احتلت التوترات بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) الأسبوع الماضي، عناوين الأخبار، في صراع اعتبره البعض (كرديا- عربيا) بالمقام الأول، رابطين إياه بالتوترات طوال العقود الماضية التي كانت تُثار بين الجانبين لأسباب أبرزها بثروات المنطقة، التي تحتوي على أكبر حقول النفط في سوريا من جهة، وكونها "السلّة الغذائية" للبلاد من جهة ثانية. بالنسبة للأكراد، تُعتبر توترات اليوم حاسمةً ومصيريّة، خصوصا بعد تشكيلهم الإدارة الذاتيّة التي حلموا فيها منذ عشرات السنين، في وقت تعمل فيها تركيا على محاربة هذا الوجود الكرديّ على حدودها، والتي تصنّفه كـ"تهديد" لأمنها القومي.وعلى الرغم من تحالف القوات العشائرية مع قسد خلال محاربة تنظيم داعش الإرهابي، إلا أنّ هذا التحالف لم يكن متينا بما يكفي، ولم يخلُ من المحسوبيات والتنافس على السلطة، الأمر الذي أدى إلى توترات عديدة في المنطقة، لكن لم يتم تسليط الضوء عليها كما اليوم، نظرا لاختلافها من ناحية التوقيت وديناميات الصراع القائم في البلاد. السيطرة على ذيبان في الساعات الأخيرة، سيطرت قسد على بلدة ذيبان في ريف دير الزور، وذلك بعد فشل اقتحامها 3 مرات، والتي تُعتبر معقل شيخ قبيلة العكيدات إبراهيم الهفل، الذي قاد المعارك ضدّ قسد، وعمل على توحيد صفوف العشائر، كما أنه ظهر ,وهو يحمل سلاحا، ويحضّ أبناء العشائر على القتال. حتى ولو أنّ الأنباء التي تتحدث عن نهاية الاشتباكات وعودة الاستقرار إلى المنطقة كانت صحيحة، إلّا أنّ عمليات التمشيط التي تقوم فيها قسد بحثا عن مسلحين كانوا يقاتلون ضدّها لاعتقالهم، تزيد الأمر تعقيدا، وكذلك ترفع مستوى الاحتقان العشائري ضدها، الذي بالأساس وصل إلى مستويات عالية، وأدى إلى ما وصلت عليه الأمور الأيام الماضية من توترات راح ضحيّتها عشرات القتلى والجرحى.وفي هذا السياق قالت مصار عشائرية إلى منصة "المشهد" مفضلة عدم كشف هويتها، " إنّ "الأحاديث حول حسم قسد للمعركة غير صحيحة، العشائر مصممة على مطالبها، وعلى رفض سيطرة وغطرسة قسد على المنطقة، ومن غير الممكن أن تقبل العشائر بتحجيمها، خصوصا أنّ المعارك أصبح فيها دماء، وتعديا على النساء، وقتلهم، والفكر العشائريّ لا يمكنه تقبّل ذلك". وتضيف المصادر، "هناك تمويل من أبناء العشائر في الخارج، حيث إنّ العشائر العربية ممتدة إلى دول الجوار خصوصا في الخليج والعراق والأردن، والتي بدورها تدعم المعارك اليوم، ولا تراجع عن المطالب وعن إعادة قسد حجمها ومكانتها الطبيعية". وحول مصير إبراهيم الهفل شيخ قبيلة العكيدات، تبيّن المصادر أنّ " الهفل يشارك في المعارك، ومن المنطقي أن يتوارى عن الأنظار، لأنّ قسد تتوعد بقتله، وتلاحقه". في الإطار ذاته، يوضح المحلل السياسي د. أحمد الدرزي في حديثه إلى منصة "المشهد"، أنّ "الشرخ يتوسع بين أبناء العشائر العربية من جهة، وبين قوات سوريا الديمقراطية من جهة ثانية، ولا قدرة اليوم على ترميم هذا الشرخ خصوصا أنّ المنطقة محط نزاعات دولية وليست محلية وكل طرف يسعى إلى تثبيت الواقع لصالحه". ويضيف الدرزي "نحن أمام مسار طويل من المعارك والتوترات في المنطقة، ولا يمكن انتهاء هذه التوترات إلا بتسوية شاملة، على مستوى جميع القوى الفاعلة في المنطقة. الموقف الأميركيّتنقسم محافظة دير الزور إلى قسمين بواسطة نهر الفرات، قسم تسيطر عليه الحكومة السورية وحلفاؤها، والقسم الثاني تسيطر عليه "قسد"، في هذا الإطار بدا الموقف الأميركي غير واضح من الاشتباكات، ولم يفعل أيّ شيء سوى الدعوة إلى التهدئة، وعلى الرغم من أنّ واشنطن قد لا تريد حصر نفوذها في جهة واحدة، إلى أنها بالوقت ذاته قد تبدو غير واثقة بالعشائر العربية، في وقت يدعو بعضهم إلى التعاون مع دمشق ضد قسد. حول ذلك تبيّن المصادر العشائرية أنّ "الصمت الأميركيّ تفسيره أنّ واشنطن لا تريد الانحياز إلى أيّ طرف مقابل الآخر، فإذا انحازت إلى جانب العشائر، تخشى من لجوء قسد إلى روسيا والحكومة السورية، وإذا انحازت إلى جانب العشائر، تخشى من أيّ علاقات قبلية مع دمشق وحلفائها، تقوض جودها في المنطقة، خصوصا أنها في الآونة الأخيرة تتعرض قواعدها إلى هجمات من مصادر مختلفة".في سياق آخر، تعهّد مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية بتلبية مطالب العشائر العربية في شرق سوريا وتصحيح "الأخطاء" التي قال إنها ارتُكبت في إدارة المنطقة، إلّا أنّ الفجوة بين الجانبين تتسع يوما بعد يوم، والمزاج العشائريّ العام قد لا يكون مؤيدا للحكومة السورية، لكنه بالوقت ذاته رافض كليا لسيطرة قسد على المنطقة.دمشق وراء التوترات؟ تعتبر "شرق الفرات" منطقة صراع بين قوى دولية، ومسرح تنافس للسيطرة على حقول النفط، لذا من المنطقي أن يشارك اللاعبون الدوليون في هذا الصراع ولو بشكل غير علني، والأمر المهم في هذه المعارك هو الرفض العشائري الكبير وغير المسبوق لوجود "قسد". اتهم مظلوم عبدي في حديثه إلى "المشهد" دمشق بأنها السبب وراء التوترات، قائلا: "حكومة دمشق سلّحت العشائر ضدنا في دير الزور، ووزير الخارجية السورية فيصل المقداد كان داعما للمجموعات العسكرية التي هاجمتنا". تردّ المصادر العشائرية المطلعة على الاجتماعات بين القبائل بقولها، "المنطقة لا يوجد فيها قوات حكومية، وأبو خولة الذي كان الشرارة التي أشعلت المعارك، عمل مع قوات قسد، والمجلس العسكري بأكمله الذي ترأسه أبو خولة تابع لقسد، والاعتقال جاء بقرار وتخطيط كردي، أدى إلى إشعال التوترات، إذًا أين علاقة دمشق بذلك؟". وتضيف المصادر، "نحن لا ندافع عن الحكومة السورية، لكن من أشعل المعارك هي غطرسة القوات الكردية، ومساعيها للسيطرة على كل شيء داخل المنطقة، من القرار إلى الثروات، والفكر العشائري لا يتقبّل ذلك أبدا". بدوره يرى المحلل السياسي الدرزي تصريحات عبدي بأنها "شكل من أشكال الضغط على الولايات"، مشيرا إلى أنّ "قسد توجه أصابع الاتهام لدمشق لتحفيز واشنطن على اتخاذ موقف لصالحها لتحفيز الدعم الأميركي. الواقع هو أنّ المنطقة ليست خاضعة لسيطرة الحكومة السورية، والمزاج العشائري العام باتجاه بتشكيل "إمارة"، بما يرضي الولايات المتحدة".(المشهد)