منذ أيام، أنهت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، في حين كان لهذا الصراع المطول والمدمّر عواقب وخيمة على أوكرانيا وروسيا والمجتمع العالمي. وأسفر الصراع عن سقوط الملايين بين قتلى وجرحى على كلا الجانبين، وفقًا لتقديرات حلف شمال الأطلسي، في حين نزح ما يقرب من 4 ملايين شخص، وتُرِكت مُدن بأكملها في حالة خراب. الحرب الروسية الأوكرانيةوتحتل القوات الروسية حاليًا ما يقرب من 20% من أراضي أوكرانيا، وعلى الرغم من ذلك، تحتفظ كييف بالسيطرة على 80% المتبقية، على الرغم من أن الصراع لا يزال مكثفًا، خصوصا في المناطق الشرقية. وعطلت الحرب الأمن الأوروبي بشكل كبير، مما أدى إلى إعادة ترتيب إستراتيجيات الدفاع القارية، كما أدّت إلى إجهاد التحالفات الدولية، وأثارت تساؤلات حول مستقبل ضمانات الأمن العالمية. ومع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدّة البيت الأبيض واستمرار الحرب في عامها الرابع، بقي السؤال قائماً حول ما إذا كانت أوكرانيا قادرة على تحمل عام آخر من الصراع. ويعمل ترامب في الأسابيع الأخيرة إلى إنهاء الحرب، حيث أجرى محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حين همّش الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي والاتحاد الأوروبي ودعاهما للانخراط في السلام وقف الحرب. خسائر ومكاسب ومن هنا، قالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة موسكو الدكتورة ثريا الفرا إن هذه الحرب أثرت بشكل سلبي على الجانبين الروسي و الأوكراني، على الرغم من أن الخسائر الأوكرانية كانت أكبر. وأضافت الفرا "نتحدث عن حرب على مدار 3 أعوام لقي فيها الآلاف في أوكرانيا حتفهم ولن ننسى أيضا من الروس بالتأكيد. ولا ننسى أيضا مسألة نزوح ملايين الأوكرانيين في حين تحوّلت مدن بأكملها إلى خراب". وأكدت في حديثها لمنصة "المشهد" أن هذا كله يعدّ من التأثيرات الصادمة للحرب التي تدور رحاها الآن ما بين كل من روسيا وأوكرانيا. وأشارت إلى أنه بالنسبة لكمية الخسائر، فإن الجانب الأوكراني هو الخاسر الأكبر في هذه الحرب نتيجة ما لقيه الشعب هناك من تشريد بالإضافة إلى خسارة أوكرانيا لأربع مناطق هامة جدا بالنسبة لها والتي تعتبر من المناطق الغنية بالثروات المعدنية. وقالت الفرا "روسيا خسرت بالتأكيد من جرّاء هذه الحرب. هناك مئات الجنود لقوا حتفهم في هذه المعركة"، مشددة على أنه لا رابح في الحروب إلا أن المكاسب الميدانية تميل للكفة الروسية. هزيمة إستراتيجيةبدوره، قال المحلل السياسي الروسي أندريه مورتازين إن روسيا أعلنت سابقا أن خسائر الجيش الأوكراني بلغت نحو مليون و200 ألف جندي بين قتيل وجريح. وأشار في تصريحات لمنصة "المشهد" إلى أن خسائر الجيش الروسي "سرية ولا تعلن رسميا" حسب تصريحات المسؤولين العسكريين الروس والسياسيين. وأكد مورتازين أن خسائر الجيش الروسي أقل بخمس مرات ممل تعلن عنه كييف، لأن الجيش لم ينفّذ هجمات واسعة النطاق واعتمد مبدأ الحفاظ على حياة قواته، مقدّرا مقتل نحو 150 ألف جندي روسي منذ بداية الحرب. وبالنسبة للمكاسب، فإن روسيا سيطرت على شبه جزيرة القرم في عام 2014 واكتسبت الأراضي في منطقة الدونباس بأقاليمه الأربعة. ولفت مورتازين إلى أن هذه المكتسبات الروسية تقارب خُمس مساحة أوكرانيا. واعتبر أن المكاسب الروسية تجاوزت السيطرة على الأراضي، وإنما اكتسبت أيضا سمعة على الساحة العالمية في حين الكثير من الدول باتت تعتبر روسيا دوله غير مهزومة كما كانوا يعتبرونها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. وأشار إلى أنه لا يرى أنة مكاسب حققتها أوكرانيا في الأعوام الثلاثة الماضية، مبينا أن الغرب والإدارة الأميركية السابقة، كان هدفهم إلحاق الهزيمة الإستراتيجية بروسيا، إلا أن ذلك فشل الآن وبات الاتحاد الأوروبي يبحث عن كيفية إنقاذ نظام فولوديمير زيلينسكي. موقف ترامب وبالنسبة إلى موقف الولايات المتحدة من الحرب، أكدت "لا شك أن هناك انقلابا في الموقف الأميركي. الأمور انقلبت رأسا على عقب، وواشنطن غيّرت موقفها من أوروبا وجعلتها خارج مداولات" حلحلة الأزمة. وقالت الفرا "أوكرانيا تبحث عن خيارات أحلاها مرّ"، مبينة أن "رعاة الوساطة تبدلوا من هلسنكي إلى الرياض". ولفتت الفرا إلى أن الرئيس الأميركي عندما بدأ العمل لإنهاء الحرب، تواصل مع موسكو وأرسل مفاوضيه للقاء نظرائهم الروس وبالتالي من ناحية نظرية، يُرجّح أن تؤدي هذه المحادثات إلى حسم الصراع المفترض خلال هذا العام. وأكدت أنه لا يوجد ما يشير على الأرض من تحركات بأن هناك تحركا في الاتجاه العملي لوضع حدّ لهذه الحرب. وقالت "لا ننسى بأن هناك هجوما سياسيا غير مسبوق من قبل الأوروبيين وأوكرانيا على محاولات الإدارة الأميركية بالتواصل مع روسيا". وشددت الفرا على أن روسيا لا تزال متمسكة بالشروط الأساسية التي بدأت من أجلها العملية العسكرية في أوكرانيا، كما أن ترامب متمسك برؤيته لحل الصراع طبعا دون تقديم ضمانات تطالب بها كييف خصوصا في المجال الأمني للمستقبل الأوكراني. وأضافت الفرا "أرى بأن ذلك قد يؤدي بالنتيجة إلى تعقيدات في هذا الصراع بالفعل، وربما هذا ما قد يمنع من توقع حلول سريعة أو يؤدي في نهاية المطاف إلى انسحاب الجانب الأميركي من المفاوضات سواء أراد ترامب استئناف دعم كييف أو اتخاذ الحياد". ويرى البعض أن كييف تدرك بأن أهمية الدعم الأميركي مهم لتستطيع مواصلة الحرب لكنها أيضا لا تستطيع تحمل فكرة الهزيمة بعد 3 أعوام بما قدمته من تضحيات. وفي حال تمسك ترامب برؤيته في فرض الحل، فقد تجد أوكرانيا نفسها مضطرة إلى مواصلة القتال "وهنا المشكلة في من سيقوم بدعم أوكرانيا بالسلاح في ظل معاناة أوروبا من أزمات اقتصادية ومواجهات سياسية". واختتمت الفرا حديثها قائلة: "الأمور إلى الآن لم تتضح وما تزال الرؤية ضبابية. روسيا ما تزال تحشد قواتها في بيلاروسيا أيضا". وقالت إن ترامب سبق أن حذّر من أن روسيا تمتلك أكبر عدد من الرؤوس النووية في العالم، وبالتالي هذا يعطي الناتو حالة من التأني في مواجهة عسكرية مع موسكو.تأثير أميركا على الصراع في حين قال مورتازين إن فوز ترامب في الانتخابات الأميركية، غيّر موازين القوى وأعاد تشكيل السياسة الأميركية. وأكد أن ترامب لا يريد الحرب ولا يريد تمويلها من الجيوب الأميركية، خلافا لإدارة سلفه جو بايدن التي كانت جاهزة أن تموّل زيلينسكي بلا شروط وأهم شيء بالنسبة لها إلحاق الهزيمة الإستراتيجية بروسيا. وتوقّع أن يفرّ زيلينسكي في نهاية المطاف إما إلى بريطانيا أو فرنسا، وستحل محله شخصية أخرى إما عبر الانتخابات الجديدة أو تعيين رئيس البرلمان الأوكراني لأنه الشخص الثاني في نظام السلطة الأوكرانية في حاله غياب رئيس الجمهورية. واعتبر أن الرئيس الأوكراني الجديد سيوقّع اتفاقية مع الولايات المتحدة، "ونتيجة لذلك ستتحول أوكرانيا من شبه مستعمرة أميركية إلى مستعمرة أميركية بشكل كامل". وشدد على أن بوتين لن يوقف الحرب أيضا إلا بعد ضمانات أميركية بعدم نشر قوات الناتو على ما تبقى من الأراضي الأوكرانية، وأن تبقى أوكرانيا محايدة عسكريا. ونفى إمكانية نشر فرنسا أو بريطانيا نحو 30 ألف جندي كقوة حفظ سلام في أوكرانيا، معتبرا أن هذه الخطة "لن تمر عبر مجلس الأمن". وأكد مورتازين أنه وفق القانون الدولي لا يمكن إرسال قوات حفظ السلام إلا بموافقة طرفي النزاع، وروسيا غير موافقة على هذا.(المشهد)