تواجه الجزائر، كغيرها من دول المنطقة، تحديات كبيرة في مجال الموارد المائية نتيجة لمحدودية المصادر التقليدية وزيادة الطلب على المياه بسبب النمو السكاني والتنمية الاقتصادية. في ظل هذه التحديات، دشنت الجزائر خلال هذا الشهر خمس محطات لتحلية مياه البحر في خطوة تسعى من خلالها إلى تحقيق حل إستراتيجي لتأمين مصادر مائية مستدامة.في هذا السياق، تطرح العديد من التساؤلات حول إلى أي مدى يمكن أن تساهم هذه المحطات في تلبية الاحتياجات المائية من دون أن تواجه تحديات تقنية وبيئية واقتصادية تعيق استدامتها خصوصا في ظل التكلفة المرتفعة للصيانة والتجهيز؟استثمارات ضخمةخلال عام 2025، واصلت الجزائر جهودها لتعزيز أمنها المائي من خلال تدشين محطات عدة لتحلية مياه البحر بقيمة استثمارات ضخمة، حيث تم في السنوات الخمس الأخيرة تخصيص موارد مالية تقدر بـ906 مليارات دينار جزائري (نحو 7.5 مليارات دولار) لتعزيز البنية التحتية للري، مما ساهم في تنفيذ مشاريع المحطات في وقت قياسي، حيث ارتفع عدد المحطات إلى 19 محطة، مما رفع القدرة الإنتاجية الوطنية من 2.2 مليون متر مكعب إلى 3.7 ملايين متر مكعب يوميًا، وهو ما يمثل 42% من إجمالي الطلب الوطني على الماء الشروب. وعن أهمية هذه الخطوة يرى الدكتور شناقر هشام الخبير في الموارد المائية في حديث لمنصة "المشهد" أنه على عكس المنشآت التي أنجزت في الماضي، والتي كانت تتم بالشراكة مع مؤسسات أجنبية، اكتسى برنامج المصانع الخمسة التي تم تدشينها بداية هذه السنة طابعًا وطنيًا بإسنادها لفروع شركات جزائرية لكل من مجمع سوناطراك ومجمع كوسيدار بالنظر إلى القدرات التي تتمتع بها هذه المؤسسات في مجال الإنشاء والدراسات والهندسة.وشمل تدشين محطات مياه البحر المناطق التالية: محطة الرأس الأبيض (ولاية وهران)، وتُعتبر من المحطات الحديثة التي تساهم في تعزيز إمدادات المياه في المنطقة الغربية للبلاد.محطة فوكة 2 (ولاية تيبازة)، وتُعد مركزا مهما لتحسين توزيع المياه في المنطقة الساحلية الوسطى.محطة كاب جنات 2 (ولاية بومرداس)، وتُساهم في تلبية احتياجات السكان من المياه في المنطقة الشرقية للجزائر العاصمة.محطة كدية الدراوش (ولاية الطارف)، لتعزيز توزيع المياه في المناطق الحدودية الشرقية.ويؤكد الخبير أن التغيرات المناخية الحاصلة وارتفاع الطلب على الموارد المائية، تأتي هذه الخطوات لتحقيق أمن مائي مستدام، من خلال العمل على توطين صناعة محطات التحلية محليًا وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بالإضافة إلى استغلال الموارد الثانوية الناتجة عن عملية التحلية، مثل المياه المالحة والشوائب المعدنية.وأضاف المتحدث أن الجزائر أطلقت إستراتيجية وطنية للمياه تمتد من 2021 إلى 2030، تهدف إلى تلبية حاجة الجزائريين من ماء الشرب عن طريق تحلية مياه البحر لتلبية حاجة البلاد من الماء الشروب بـ60% في آفاق 2030. وتشير الأرقام أن الجزائر بين عامي 2001 و2016، خصصت الجزائر حوالي 23 مليار دولار لتطوير قطاع الري والموارد المائية، شملت بناء السدود ومحطات تحلية مياه البحر. تعزيز التحول الطاقويفي السياق ذاته، تستهلك الجزائر في جميع القطاعات ما يقرب من 17 مليار متر مكعب من الماء سنويا، بينما تفوق حاجاتها 20 مليار متر مكعب، وفق تقديرات الخبراء وهو ما دفع الحكومة إلى الاعتماد على إستراتيجات جديدة تشمل الطاقات المتجددة.وحسب وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة الجزائري محمد عرقاب، فإن الإستراتيجية تشمل تعزيز الاعتماد على الطاقات المتجددة في تشغيل محطات التحلية، إلى جانب استغلال المحلول الملحي الناتج عن العملية في الصناعات التعدينية، مثل استخراج الليثيوم المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية. كما تتجه البلاد نحو الاندماج في الاقتصاد الأخضر من خلال إنتاج الهيدروجين الأخضر من المياه المحلاة، ما يدعم تحولها الطاقوي.تحديات مستمرة من جانبه، يشير الدكتور سمير ياحي، الأستاذ بالمدرسة العليا للري بالجزائر، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشتهر بعجزها المائي الشديد، نتيجة العوامل المناخية لمتغيرة، أبرزها شح قلة هطول الأمطار.وفي حديث لـ"المشهد" عدّد الخبير مجموعة من المؤشرات التي تشكل تحديا أمام البلاد لتحقيق الاستفاد القصوى من عملية تحلية مياه البحر من بينها:ارتفاع تكلفة المتر المكعب من المياه المحلاة في الوقت الحالي، إلا أنه يجب العمل على تجسيد الإستراتيجيات التي يجب تبنيها لمحاربة وتخفيف حدة نقص المياه في الجزائر.مشكلة نقص المياه ستبقى مطروحة بشكل حاد، خاصة على القطاع الزراعي الذي يستهلك 70% إلى 75% من قدرات المياه في البلاد.العمل على استغلال أكثر المياه مخزنة في الطبقات "الجوفية الكبيرة" في مختلف المنطاق، شريطة العناية الخاصة.الوعي حول أهمية المحافظة على المياه واستخدامها بشكل رشيد، مما يضع مزيدًا من الضغوط على محطات التحلية التي قد تشهد زيادة في الطلب دون القدرة على تلبية هذه الاحتياجات بكفاءة.مشاريع تحلية مياه البحر أصحبت اليوم تشكل اليوم خيارًا إستراتيجيًا للجزائر لضمان أمنها المائي وتعزيز استقلاليتها التكنولوجية والصناعية.