ضمن خطة محاصرته لـ"حزب الله"، شنّ الجيش الإسرائيلي موجة من الغارات الجوية في جميع أنحاء لبنان أمس الأحد، مستهدفا فروع مؤسسة القرض الحسن، وهي جمعية مالية مرتبطة بالحزب.وتعمل المؤسسة كمُقرض ومزود للخدمات المالية للمدنيين بمناطق مختلفة في لبنان، حيث القطاع المصرفي التقليدي في حالة من الفوضى. وفي عام 2017، وُضعت المؤسسة تحت العقوبات الأميركية واتهمها مسؤولون أميركيون وإسرائيليون وغيرهم بالعمل كذراع مصرفي فعلي لـ"حزب الله". وداخل لبنان، حيث يعمل "حزب الله" أيضا كحزب سياسي ويقدم مجموعة من الخدمات الاجتماعية، تم تصنيف "القرض الحسن" كمنظمة غير حكومية وينظر إليها على أنها جمعية خيرية تابعة للحزب. وتقع العديد من فروع مؤسسة "حزب الله" المالية التي قصفتها إسرائيل في الطوابق الأرضية من المباني السكنية. وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، تشكل المؤسسة مكونا رئيسيا في شبكة الخدمات الاجتماعية لـ"حزب الله"، والتي اعتمد عليها الكثير من المؤيدين بشكل كبير وسط الانهيار الاقتصادي التاريخي في لبنان. وفي الأيام الماضية، قال وزير الدفاع الإسرائيلي إنه قوات الجيش انتقلت من مرحلة هزيمة "حزب الله" إلى تدميره. وبعد أن تمكّنت إسرائيل من اغتيال العشرات من قادة "حزب الله" وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله، وشنّ عملية برية واسعة في جنوب لبنان، أعلنت أمس الأحد أنها ستبدأ بعملية قطع التمويل عن الحزب. وإزاء ذلك، أثيرت تساؤلات حول كيف سيؤثر ذلك على "حزب الله" في فترة الصراع وخصوصا أنه سيحتاج إلى النقد لتمويل الحرب والإنفاق على حاضنته من النازحين؟ صعوبات مستقبليةومن هنا، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية الدكتور بدر الماضي، إن إسرائيل حقّقت الكثير من الاستهدافات للقاعدة العسكرية والهيكل العسكري لـ"حزب الله" في الأسابيع الفائتة. وأضاف الماضي في تصريحات لمنصة "المشهد" أن "حزب الله" سيواجه الكثير من الصعوبات في المرحلة القادمة عسكريا. ولفت إلى أن إسرائيل تريد أن ترفع الثمن أعلى بكثير على "حزب الله" وعلى مستقبله، الذي سيكون عسكريا أم سياسيا أو كليهما في لبنان خلال الفترة المقبلة، خصوصا أنه من النتائج المحتملة أن يتحول الحزب إلى قوة سياسية معتبرة داخل لبنان. ولذلك، يبدو أن إسرائيل تريد أن تنهي قوة "حزب الله" ليس فقط من الناحية العسكرية، وإنما من القدرة المالية، عبر استهداف مصادر تمويله والعمل على إجهاض قوة محتملة سياسية واجتماعية في المستقبل، وفق الماضي.وأكد أن التوجّه والإجراءات الإسرائيلية، يُسهم مساهمة فعالة في التقليل من قدرات "حزب الله" على إعادة بناء نفسه كقوة سياسية واجتماعية أو حتى عسكرية في المستقبل. وأضاف الماضي "من هذا المستوى، نستطيع القول إن الحزب سيواجه مشاكل كبيرة جدا سواء خلال الحرب لأنه لن يتمكّن من تمويل شبكاته المالية في ظل غياب تمويل الأفراد وخصوصا العسكريين وعائلاتهم في المرحلة القادمة".واعتبر أن "حزب الله" سيواجه معضلة قادمة، في بناء شبكات مالية جديدة بسبب الرقابة التي تفرضها الولايات المتحدة والتي كانت تفرضها في السابق وستفرضها على الحزب وعلى المموّل المحتمل والذي هو ايران.ويرى الماضي أن الحصار الأميركي يمكن أن يشمل مموّلين كُثرا من رجال الأعمال الموجودين في إفريقيا وأميركا اللاتينية وغيرها. وشدد على أن الاستهداف الإسرائيلي لمؤسسة القرض الحسن في بيروت وعموم المناطق اللبنانية، سيصبّ وبشكل كبير جدا في ضبط حركة "حزب الله" المالية بالإضافة إلى التحرّك العسكري داخل لبنان بشكل خاص وفي الإقليم بشكل عام.مصادر تمويل أخرىإلا أن الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبوزيد، له رأي مختلف عن الماضي في ذلك. وقال إن استهداف إسرائيل لفروع مؤسسة القرض الحسن في بيروت، يأتي في إطار محاولات تجفيف منابع "حزب الله" المالية التي أسسها عام 1982 كمؤسسة خيرية تقدم قروضا بدون فوائد للبنانيين، خصوصا الشيعة منهم. واعتبر أبو زيد في حديثه لمنصة "المشهد" أن ذلك لا يعني أن إسرائيل نجحت في قطع شريان "حزب الله" المالي لأن مصادر تمويله متعددة ولا تنحصر في مؤسسة القرض الحسن التي تم استهدافها في الساعات الماضية. وأكد أن إسرائيل "تعمل على ما يبدو ضمن مسار عملياتي بدأ باستهداف قيادات الحزب ثم تحوّل نحو طرق الإمداد والتزويد عبر قصف معبر المصنع الحدودي مع سوريا ثم تحوّل إلى استهداف مواقع تخزين الأسلحة والصواريخ، ليصل إلى استهداف شريان الحزب المالي".استبعد أبوزيد أن تنجح الخطوة الإسرائيلية في استهداف واحد من مراكز تمويل "حزب الله" في هذا الوقت أو التأثير على القتال في المدى القريب، منوها أن قتال الحزب أصبح انتقاميا كردّ فعل على ما قامت به إسرائيل من تهشيم لهيكله التنظيمي وقتل قياداته وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصرالله. وقال "عندما يكون القتال مدفوعا بالحماس الديني والإيديولوجية، فإن هناك قضايا أكثر أهمية للقلق بشأنها من توفر النقد والتمويل". واعتبر أبو زيد أن هذه القضايا وفق رؤية "حزب الله" الحالية، هي النجاح بإعادة إنتاج قدراته ومنع أي إنجاز إسرائيلي يُذكر مع عدم الخروج من هذه المعركة بمعادلة صفرية على الأقل في الحالة السياسية اللبنانية. (المشهد)