شهدت مناطق شمال غربي سوريا تصعيدا عسكريًا غير مسبوق منذ اتفاق وقف إطلاق النار في مارس 2020، حيث أطلقت فصائل المعارضة السورية هجومًا واسع النطاق على القوات الحكومية السورية في ريفي حلب وإدلب، وهي ضمن مناطق خفض التصعيد في سوريا.ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، تمكنت فصائل المعارضة خلال 24 ساعة فقط من السيطرة على عشرات القرى والبلدات في الريف الغربي لحلب، واقتربت من مركز المدينة. وفي خطوة رمزية وإستراتيجية، فتحت فصائل المعارضة محورا هجوميا نحو مدينة سراقب، التي خسرتها في عام 2019، في محاولة لاستعادتها. وتُعد هذه المدينة نقطة إستراتيجية هامة نظرًا لموقعها على تقاطع طرق رئيسية تصل بين حلب ودمشق، مما يجعل السيطرة عليها هدفا ذا أهمية بالغة. الصمت الروسي والتركي ورغم التصعيد الميداني، لم يصدر أي تعليق رسمي من موسكو أو أنقرة، وهما الطرفان الرئيسيان في صياغة التفاهمات حول شمال غربي سوريا. ويثير هذا الصمت تساؤلات حول مدى توافق القوى الإقليمية على استمرار أو تعديل الوضع الراهن، خصوصا وأن الهجوم الحالي يأتي ضمن مناطق خفض التصعيد في سوريا المتفق عليها سابقًا. مناطق خفض التصعيد في سوريامناطق خفض التصعيد هي مفهوم ظهر خلال الصراع السوري كجزء من الجهود الدولية للحد من العنف وتوفير ملاذ آمن للمدنيين. وأُطلقت هذه الفكرة خلال محادثات أستانا عام 2017 بين الدول الضامنة الثلاث: روسيا، تركيا، وإيران، وتهدف مناطق خفض التصعيد في سوريا إلى تحقيق أهداف عدة.أهداف مناطق خفض التصعيد في سوريا:تقليل الأعمال القتالية: كان الهدف الأول من إنشاء هذه المناطق هو وقف إطلاق النار وتخفيف حدة القتال في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والمعاناة الإنسانية الشديدة.تحسين الوضع الإنساني: شملت هذه الأهداف تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين في تلك المناطق، وضمان حصولهم على الغذاء والرعاية الصحية.تهيئة الظروف للحل السياسي: وفرت هذه المناطق بيئة آمنة لتخفيف التوتر بين الأطراف المتنازعة وتعزيز الثقة تمهيدًا للحوار السياسي.ما هي مناطق خفض التصعيد في سوريا؟تم تحديد 4 مناطق رئيسية ضمن اتفاقية أستانا:الغوطة الشرقية: الواقعة شرق العاصمة دمشق، والتي كانت معقلًا رئيسيًا للمعارضة المسلحة.ريف حمص الشمالي: يشمل عدة بلدات في وسط سوريا.إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية: تُعد محافظة إدلب المنطقة الأبرز ضمن الاتفاق، وأصبحت ملاذًا للنازحين والمقاتلين المهجرين من مناطق أخرى.جنوب سوريا: تشمل أجزاء من درعا والقنيطرة والسويداء، القريبة من الحدود مع الأردن وإسرائيل.آليات التنفيذ والمراقبة تضمنت الاتفاقية إنشاء نقاط مراقبة للدول الضامنة (روسيا، تركيا، وإيران) لضمان الالتزام بوقف إطلاق النار ومنع التصعيد. كما تم الاتفاق على فتح معابر إنسانية لتسهيل حركة المدنيين والبضائع، إضافة إلى إنشاء ممرات آمنة لإيصال المساعدات. ورغم الطموحات التي رافقت إنشاء مناطق خفض التصعيد في سوريا، واجهت هذه التجربة تحديات كبيرة:خروقات متكررة: شهدت المناطق المحددة انتهاكات مستمرة من قبل النظام السوري وحلفائه، بالإضافة إلى بعض الفصائل المسلحة.غياب الثقة: أدى غياب الثقة بين الأطراف إلى استمرار القتال في بعض المناطق، رغم الاتفاقيات المعلنة.استعادة الحكومة السورية السيطرة: بعد فترة من الهدوء النسبي، شنت القوات الحكومية هجمات واسعة بدعم من روسيا، مما أدى إلى استعادة السيطرة على معظم مناطق خفض التصعيد في سوريا، مثل الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي.الهجوم الأخير في إدلب وحلب يعكس تحديات جديدة لمفهوم مناطق خفض التصعيد في سوريا، بينما سعت الاتفاقيات السابقة إلى تحقيق استقرار نسبي، يبدو أن التحركات الأخيرة تعيد رسم المشهد الميداني والسياسي في شمال غربي سوريا.وتظل هذه المناطق شاهدًا على تعقيدات الصراع السوري، حيث يتقاطع فيها العمل الإنساني مع المصالح السياسية والعسكرية، مما يجعلها مركزًا دائمًا للأزمات والتحولات. (المشهد)