تتزايد تكاليف الانتخابات الأميركية مع كل استحقاق جديد، فبعد أن تجاوزت تكلفة السباق الانتخابي 2020، عتبة الـ16.4 مليار دولار، يُرجع أن تكون تكلفة انتخابات نوفمبر المقبل أكبر بكثير، بالنظر إلى ملايين الدولارات المتدفقة في حسابات حملتي المترشحين كاملا هاريس ودونالد ترامب. وفي ظل الارتفاع المستمر لتكاليف الانتخابات الأميركية، تُوجه أصابع الاتهامات لكيانات تُسمى بلجان العمل السياسي، يسمح لها القانون الأميركي بصرف مبالغ غير محدودة لدعم مرشحها المُفضل، بينما ترتفع أصوات تطالب بإصلاح جذري لنظام تمويل الحملات السياسية، الذي يُتهم بخدمة الأثرياء وذوي العلاقات مع المانحين، على حساب السياسيين المعتمدين على التبرعات الفردية للناخبين.الناخب الأميركي يموّل فريقه السياسيعلى خلاف الكثير من الشعوب، يعد التبرع للسياسيين ثقافة متجذرة لدى الشعب الأميركي، حيث يحرص الناخب في الولايات المتحدة على تخصيص نسبة من مدخراته لمنحها للسياسي الذي يتوافق مع آرائه وتوجهاته، معتبرا ذلك سبيلا للتعبير على أفكاره السياسية، لكن تبرع الأفراد ليس السبب الوحيد لارتفاع قيمة الأموال التي تجمعها حملات المترشحين، فالجزء الأكبر من المبالغ التي تتدفق في حساباتها مصدره ما يُسمى بلجان العمل السياسي الكبرى " –Super PACs Super Political Action Committees" أو "سوبر الباكس"، وهي مجموعات مصالح خاصة تعمل على جمع الأموال وإنفاقها لدعم المرشحين والتأثير على نتائج الانتخابات. استنادا لما نشرته " USAFacts"، وهي منظمة غير ربحية تهتم بنشر بيانات حول الشؤون المالية والحكومية، فإن الحملات السياسية تمكنت من جمع 8.6 مليارات دولار للانتخابات المنتظرة في 5 نوفمبر المقبل، خلال الفترة الممتدة من يناير 2023 إلى أبريل 2024، و كان أكثر من 65%، أو ما يقرب من 5.6 مليارات دولار منها مصدره لجان العمل السياسي. فيما حصل المرشحون الأفراد على أكثر من 2 مليار دولار، وجمعت لجان الحزبين السياسيين ما يزيد قليلا عن 929.9 مليون دولار، 188.6 مليون دولار منها للجنة الوطنية الديمقراطية، و130.1 مليون دولار للجنة الوطنية للحزب الجمهوري، والباقي جمعته اللجان الحزبية محليا. وشهد سباق التمويل تحولا جذريا لصالح الديمقراطيين بعد فترة وجيزة من تنحي الرئيس جو بايدن وتقدم نائبته كامالا هاريس في الـ21 يوليو، إذ جمعت حملتها مبلغا ضخمًا قدره 204.5 ملايين دولار في غضون 10 أيام فقط. وأدى دخولها إلى السباق إلى تغيير قواعد اللعبة، حيث جلبت تبرعات غير مسبوقة بقيمة 81 مليون دولار خلال الـ24 ساعة الأولى لإعلان ترشحها، وبالمقارنة، حصل ترامب على 47.5 مليون دولار فقط خلال شهر يوليو. هذا وقالت الحملة الرئاسية لنائبة الرئيس كامالا هاريس، الأحد، إن 82 مليون دولار تدفقت لحسابها خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأسبوع الماضي، في المقابل جمعت أكبر 10 لجان عمل سياسي داعمة للمترشح الجمهوري دونالد ترامب بشكل جماعي ما يقرب من 305.6 ملايين دولار منذ بداية العام، بما فيها 52.8 مليون دولار قالت حملة ترامب إنها جمعتها خلال الـ 24 ساعة التي أعقبت إدانته بـ34 تهمة جنائية في قضية "أموال الصمت" بمحكمة مانهاتن بنيويورك شهر مايو الماضي.محاولات فاشلة لكبح ارتفاع تمويل الانتخاباتكان عام 2010 نقطة تحول كبيرة في نظام تمويل الانتخابات، حيث سمح القضاء الأميركي بناءً على ما يُعرف بقرار"Citizens United " أو "مواطنون متحدون" للشركات والمجموعات المستقلة بإنفاق أموال غير محدودة لدعم الحملات الانتخابية، وبينما لا يمكن لهذه الكيانات التبرع بشكل مباشر للمرشحين أو الأحزاب، فإن هذا الحكم يسمح لها بإنفاق مبالغ غير محدودة على الإعلانات السياسية والأنشطة الأخرى المتعلقة بالانتخابات بدون تنسيق مباشر مع المرشحين أو الأحزاب المستفيدة من الدعم. تتباين وجهتا النظر في الولايات المتحدة حيال نشاط لجان العمل السياسي وتأثيرها، حيث يرى المحامي المعتمد لدى المحكمة الأميركية العليا والناشط في الحزب الجمهوري كمال نعواش أن "تقنين التبرع السياسي مساس بالحق في التبرع، الذي يندرج ضمن حرية التعبير المكفولة بموجب التعديل الأول للدستور الأميركي"، كاشفا لمنصة "المشهد" أنه شخصيا تبرع لمترشحة ديمقراطية، يتوافق مع أفكارها تجاه إنهاء الحرب على غزة.ويضيف نعواش الذي سبق له الترشح كجمهوري للكونغرس ممثلا لولاية فرجينيا عام 2003:أثر لجان العمل السياسي ليس بالسوء الذي يصوره المعارضون لها.الحملات الانتخابية في بلد بحجم الولايات المتحدة وعدد سكانها الذي يزيد عن 333 مليون نسمة، وما يتطلبه من نفقات لتسديد تكاليف الاتصال والترويج والدعاية للمرشح والتسويق لبرنامجه، ودفع رواتب العاملين في الحملة، يتطلب توسيع مصادر الدعم.هذه اللجان تساهم في تنوير المترشحين من خلال إطلاعهم على مشاكل وتحديات يصعب حلها غالبا في الصالح العام."نظام لخدمة الأغنياء"في المقابل، يرى جويل روبن، نائب مساعد وزير الخارجية في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، في حديثه لمنصة "المشهد" أن "الأموال المتدفقة في حسابات المترشحين من قبل الـ"سوبر الباكس"، لا تشتري الأصوات بطريقة مباشرة، ولكنها السبيل الوحيد لتسديد تكاليف الاتصال و الإشهار، ورواتب العاملين في الحملة التي تقع في غالب الأحيان على عاتق المترشح، ما يدفعه للبحث عن تبرعات الشركات والجماعات والنقابات العمالية، لأن دعم الناخبين بشكل فرد لا يكفي لتغطيتها. ويقول روبن الذي شارك في الانتخابات التمهيدية للتجديد النصفي عام 2016، كممثل للمقاطعة الثامنة لولاية ماريلاند، حيث مول حملة بما يقل عن الـ270 ألف دولار، وخسر السباق أمام ممثلها الحالي النائب جيمي ريسكن، الذي استطاع آنذاك جمع ما يزيد عن 2 مليون و540 ألف دولار، إن النظام الانتخابي الأميركي مصمم لخدمة الأغنياء وذوي العلاقات مع المانحين الكبار على حساب السياسيين المعتمدين على تبرعات الناخبين المحدودة. وطُرحت خلال العقود الأخيرة مئات المشاريع القانونية على الكونغرس، بهدف إصلاح نظام تمويل الانتخابات الأميركية، الذي يرى البعض أن التدخل في الانتخابات من قبل بعض الأشخاص، وعلى رأسهم السيناتور المستقل عن ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز الذي قال في خطابه بالمؤتمر الوطني الديمقراطي، الأسبوع الماضي: "هناك حاجة إلى إخراج الأموال الكبيرة من عمليتنا السياسية، لا يجب أن يكون أصحاب الملايين قادرين على شراء الانتخابات، بما في ذلك الانتخابات التمهيدية، لأجل ديمقراطيتنا يجب أن نلغي قانون "مواطنون موحدون" وأن نتحرك نحو تمويل عام للانتخابات". (المشهد )