في الوقت الذي تنفي فيه الولايات المتحدة وإيران بشكل رسمي المفاوضات الجارية للتوصل إلى اتفاق نووي مؤقت، فإن إسرائيل تشعر بالقلق من احتمال حدوث ذلك، محذرة من "عواقب وخيمة" على لسان كبار مسؤوليها.وأعرب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر عن قلقهما بعد اجتماعهما الأخير مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في واشنطن، من هذا الأمر. كما تناول رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو هذا الموضوع خلال محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، معربا عن معارضة إسرائيل لأي اتفاق أميركي مع إيران، مشددا على أن مثل هذا الاتفاق "لن يلزم إسرائيل". مبدأ "أقل مقابل أقل" وكان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قال في تصريحات سابقة إن إيران "لا تمانع" التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع واشنطن، ولكن "بشروط". وتزعم تقارير إسرائيلية أن المفاوضات النووية السرية بين الولايات المتحدة وإيران تستند إلى مبدأ "أقل مقابل أقل"، وهذا يعني التوصل إلى اتفاق مؤقت بشأن قضايا محددة فقط يمكن للطرفين الاتفاق عليها. وفي هذه الحالة، ينصب التركيز على وقف إيران لتخصيب اليورانيوم مقابل الإفراج عن مئات المليارات من الدولارات من الأموال الإيرانية المجمدة. فهل يُمكن فعلا التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران؟ وهل يُمكن أن ترضى إسرائيل بضمانات واشنطن؟ وما هي هذه الضمانات؟ ولماذا تثق إيران بإدارة أميركية من المحتمل أن ترحل العام المقبل مع الانتخابات الرئاسية؟ اتفاق نووي جديد وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والمحلل السياسي المقيم في واشنطن إيلي يوسف، في حديث مع "المشهد" إن "كل المؤشرات تعطي هذا الانطباع، خصوصا وأن الأمر مرتبط بالتطبيع الذي جرى في العلاقات بين إيران ودول الخليج"، لافتا إلى أن "واشنطن لا تريد فتح صراع الآن قبل الانتهاء من حرب أوكرانيا". ويضيف يوسف أن "إيران ترغب في تخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عليها، لذا قد يكون هناك مصلحة مشتركة بين الطرفين"، محذرا: "لكن الشيطان يبقى في التفاصيل". وهو ما أيده الصحفي المتخصص في الشؤون الإيرانية إسلام المنسي في حديثه إلى "المشهد"، حيث قال إنه "يمكن التوصل لاتفاق نووي جديد مع إيران لأن كلا الطرفين يرون أن ذلك من مصلحتهما وهذا منذ قدوم إدارة بايدن حيث كانت واشنطن وطهران تريدان العودة إلى الاتفاق، ولكن كيفية هذه العودة وشروطها هي التي كانت تعيق التوصل إلى تفاهم، لأن كل طرف كان يريد أن يحصل من الآخر على تنازلات وهذا ما عطل العودة لأي اتفاق". وتسعى الولايات المتحدة إلى إبرام هذا الاتفاق لضمان التزام إيران بالقيود على أنشطتها النووية، بينما تريد طهران أن تتحرر من الضغط الاقتصادي الخانق والعقوبات المفروضة عليها منذ سنوات. لماذا الآن؟ لكن المنسي يلفت إلى أن الاتفاق المنتظر "ليس شيئا قطعيا لأن الطرفين توصلا قبل ذلك إلى نقطة أكثر من مرة كانا فيها قاب قوسين أو أدنى من التفاهم، ولكن اشتراطات اللحظات الأخيرة كانت تعيق التوصل إلى تفاهم وأعقد أن هذا له صلة بتوقيت أو بالنتائج والمخرجات التي توصل إليها الطرفان عبر المباحثات الجارية بينهما عبر الوساطات مثل الوساطة العمانية وغيرها، فالأمر لا يبدو علنيا وشفافا لكن التوقيت له علاقة بالتوصل إلى تفاهمات بين الوفدين التفاوضيين وما تسرب من أنباء عن هذا الأمر". ويركز المنسي على نقطة التوقيت التي قال إنها تعد "عاملا مؤثرا بالنسبة للأحداث العالمية مثل الأزمة الأوكرانية العام الماضي، حيث كان الطرفان على وشك توقيع الاتفاق وانتهت المحادثات إلى نتائج محددة"، مضيفا أن "الحرب غيرت الحسابات الإيرانية لذلك لجأت إلى المماطلة حين رأيت أن الحرب ستغير الحسابات لصالحها، كما كان لروسيا دور في التعطيل، وكذلك أزمة الطاقة العالمية". ثقة إيران بإدارة بايدن أما بشأن ثقة إيران بإدارة بايدن الحالية، فيقول المحلل السياسي إيلي يوسف لـ"المشهد" إن طهران "تريد الوصول إلى مليارات الدولارات، وهي مستعدة لتقديم بعض التنازلات التي تبقي برنامجها النووي حيا بشكل فعلي. كما أنها تعلم أن ما وقعته في 2015 مع واشنطن ليس المعاهدة التي ينبغي أن يوقع عليها الكونغرس كي تصبح ملزمة لأي رئيس". وبما أن الاتفاق هو أصلا اتفاق مؤقت تنتهي صلاحيته بعد سنتين، وأن الاتفاق الذي يحكى عنه الآن هو أيضا محدود ومؤقت، يتساءل يوسف: "لماذا الاعتراض عليه تحت حجة المطالبة بضمانات تعلم طهران أنها لن تحصل عليها من واشنطن بالنسبة لديمومة أي اتفاق؟"، موضحا أن "تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي الأخيرة تظهر بشكل واضح الواقعية الجديدة التي تحرك المفاوضات الجارية بين الطرفين". وهو ما نوّه إليه المنسي، مضيفا إلى ذلك أن "الأمر يتعلق بحسابات المكاسب والخسائر"، قائلا: حتى على السيناريو الأكثر تشاؤما أن إدارة بايدن سترحل ويأتي ترامب وينسحب من الاتفاق مجددا فهذا سيأخذ وقتا طويلا يمنح إيران الفرصة لمد اقتصادها بما يحتاجه من الأموال.إيران ترزح تحت عقوبات شديدة جدا منذ 2018 وحتى الآن على الرغم من أنها كانت ملتزمة بالاتفاق.نحن أمام مشهد تتعطش فيه إيران إلى أي مساعدة لانتشال اقتصادها الذي كانت له تأثيرات سلبية جدا على الداخل والخارج مثل اشتعال الاحتجاجات والمطالبة بأسقاط النظام.إيران ترى انها على هذا المدى القصير يمكن أن تحقق مكاسب عديدة بالإضافة إلى أنها تريد تضمين بند في التفاهم الذي يتعلق بالعودة للاتفاق يتضمن معاقبة الطرف الذي ينسحب كي تضمن عدم انسحاب واشنطن منه.العلاقات الإسرائيلية الأميركية وفيما يخص الضمانات التي من المفترض أن تقدمها واشنطن لإسرائيل، يقول يوسف إن "الضمانات التي يجب أن تُعطى من قبل واشنطن ليس لإسرائيل، بل لإيران"، موضحا أن "من يعتقد أن واشنطن يمكن أن توقع اتفاقا ضد مصلحة إسرائيل فهو مخطئ"، مضيفا أن "كل الخلاف بين واشنطن وتل أبيب يدور ضمن سقف له علاقة بالخلافات الأيديولوجية المندلعة في أميركا وإسرائيل، ولا علاقة له بالخلاف مع طهران". ويكمل أنه "مضى على تراجع دونالد ترامب عن الاتفاق وفرض إدارته عقوبات جديدة على طهران أكثر من 5 سنوات، ورغم مجيء جو بايدن الديمقراطي، لم تجر أي حلحلة في الموقف بين البلدين. لذا الموضوع ليس بهذه الخفة بين أميركا وإسرائيل خصوصا وأن استعداداتهما العسكرية والتدريبية جارية على قدم وساق، وهي من بين الخيارات الموضوعة على الطاولة، بحسب قادة البنتاغون". أما الصحفي والمحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور فيرى في حديث لـ"المشهد" أنه "في ضوء التباين الكبير في مواقف واشنطن وطهران للتوصل إلى اتفاق شامل أو جزئي، بدلا من اتفاق 2015، فإن المخرج والحل الوسط هو صيغة تفاهمات متبادلة وليس اتفاق بحد ذاته". ويضيف غانور أن "هذا الأمر سيجعل الرئيس الأميركي جو بايدن ليس مضطرا للحصول على موافقة الكونغرس أو مواجهة المعارضة من الحزب الجمهوري". ضمانات إسرائيل ولدى سؤاله عن الضمانات التي تحدث عنها المسؤولون الإسرائيليون والتي قد تعطيها واشنطن لإسرائيل، يشير غانور إلى أن "إسرائيل لم تدخل بعد إلى مرحلة المساومة والتعويض". وقال: "ما زلنا في مرحلة إقناع واشنطن بضرورة وقف المشروع الإيراني مع تلميح باللجوء إلى القوة وترك جميع الاحتمالات مفتوحة"، لافتا إلى أن أبرز تلك الضمانات تتضمن: ضمان التفوق العسكري.مساندة إسرائيل سياسيا في الأطر الدولية.نوع من معاهدة الدفاع المشترك ضد الخطر النووي.منع فتح سباق التسلح النووي في الشرق الوسط.غيرها من الضمانات الحيوية لإسرائيل ودول المنطقة لضمان الأمن الإقليمي الذي قد تعرضه إيران للخطر.وعن الطرق الإسرائيلية التي ستلجأ إليها لمنع حدوث الصفقة، خصوصا في ظل التباعد الراهن بين الإدارة الأميركية وإدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، يقول المحلل الإسرائيلي شلومو غانور لـ"المشهد" إن "الطرق الدبلوماسية" ستكون في المقدمة، بالإضافة إلى "إقناع الرأي العام الدولي بالخطر الإيراني، وتجنيد الحلبة السياسية الأميركية". ويوضح غانور: "لا نستبعد أنه مع اقتراب بدء الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية سيتم إرسال دعوة لنتانياهو لزيارة البيت الأبيض، وهي جزء من الحملة لإرضاء الصوت اليهودي-الديمقراطي، وكسب التأييد المسيحي-الإنجيلي المؤيد لإسرائيل، وهي فرصة للتحدث عن المسألة". (المشهد)