يدفع شحّ المياه السلطات في تونس إلى البحث عن حلول لمواجهة الأزمة المرجح أن تشتدّ خلال الصيف مع ارتفاع حجم الاستهلاك، وسط دعوات بإعلان حالة الطوارئ المناخيّة في بلد يعدّ من بين أبرز الدول المهدّدة بالجفاف. وتقسيط مياه الشرب واحد من حلول عدة قد تعتمدها تونس لمواجهة الأزمة، ومن المرّجح أن ينطلق العمل بهذا النظام مع بداية الصيف المقبل من خلال قطعه ليلا في 7 محافظات على الأقل، من بينها المحافظات الأربع للعاصمة تونس بحسب تصريحات رسميّة. وقال مدير عام مكتب التخطيط والتوازنات المائية في وزارة الفلاحة والصيد البحري حمادي الحبيّب لمنصة "المشهد" إنّ "هذا الخيار يندرج ضمن استراتيجية ترشيد استهلاك الماء"، مضيفا أنّ "المحافظات المعنية بدرجة أولى بالتقسيط هي المحافظات التي تتغذّى بمياه السدود في الشمال". وتقسيط المياه يعني قطع الماء الصالح للشراب لساعات معينة في اليوم مع إعلام السكان بتوقيتها مسبقا. وضع كارثي يُجمع الكلّ على وصف وضع المياه في تونس بـ"الكارثي"، وتؤكد كل المؤشرات خطورة الأزمة بعد تراجع المخزون المائي بنسبة كبيرة. وسجّلت إيرادات السدود نقصا في حدود 1 مليار متر مكعب، وقال كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة المكلف بالمياه رضا قبوج إنّ "نسبة امتلاء السدود في تونس لم تتجاوز هذا العام 32%، موضّحا في تصريح لمنصة "المشهد" أن "سنوات الجفاف المتتالية التي عاشتها تونس أثّرت على مخزون السدود". وتطرّق المسؤول التونسي إلى وضعية "سد سيدي سالم" الواقع شمالا، وهو أحد أهم سدود البلد ويعتبر سدّا محوريا يرتبط به حوالي 80 ألف هكتار من المناطق السقوية في 7 محافظات، ويتولى تزويد منظومة تونس الكبرى والوطن القبلي والساحل وصفاقس بالمياه الصالحة للشرب، مؤكدا أن "طاقة استيعابه تبلغ 580 مليون متر مكعب، بينما نسبة امتلائه بلغت 97 مليون متر مكعب فقط، ولا يمكن استغلال إلا 20 مليون متر مكعب منها". وتقول الدكتور في علوم المياه والباحثة بمرصد المياه راضية السمين في تصريح لمنصة "المشهد" إنّ "تونس بحاجة إلى تساقط كميات كبيرة من الأمطار لفترة طويلة لتعويض النقص الكبير الحاصل بسدودها حاليا"، مضيفة أنّ "تقسيط المياه هو شرّ لا بد منه سيتضرر منه المواطن البسيط خصوصا وأنّ الأرقام المسجّلة لدرجات الحرارة صيفا أصبحت غير محتملة في أغلب مناطق البلاد".أرقام قياسية في تونسوسجلت تونس الصيف الماضي أرقاما قياسية لدرجات الحرارة صيفا قاربت 50 درجة. وتعوّل السلطات على ترشيد الاستهلاك ووعي المواطن للمساهمة في الخروج من هذه الأزمة، وفي السياق أرسلت "شركة توزيع المياه الحكومية" رسائل قصيرة للتونسيين على هواتفهم تحثّهم فيها على "ترشيد استهلاك الماء حماية لمستقبل الأجيال القادمة لأن الجفاف يهدّد البلد". لكن السمين تقول إنّ "القطاع الزراعي يستهلك نحو 77% من الموارد المائية في تونس"، لافتة إلى أن "نسبة تبذير المواطن تبقى ضئيلة مقارنة بما تستنزفه بعض المنتجات المعدّة للتصدير". وتعاني تونس من نقص كبير في الأمطار منذ 7 مواسم ومن جفاف مستمرّ للعام الثالث على التوالي، ويعتبر تأمين المياه الصالحة للشرب الهدف الأوّل للسلطات تليها الزراعات الكبرى التي يعوّل عليها البلد لتحقيق أمنه الغذائي. وأصدرت السلطات خلال الأشهر الأخيرة بيانات دعت فيها إلى الاستغناء عن الزراعات المستهلكة للماء مثل "القرعيات"(بطيخ، طماطم...)، والحفاظ فقط على زراعة المساحات الكبرى المخصّصة للحبوب والأشجار المثمرة، لكنّ السمين ترى أنّ هذا الخيار سيضرّ بمصالح صغار المزارعين "فكبار المزارعين لا يعوّلون على مياه السدود"، وفق تأكيدها. وشددت على أنّ التوجه نحو الحلول المؤقتة لن يعالج أزمة يتوقع استمرارها لسنوات ولا بدّ من إيجاد حلول جوهريّة لها، مثل الإسراع في إتمام مشاريع محطات تحلية المياه لتخفيف العبء على الموارد المائية التقليدية. اضطراب التوزيع ورغم أنّها لم تعلن ذلك بشكل رسمي فإن تقسيط المياه بدأ تطبيقه خلال السنوات الأخيرة في بعض المناطق شمال تونس، إذ عاشت مدن عدّة اضطرابات في توزيع المياه بشكل متواصل امتد لأيّام في بعض الأحيان. وفي مدينة" دقّة" شمال غرب تونس، قالت حذامي إنّها صارت تلجأ إلى تخزين كميّات من الماء في أواني بلاستيكية كبيرة الحجم اشترتها خصيصا لهذا الغرض، وتضيف في تصريح لمنصة "المشهد" أنّ كلّ جاراتها يفعلنّ الشيء نفسه، ''صار هذا هو الحل الوحيد أمامنا، فمنذ سنوات صار الماء يقُطع بشكل فجائي". أمّا جارتها بسمة فتقول إنّها تكلّف زوجها بمهّمة مراقبة الحنفيات ليلا حتّى لا تفوّت على عائلتها فرصة ملء بعض الأواني البلاستيكية لاستعمالها نهارا، "في بعض الأحيان أغسل الثياب المّتسخة ليلا عندما يتوّفر الماء بالحنفيات" تؤكد المتحدثة ل"المشهد". وقد تكون حذامي وبسمة محظوظتين لحصولهما على كميات من الماء بشكل مسترسل حتّى وإن كان ذلك لساعات قصيرة في اليوم ففي بعض المناطق بالوسط والجنوب يعاني السكّان من انقطاع كلّي لمياه الشرب، وكثيرا ما كانت هذه المناطق مسرحا لاحتجاجات شعبيّة تطالب بربطها بشبكات توزيع الماء. وبلغ عدد الاحتجاجات ذات العلاقة بالماء سنة 2021 حوالي 634 احتجاجا بحسب أرقام المرصد الاجتماعي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي). وفي عام 2021، قال البنك الدولي في تقرير إنّ تغير المناخ قد يدفع حوالي 19 مليون شخص في شمال إفريقيا إلى الهجرة الداخلية بحلول سنة 2050، وتوقع التقرير تحوّل تونس العاصمة وضواحيها إلى "واحدة من بؤر الهجرة الداخلية إذا لم تتّخذ السلطات الإجراءات اللازمة".(المشهد - تونس)