتوسط. كما تشتهر أيضا بازدهار نشاط صناعة المراكب وتضمّ المحافظة الكثير من الورشات والمصانع التي تقوم بصناعة مراكب الصيد ويعمل بها حرفيون مشهودا لهم بخبرتهم في المجال وفق ما يؤكده النائب في البرلمان عن صفاقس طارق المهدي لمنصّة "المشهد". لكن ارتفاع وتيرة رحلات الهجرة غير النظامية ووجود طلب كبير على القوارب أغريا الكثير ممن يمتلكون معرفة بتصنيع المراكب ودفعهم لتحويل بيوتهم إلى ورشات لتصنيعها، ويقول النائب التونسي" إن "جزءا كبيرا منهم ليس من المختصين في هذه الحرفة، لكنه يمتلك معرفة بسيطة بها تخوّل له صناعتها". ويبحر من سواحل محافظة صفاقس آلاف الراغبين في الهجرة نحو الضفة الأخرى من المتوسط، وعدد كبير منهم من المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء. وتحوّلت مدينة صفاقس إلى وجهة لهؤلاء المهاجرين ما تسبّب في نشوب أزمة خلال الأيام الأخيرة، بعد أن شهدت أحياء كثيرة مناوشات بينهم وبين تونسيين طالبوا بترحيلهم عن مدينتهم.جريمة صفاقسوبلغ الاحتقان حدّ تسجيل جريمة قتل راح ضحيتها تونسي طعنه مهاجرون غير نظاميين وفق إفادات الشرطة التونسية.وباتت صناعة قوارب الموت الحديدية نشاطا مربحا في مناطق عديدة من محافظة صفاقس مثل جبنيانة والعامرة والمساترية حيث يحوّل كثيرون منازلهم إلى ورشات لتصنيع المراكب قبل نقلها للشاطئ، وفق المهدي الذي يؤكد "أن القوارب التي صارت تستعمل في عمليات الهجرة غير النظامية ذات استعمال وحيد يتقاسم راكبوها ثمنها ثم يتخلون عنها أو يغرقونها في البحر بعد بلوغ الضفّة الأخرى". ولا تتوفر في هذا النوع من المراكب أي شرط من شروط للسلامة، ويقول المصمودي إنّ الكثير من حالات غرق المهاجرين كان" بسبب عدم احترامها لمواصفات السلامة المتعارف عليها". وبحسب أرقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مختص في قضايا الهجرة) فقد شهد العام الحالي فقدان نحو 500 مهاجر في حوادث غرق مراكب قبالة السواحل التونسية، بعضهم عُثر على جثّته بينما البعض الآخر ما زال في عداد المفقودين. وصار مستشفى المدينة غير قادر على استيعاب العدد الكبير من الجثث التي تلفظها أمواج البحر، ما يشير إلى خطورة الظاهرة وتحوّلها إلى "كارثة" وفق النائب التونسي الذي يقول إنّ تونس لا تملك لوحدها الإمكانات الكافية لمواجهتها وإنّ المجتمع الدولي مطالب بالقيام بواجبه لمساعدتها. وتختلف تكلفة تصنيع هذه المراكب باختلاف حجمها وعدد الأشخاص الذين يمكنها نقلهم، وتبلغ تكلفة تصنيعها نحو 3 آلاف دينار أحيانا، لكنّها قد تباع بمبالغ مضاعفة تصل إلى نحو 25 ألف دينار وفق القاضي التونسي الذي أكد أنه تم في بعض المرّات ضبط مراكب يصل طولها إلى 14 مترا وتبلغ طاقة استيعابها نحو 100 شخص. وتصل تكلفة رحلة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا إلى نحو 5 آلاف دينار. ويقول النائب المهدي إن صناعة مثل هذه القوارب لا تتطلب معرفة أو كفاءة كبيرة فهي"عبارة عن هيكل حديدي يقع لحامه بطريقة تقليدية دون التقيد بمعايير السلامة المتعارف عليها، إضافة إلى أنّها خفيفة الوزن مقارنة بالمراكب التقليدية".اتجار بالبشر وعادة ما يتفّق المشاركون في الرحلة مع وسيط يقوم بدوره بالاتفاق مع حرفي مختص في تصنيع هذا النوع من المراكب وفق توضيح المصمودي، الذي أكّد أن هناك شبكات عديدة تنشط في هذا الإطار، كاشفا عن تسجيل 16 قضيّة اتّجار بالبشر في الأشهر الثلاثة الأخيرة، إضافة إلى 137 قضية اجتياز. وتجرّم تونس كلّ أشكال الاتّجار بالبشر، ونص قانون 2016 على أنه يعد اتجارا بالأشخاص أي استقطاب أو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو تحويل وجهتهم أو ترحيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم باستعمال القوة أو السلاح أو التهديد بهما، أو غير ذلك من أشكال الإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال حالة استضعاف أو استغلال نفوذ أو تسليم أو قبول مبالغ مالية أو مزايا أو عطايا أو وعود بعطايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر وذلك بقصد الاستغلال أيًا كانت صوره سواء من طرف مرتكب تلك الأفعال أو بوضعه على ذمة الغير لاستغلاله. ويعاقب بالسجن لمدّة 10 سنوات وبغرامة مالية قدرها 50 ألف دينار كل من يرتكب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص. ويؤكد الناطق باسم المحكمة لـ"المشهد" أنّ تنظيم رحلات الهجرة غير النظامية والمساهمة فيها بأيّ شكل من الأشكال يعتبر من باب جريمة الاتجار بالبشر. وكشف المصمودي عن توّرط أجانب في هذه الشبكات بينما قال النائب بالبرلمان التونسي إن المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء صاروا يتوّلون بأنفسهم الإشراف على تنظيم عملية "الحرقة" وقيادة المركب الذي سيقلهم إلى الضفة الأخرى من المتوسط مؤكدا في هذا الصدد" بعضهم له دراية وخبرة بهذا المجال كما أنهم يمتلكون المعدات اللازمة للابحار ". وطالب النائب التونسي بتكثيف حملات المراقبة على هذه الورشات غير القانونية التي يقول إنّها شريك في "صناعة الموت"، مضيفا" هي خطر على حياة كل من يركبها سواء كان تونسيا أو مهاجرا غير نظامي".(تونس - المشهد)