برزت قضية اللاجئين السوريين كمشكلة مشتركة بين الدول المجاورة لسوريا، ومنها تركيا، التي تأثرت بالحرب السورية بإرادتها، نتيجة لتدخّلها السياسي والعسكري فيها، على عكس لبنان والأردن ودول أخرى. ويتبيّن حجم التأثير التركي في الملف السوري، بالنظر إلى أعداد اللاجئين على أراضيها مقارنة مع جوار سوريا، إذ يعيش في تركيا ما يزيد عن 3.6 ملايين لاجئ سوري مسجّلين لدى المفوضية الأممية في تركيا، بحسب الاحصاءات الرسمية، كأكبر عدد من اللاجئين المسجلين في العالم، فيما تؤكد معظم الإحصاءات المستقلة، بأنّ العدد يتجاوز ذلك بكثير، في ظل وجود مقيمين غير مسجّلين أو غير شرعيين، مقابل 1.3 ملايين لاجئ مسجلين في القيود الرسمية الأردنية، في حين لا يوجد عدد دقيق للّاجئين السوريين في لبنان، إلا أنّ هناك تقديرات تقريبية تشير إلى وجود 1.5 ملايين لاجئ. وفي ظل الاستقطاب الحاد الذي تشهده تركيا، والمصاعب مع بدء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فقد تحوّل ملف اللاجئين السوريين إلى ورقة سياسية، وعنوانٍ للتراشق وإدارة التجاذبات، ليتنافس المرشّحون في تقديم الوعود الأكثر تطرفًا لناحية ترحيل السوريين، في خطاب ارتفعت حدّته نتيجة فشل كلّ من المرشحين في تجاوز عتبة الـ 50+1% لحسم السباق الانتخابي من الجولة الأولى. رفض وجود السوريين كأحد أدوات معالجة ملف اللاجئين السوريين، شكّلت تركيا المديرية العامة للهجرة، لتسهيل حصولهم على خدمات اجتماعية وتعليمية وأمنية، وأعطتهم وثيقةً رسمية "كيميلك" لتسهيل تنقّلهم في البلاد ومعاملات البيع والشراء، والتي تحوّلت لاحقا إلى أداة لضبط تحرّكاتهم، بل وحتى تحديد المناطق التي يحقّ لهم الإقامة أو العمل فيها. تمنع القوانين التركية منح حقّ اللجوء للوافدين من دول الشرق الأوسط، حاصرةً هذا الحق للوافدين من الغرب فقط، لذلك فإنها تسمّي اللاجئين السوريين "بالمقيمين تحت الحماية الموقتة". يُعتقد بأنّ الاهتمام التركي بالسوريين واستقبالهم بأعداد كبيرة، مردّه إلى قناعة الرئيس التركي بسرعة سقوط حكومة دمشق مع بدء الأزمة السورية، وبالتالي حصول أنقرة على نفوذ ومساحة سياسية أكبر في مرحلة تشكيلة وهندسة المنظومة السياسية في سوريا ما بعد الأسد، استنادا إلى العدد الكبير من السوريين المحتمين بها، وفق الخطاب التركي. لكن مع مرور السنوات، وفي ظل أزمات اقتصادية ونِسب تضخّم مرتفعة، وتقلّب المزاج التركي، أصبح الأتراك ممتعضين من الوجود السوري في البلاد، الأمر الذي أدى إلى تضييق الخناق عليهم، والمطالبة بترحيلهم. من الصعب على الشعب التركي أن يقبل السوريين كمكوّن اجتماعي جديد، نظرا للاختلافات الثقافية بين الشعبين، من اللغة إلى العادات والتقاليد، في وقت لا تزال اللغة الكردية تحاول منذ عقود، انتزاع اعتراف بوجودها في بلد يشكّل فيه المتحدثون بها، ما يقرب من 30% من المجتمع. ترفض فئة كبيرة من الأتراك اللغة الكردية وتعاديها، بل ويصل الأمر إلى قتل وضرب من يتكلّم بها في الشارع، في بعض الحوادث، لذا من المرجّح استمرار الرفض التركي لوجود السوريين، الذين يرونهم خطرًا على تركيبة المجتمع التركي. يقول المحلل السياسي التركي المتخصّص في العلاقات الدولة آيدن سيزر، في حديث إلى منصة "المشهد"، إنّ "المجتمع التركي منقسم تماما حول قضية اللاجئين السوريين، هناك من يؤيّد بقاءهم، وهناك من يريد ترحيلهم على الفور، الموضوع شائك جدا". ويرى سيزر أنّ "بعض السوريين سيبقى ويندمج في المجتمع التركي، على وجه الخصوص جيل الشباب، الذي وُلد وترعرع في تركيا، هذا الجيل عليه أن يقرر بمحض إرادته، ما إذا كان سيغادر أو يبقى، كما تنصّ مفاهيم حقوق الإنسان الأساسية على ذلك". الوجهات المحتملة للاجئين في ظل المزاج العام الرافض لوجود اللاجئين، فإنّ الفوز المرجّح لإردوغان في الجولة الثانية، قد يزيد من الغضب الشعبي تجاههم، خصوصا أنّ الأخير دعمهم واتّبع سياسة الباب المفتوح خلال الحرب السورية، كذلك بناءً على تصريحاته الدائمة حول العودة الطوعيّة، وليس القسرية، للسوريين، وبالتالي قد تشهد تركيا في المرحلة القادمة اعتداءات متزايدة ضد السوريين، وربما حملات شعبية لمقاطعة محالّهم التجارية وبضائعهم. في هذا السياق يبيّن سيزر أنّ "اللاجئين ليس لديهم خيارات، ولكن إذا اتخذت بعض الدول وأوروبا وكندا والولايات المتحدة، خطوة لقبولهم بأعداد معيّنة، فقد يذهب جزء صغير منهم إلى تلك البلدان، لكن يبقى السيناريو الرئيسي حول عودة معظمهم إلى سوريا". وبرأي سيزر، "لا يمكن افتراض عودة جميع السوريين إلى بلادهم، لكنّ قسما كبيرا منهم يمكن أن يعود إذا تم تشجيعهم بجدّية على ذلك".لكن بالنظر إلى شرائح السوريين الموجودين في البلاد، سيكون أمامهم بعض الخيارات في المرحلة القادمة، فالأثرياء منهم، قد يفضّل البقاء في تركيا، كون أغلبهم حاصلًا على الجنسية التركية مقابل الاستثمار أو شراء عقار. أما بالنسبة للطبقة العاملة الذين يعملون بأجور زهيدة أقلّ من الحد الأدنى للأجور، الذي ينصّ عليه القانون التركي، ومن دون تأمينات صحية أو اجتماعية، فمن غير المحتمل تعرّضها لضغوط حكومية جدية لترحيلهم، كون الصناعة التركية تستفيد منهم في تخفيض تكاليف الإنتاج، مقابل توقّع تفضيل جزء منهم العودة، والعمل في سوريا بظروف أفضل، في حال تعافي الاقتصادي السوري، خصوصا الأشخاص الذين تجاوزوا عمر الخدمة العسكرية الإلزامية. الفئة الأكثر قبولُا للعودة لسوريا، هم قاطنو المخيمات، غير القادرين على التحرك خارج المخيم أو ممارسة حياتهم بشكل طبيعي. أما بالنسبة لشخصيات المعارضة السورية، فإنّ غالبيّتهم حصلت على الجنسية التركية، لكن رغم ذلك قد يتوجّه العديد منهم إلى أوروبا، للحصول على اللجوء السياسي، خصوصا في حال نجاح التقارب السوري التركي. الجدير ذكره أنّ محاولات السوريين للانتقال من تركيا إلى الدول الأوربية، بطرق غير شرعية، لم تتوقف، كما أنّ طلبات اللجوء المقدمة من قِبلهم للاتحاد الأوروبي، بلغت في عام 2022 أعلى نسبة لها خلال السنوات الستّ الأخيرة. كراهية متزايدة ضد السوريين كانت إعادة اللاجئين السوريين على رأس أجندات الأحزاب السياسية التركية في الانتخابات، كورقة رابحة، سواء لإردوغان أو لخصمه، و ظهر تأثير التحريض ضد السوريين على أرض الواقع، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. إنّ وعود ترحيل السوريين حقيقية بحسب سيزر، "لكن علينا أن ندرك أنها وعود انتخابية إلى حدّ كبير، حزب "النصر"، الذي وعد بترحيل اللاجئين قسرا، والقيام بذلك خلال عام ، حصل على 2٪ فقط من الأصوات". في الفترة الأخيرة خصوصا بعد الجولة الأولى من الانتخابات التركية، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة أساسية لاستهداف السوريين والتحريض ضدهم، ويمكن ملاحظة ذلك بشكل كبير من خلال تعليقات الأتراك على أيّ موضوع يتعلق بالسوريين. فقد نال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، التي تحدث في لقاء له، عن ترحيل السوريين قائلًا: "لا يمكننا إرسالهم ليموتوا". غرّد أحد الأتراك على تويتر قائلا: "إنك تقتلنا حتى لا يموتوا. لماذا نحن؟ السوريون زهرة ستموت لكن ماذا عنّا؟ هل تريدنا أن نموت، هل يمكنك المخاطرة بفقداننا؟".خلاصة القول، اللاجئون السوريون لن يمكنهم العيش كما كان عليه الحال في السنوات الأولى لوجودهم في تركيا، خصوصا إذا حصل المرشح الرئاسي سنان أوغان الذي أعلن دعمه لإردوغان في الجولة الثانية، على نفوذ في ملف اللاجئين، في وقت اشترط فيه ترحيلهم مقابل دعمه لإردوغان.(المشهد)