منذ اليوم الأول لهجوم 7 أكتوبر، توجهت أصابع الاتهام نحو إيران، لضلوعها في العملية، أو على الأقل علمها بها، لكن سرعان ما جاءت التصريحات الإيرانية الرسمية نافية تلك الاتهامات، أقواها ما قاله المرشد الإيرانيّ علي خامنئي موجّهًا كلامه إلى قادة حركة "حماس" قائلا "إيران لن تقاتل بالنيابة عنكم".لكن بعد اغتيال "الرجل الثاني" في الحرس الثوري الإيراني، رضا موسوي، أعلن المتحدث باسم الحرس الثوري، رمضان شريف، الأربعاء، إن الهجوم الذي شنه مقاتلو حركة "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر كان أحد "الأعمال الانتقامية لاغتيال" القائد الإيراني قاسم سليماني، لتخرج بعدها "حماس" وتنفي ذلك، قائلة إن "الدافع الأساسي وراء الهجوم هو "التهديد الإسرائيلي للمسجد الأقصى". بعد رد "حماس" غير المتوقع من قبل إيران، خرجت الأخيرة بتصريح ثانٍ، على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي الذي أكد أن عملية "طوفان الأقصى" لم تكن انتقاما لمقتل قاسم سليماني، بل إنها نها عملية فلسطينية بالكامل وتم تنفيذها من قبل الفلسطينيين أنفسهم". تصريحات إيران و"حماس" حرفت بوصلة الاهتمام عن المعارك الدائرة في غزة، إلى الدوافع الحقيقية لهجوم 7 أكتوبر، وسط تصاعد الأصوات التي بدأت تتحدّث عن تحوّل "مقاومة للاحتلال" في غزّة إلى حرب إسرائيلية – إيرانية بالوكالة، والأداة فيها "حماس" والضحية هم الفلسطينيون في غزة.إيران و"حماس".. تضارب التصريحات رغم النفي الإيراني في بداية الحرب، إلّا أن تقارير غربية عدة أكّدت ضلوع إيران بشكل غير مباشر في الهجوم. فقد نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصدر من "حماس" قوله إن إيران ساعدت في التخطيط للهجوم وإن الحرس الثوري الإيراني أعطى الضوء الأخضر للهجوم خلال اجتماع عُقد في بيروت. وأشار تقرير آخر إلى أن المئات من عناصر "حماس" ومتشددين إسلاميين آخرين تلقوا تدريبات خاصة في إيران قبل أسابيع من الهجوم. لكن، رغم هذه التقارير، أصرت الولايات المتحدة منذ بدء الحرب على "عدم وجود دلائل تشير إلى ضلوع إيران في هجوم "حماس"، ما فسّره محللون وخبراء على كونه مناورة أميركية لتفادي توسّع الحرب في المنطقة عبر عدم استفزاز إيران بالتوازي مع الخطوات العسكرية التي اتّخذتها واشنطن لجهة إرسال السفن الحربية وتمرير رسائل التهديد لثني إيران عن فتح جبهات أخرى في المنطقة. في هذا السياق، يقول المحلل والكاتب السياسي الإيراني وجدان عبد الرحمن في حديث إلى منصة "المشهد" إن "التصريحات الإيرانية جاءت بسبب استهداف رضا موسوي، حيث أدركت إيران أن إسرائيل دخلت معها بحرب مباشرة، وذلك لأن استهداف هذه الشخصية ليس بالأمر الهين. إسرائيل بعثت رسائل في السنوات الماضية أنها تريد قتل موسوي، لكنها لم تستهدفه بسبب عدم نيتها الدخول بحرب مباشرة مع إيران. لذلك طهران أرادت أن تبين قدرتها بالانتقام عبر وكلائها في غزة، معتقدة أن "حماس" مثل "حزب الله" و"الحوثيين" ووكلائها في العراق الذين لا يرفضون أي تصريح لإيران، لكن على النقيض من ذلك "حماس" ردت ورفضت التصريحات الإيرانية، على حد تعبيره. وبحسب وجدان يعود موقف "حماس" إلى سببين: الأول: إيران لم تقف مع "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في معركتهما مع إسرائيل، ويعتقد الفصيلان أن طهران خذلتهما في هذه الحرب. إيران عملت على إحراج "حماس" أمام الشعب الفلسطيني، خصوصا في ظل وقوع آلاف الضحايا منذ بدء الحرب.يحيى السنوار ومحمد ضيف غاضبانيتوافق رأي عبد الرحمن مع ما أشارت إليه صحيفة "لو فيغارو" بقولها إن "زعيم "حزب الله" غضب لأن إيران لم تبلغه بخطة "حماس"، وأن يحيى السنوار ومحمد ضيف غاضبان من أن نصر الله لم يستخدم قوته الكاملة بعد الهجوم على جنوب إسرائيل، وأرسلا رسالة غاضبة بهذا المعنى، حتى إن رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، إسماعيل هنية، سافر إلى طهران لحث المرشد الأعلى علي خامنئي على الانضمام إلى الحرب، لكن المرشد رفض طلبه".من جهته، يشرح المحلل السياسي محمد العمري أن "تضارب التصريحات ليس بالتوصيف الدقيق، لأن من خرج بهذه التصريحات هم أشخاص داخل الحرس الثوري، وليس مخول لهم أن يتكلموا باسمه، في حين أن التصريح الأدق كان من قبل قائد الحرس الثوري عندما تحدث عن أن قرار الهجوم هو قرار فلسطيني".على النقيض من ذلك، يرى الخبير الاستراتيجي عامر السبايلة أنه "من الطبيعي أن تسوق إيران لأي معركة ضد إسرائيل على أنها جزء من استراتيجيتها لمواجهة إسرائيل، وحتى لو كان قرار هجوم 7 أكتوبر يعود إلى الجناح العسكري لـ"حماس" إلا أن طهران ترى فيه أنه جزء من استراتيجيتها طويلة الأمد في المنطقة". "حماس" حليفة أم تابعة؟ ترتبط حركة "حماس" بعلاقة قوية مع إيران، الداعم الرئيسي لها في المنطقة، حيث تؤكد الحركة الفلسطينية استعدادها للتحالف مع أي بلد يقدم لها المساعدة ضد إسرائيل، وإيران تفعل ذلك. لكن على الرغم من العلاقات الوثيقة بين "حماس" وإيران، إلّا أن الحركة لا تتخذ السياسة نفسها التي تتبعها إيران سواء مع دول المنطقة، أم مع الدول الغربية وإسرائيل، وقد أثبتت هذا التباين في مواقف عدة، لعلّ أبرزها موقفها تجاه الأزمة في سوريا ومعارضتها للرئيس بشار الأسد، وخروج قادتها من دمشق منذ بدء الحرب، على عكس الموقف الإيراني الداعم لدمشق. في يناير 2012، غادر قائد "حماس" حينها خالد مشعل، دمشق، وقال نائب قائد "حماس"، موسى أبو مرزوق إن الإيرانيين غير راضين عن موقفنا بشأن سوريا، وعندما لا يكونون سعداء، فإنهم لا يعاملوننا بالأسلوب القديم نفسه. هذا الخلاف الإيراني فيما بعد انعكس على علاقة إيران مع الجناح السياسي لـ"حماس"، حيث شهدت العلاقات بروداً، على عكس علاقة الأولى مع الجناح المسلّح للحركة في غزة، إذ أرادت طهران أن تكون أقرب إلى من يتحكّم بالأرض. ويلفت العمري أنه "لا يمكن القول إن "حماس" تابعة لإيران، حيث إن الحركة أشارت أكثر من مرة أن توقيت العملية جاء بناء على تقديرات عسكرية ميدانية، وليس بناء على توجيهات أحد. من جهة ثانية جاءت العملية كرد فعل فلسطيني على جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني". ويرى عبد الرحمن أن "حماس" يمكن القول إنها حليفة لإيران وليست تابعة لها، وهذا شاهدناه في سوريا، حيث وقفت "حماس" ضد الرئيس السوري بشار الأسد على عكس إيران التي دعمته، لكن إيران لأنها بحاجة "حماس" فيما يتعلق بصراعها مع إسرائيل، أبقت على علاقاتها مع الحركة. "حماس" تعتمد بشكل كبير على الدعم المالي واللوجيستي والعسكري الإيراني، لذا في بعض الأحيان تقوم "حماس" بتنفيذ أجندة إيران، على حد قول المتحدث.وبرأي عبد الرحمن "فإيران كانت على علم بهجوم 7 أكتوبر، لأن حجم العمليات لا يمكن لـ"حماس" أن تقوم به بمفردها، فهي بحاجة إلى دعم مالي وسياسي ولوجيستي إيراني، لكن "حماس" لا تستطيع أن تعلن عن هذا الأمر بشكل مباشر، رغم أن ممثل "حماس" في لبنان أعلن أن إيران و"حزب الله" على علم بالعملية".تغيير طبيعة الصراع بين إيران وإسرائيلتحافظ إيران وإسرائيل على قواعد اشتباك وطبيعة صراع منذ أعوام، في حين لم يرغب الجانبان بتحول حربهما بالوكالة وفي بلدان خارج حدودهما، إلى حرب مباشرة، وداخل حدودهما. لكن بعد هجوم 7 أكتوبر، قد تنظر إسرائيل على أن إيران خرقت هذه القواعد بدعهما لـ"حماس" على شن حرب داخل إسرائيل. تحدث بنيامين نتانياهو في كتابة الأشهر "مكان تحت الشمس"، الذي شرح فيه طبيعة العقلية الصهيونية، وكيفية التعامل مع الدول العربية والفلسطينيين، عن خطر إيران على أمن إسرائيل، وأشار إلى محافظة الجانبين على حربهما القائمة خلف الكواليس.وشرح نتانياهو طبيعة الصراع الإيراني الإسرائيلي التي تعد محصورة ضمن ما يمكن تعريفه بتوافق الطرفين على "صيغة مشتركة من التوظيف المتبادل للعناوين الخلافية العريضة"، ووفقا للكتاب يظهر كل طرف حدود قوته ونفوذه في مساحة جغرافية من الدول من خلال ما يسمى بـ"حرب الوكالة" والاكتفاء بهذه الصيغة الدامية باعتبارها ترجمانا واقعيا لحالة الصراع بينهما. حول ذلك، يقول المحلل الإيراني والباحث في شؤون المنطقة عبد الرحمن إن:إسرائيل استهدفت موسوي لأنها تريد إعلان الحرب المباشرة مع إيران، وهي تريد جر الولايات المتحدة إلى مواجهة إيران. في المقابل، إيران لن ترد على إسرائيل بشكل مباشر، خصوصا أن أميركا متواجدة بالقرب منها في المنطقة العربية.إيران دولة براغماتية ولديها قدرة كبيرة في امتصاص الغضب، وستكتفي بمناوشات في مناطق مختلفة، مثل ما حدث في الهند واستهداف السفارة الإسرائيلية. ويبين عبد الرحمن أن "إسرائيل دخلت في حرب مباشرة مع إيران، وهي لن تتوقف عند قتل موسوي، بل ستصعد أكثر في العام القادم، وذلك لأن تل أبيب لا تتحمل الهزيمة أو الإهانة، والتي تجد فيهما مقدمة لنهاية وجودها، وإيران هدّدت الأمن القومي الإسرائيلي لذلك سيكون الانتقام الإسرائيلي مختلفا عمّا كان عليه سابقا". وينهي السبايلة حديثه إلى "المشهد" قائلا "المعركة بين إسرائيل وإيران هي إلى الآن بالوكالة، الطرفان لا يهمّهما اليوم فكرة المواجهة المباشرة، ما دامت الحرب بالوكالة تحقق أهدافهما، وما لم يحدث أمر كبير يدفع المنطقة إلى مواجهة مباشرة". (المشهد)