بعد غياب استمر لأكثر من 33 عاما، عاد الحاخام يوسف الحمرا إلى جانب عدد من اليهود السوريين إلى دمشق في زيارة جاءت بدعوة من السلطات المحلية. وقام الوفد بجولة شملت مواقع يهودية تاريخية في العاصمة السورية العريقة أبرزها مقابر السوريين اليهود وكنيس جوبر التاريخي إضافة إلى الحي اليهودي في دمشق وقبر الحاخام حاييم فيتال. الوجود اليهودي في سوريا يعود إلى آلاف السنين، حيث كان لليهود دور بارز في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المنطقة، خصوصا في مدن مثل دمشق وحلب والقامشلي، وقد أدت التوترات السياسية بعد عام 1948 إلى هجرة معظمهم لينتقل العديد منهم إلى إسرائيل والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية.اليهود في سوريا تحدث الحاخام حمرا حول ظروف مغادرته لدمشق، وقال "عشنا في الحارة أياماً صعبة، خصوصا عندما جاء حزب البعث. في البداية، كانت هناك الكثير من القيود وكانت الحياة قاسية. كان البعض يهرب من الحياة الصعبة، وكانت الحارة مغلقة، ولا أحد يستطيع الخروج منها. كان السفر يتطلب إذناً من المخابرات، مما جعل الحياة أكثر صعوبة". وأضاف الحاخام "هدفي من هذه الزيارة هو أن أرى بعد 33 سنة كيف تبدو الحارة، وكيف تغيّر الوضع. عند وصولنا، استقبلتنا سورية والأمن بكل ترحاب، وكان هناك استقبال حار من الجميع".تعرض يهود سوريا بعد تأسيس دولة إسرائيل لموجة من العداء والاضطهاد، وفرضت الحكومة السورية قيودًا عليهم، مثل منعهم من السفر أو بيع ممتلكاتهم. في تسعينيات القرن الماضي سمح الرئيس السوري حينها حافظ الأسد لليهود المتبقين في سوريا بالهجرة ما تسبب بانخفاض كبير في عددهم حتى باتوا يحصون العشرات مع بداية القرن الـ21.سياسة الأسد تجاه اليهودونتيجة لذلك، أصبحت الحياة الدينية اليهودية في سوريا شبه معدومة، لكن تم الحفاظ على بعض المعالم اليهودية، مثل الكُنس والمقابر، كما أن بعضها دمر مثل كنيس جوبر، أقدم وأهم المعابد اليهودية في سوريا، بالإضافة إلى مقبرة اليهود في دمشق أحد أقدم المقابر اليهودية في العالم. وأسهمت سياسية رئيس النظام السابق بشار الأسد تجاه اليهود في الحفاظ على بعض المعالم اليهودية، وعلى الرغم من السياسة الرسمية المعادية لإسرائيل، تمتع يهود سوريا بحرية دينية معينة، مع الحفاظ على الوضع الحساس بالنسبة للعلاقات مع إسرائيل. يروي المؤرخ السوري سامي المبيض ومؤلف كتاب "غرب كنيس دمشق" الذي تناول قصة يهود الشام في النصف الأول من القرن 20، ظروف هجرة اليهود من سوريا في حديثه إلى منصة "المشهد".يقول المبيض إن "يهود سورية تأخروا بالهجرة، إذ بدأوها عام 1948، وتم تشجيعها من كافة الدول العربية، لكن لم يتم إفراغ سورية من المكون اليهودي إلا بمنتصف التسعينيات، وهذا كان أحد الطلبات التي طلبها جورج بوش الأب من حافظ الأسد، اللذان اجتمعا بعد اجتياح الكويت وأثناء التحضير لتحريره، وهنا بدأت أول هجرة كبيرة يهودية من سوريا". ويضيف المبيض أن "موجة الهجرة الثانية كانت بعهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، وكان هذا العامل الذي أفرغ سوريا من المكون اليهودي، كما أن شرط الخروج كان الذهاب لأميركا أو لكندا أو لأوروبا، وليس لإسرائيل".وبحسب المبيض، قبل ذلك التاريخ، كان اليهود جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي في سوريا، وتحديدًا في مدينة دمشق، موضحاً: ففي 8 مارس 1920، شهدت دمشق تتويج الملك فيصل، حيث كان الحاخام يعقوب الدنون يقف إلى جانب مفتي دمشق الشيخ عطالله الكسم، وبطريرك الأرثوذوكس غريغوريوس الرابع حداد. في تلك الفترة، أرسل الملك فيصل رئيس وزرائه لتفقد "حارة اليهود". كما صدرت في عهده جريدة "الشرق"، التي كانت تُنشر بنصفها باللغة العبرية ونصفها الآخر بالعربية. خلال فترة الانتداب الفرنسي، كان يوسف لينادو، أحد أبرز وجهاء الطائفة اليهودية أو "الموسوية" كما كانت تعرف آنذاك، من أبرز الشخصيات السياسية في دمشق، حيث كان من أعلى الأصوات في الانتخابات النيابية التي جرت في عام 1943. حتى بعد 1948، معظم اليهود رفضوا المغادرة، لكن ضيق الحال والظرف الاقتصادي والإغراءات التي بدأت لاحقا دفعتهم لإغلاق مكاتبهم ومحلاتهم التجارية تباعا، وفقا للمؤرخ السوري. إدارة الشرع "تستقطب" الأقليات منذ وصولها تبذل السلطة الانتقالية في سوريا جهودا لتوجيه رسائل طمأنة للمجتمع الدولي حول عدم نيتها بأي شكل من أشكال التصعيد الميداني والانفتاح وتقبل الأقليات الدينية والعرقية وذلك ردا على المخاوف التي يبديها الغرب نظرا إلى الخلفية الإيديولوجية التي تنحدر منها. وتتلاقى أهداف دمشق في التركيز على إحياء وجود الأقليات من اليهود وغيرهم في سوريا مع رغبة اليهود بإعادة إحياء أكبر كنيس لهم في سوريا والموجود في منطقة جوبر شرق دمشق الذي تعرض للدمار خلال سنوات الحرب ليكون معلما دينيا وسياحيا. وبحسب تقارير عديدة، قد تشهد المدن السورية توافدا لليهود الراغبين في زيارة الأحياء التي ولدوا ونشأوا فيها بعد عقود من النفي، ما قد يجعلهم جسرا للتواصل بين دمشق وتل أبيب مستقبلا.يقول المبيض: "لا يوجد لدي رقم دقيق لعدد اليهود الذين كانوا يقيمون في دمشق في السنوات الماضية، ولا يوجد من يمتلك هذا الرقم بدقة سوى اليهود أنفسهم. ومع ذلك، قيل لي قبل 10 سنوات إن هناك نحو 70 يهوديًا ما يزالوا في سوريا، وجميعهم من كبار السن. وبغض النظر عن العدد، فقد تمكنوا من الصمود أمام الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد". ويشير المبيض إلى أن "البعثيين حاولوا أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، وجزء من هذه الإشارة كانت من تعاملات جمال عبد الناصر، وهي بالتعامل مع اليهود بأنهم مذنبين حتى يثبتوا العكس، لذلك كان هناك تعامل بحذر، وتم منع سفر إلا بتصريح أمني، يضاف إلى ذلك الرقابة المشددة عليهم، والتي لم تكن موجودة بعهد الرئيس شكري القوتلي، أو ناظم القدسي، أو هاشم الأتاسي أو بشكل عام أيام الحكم المدني الديمقراطي في سوريا".الجدير بالذكر أن بعض اليهود السوريين المقيمين بالخارج، خصوصًا في إسرائيل والولايات المتحدة، تبقي على تواصل مع العائلات التي بقيت في سوريا، لكن التواصل يظل محدودًا بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية، وفقا لتقارير إسرائيلية.(المشهد )