ندّدت أنقرة بالأمس بما وصفتها بـ"الأكاذيب والافتراءات" الإسرائيلية على خلفية اتهامات وجّهها وزير الخارجية الإسرائيلية يسرائيل كاتس لتركيا، بـ"دعم الإرهاب" وتوفير السلاح والمال لحركة "حماس". وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان، إنّ وزير الخارجية الإسرائيلية يحاول إخفاء جرائم بلاده بحق الفلسطينيّين، بإطلاق سلسلة من الأكاذيب والافتراءات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.اتهامات إسرائيلية لتركيا بدعم "حماس" وكان كاتس قد اتّهم الرئيس التركيّ رجب طيب إردوغان في منشور باللغة التركية على منصة إكس، بـ"توفير أسلحة وأموال لحركة "حماس" لقتل الإسرائيليّين". وادّعى أنّ أجهزة أمنية إسرائيلية فككت "خلايا إرهابية" كانت تتلقى الأوامر من "مقر "حماس" في تركيا"، وفق المنشور الذي أرفقه بصورة معدّلة تُظهر الرئيس التركيّ في حجر المرشد الإيرانيّ علي خامنئي. بالمقابل، أكد بيان الخارجية التركية، أنّ "الأنشطة الدعائية الإسرائيلية القذرة، ومحاولات شن حرب نفسية على دولة تركيا ورئيسها، لن تحقق أيّ نتائج". اتهامات إسرائيل تضع تركيا في موقف محرج، فهي من جهة تتبنى موقفًا داعمًا "للمقاومة ضد الاحتلال"، ومن جهة ثانية تؤكد التزامها بالضوابط الغربية الصارمة، لجهة منع تمويل "حماس"، الموسومة بالإرهاب، من قبل حلفاء أنقرة في حلف شمال الأطلسي، وهو ما دفعها إلى الردّ بشكل حاسم وسريع على الاتهامات الإسرائيلية. وهذه ليست المرة الأولى التي تضطر فيها أنقرة للردّ على تصريحات حول طبيعة علاقتها ودعهما لـ"حماس"، ففي وقت سابق ردّ إردوغان على التكهنات بشأن استضافة قادة "حماس" في بلاده إذا غادروا قطر، بالقول، إنّ مكانهم الطبيعيّ هو الدوحة. يقلّل الباحث التركيّ في الشأن الإسرائيلي، أوغوزهان جاغليان، من "أهمية الاتّهامات الإسرائيلية ومدى جدّيتها" قائلًا في حديثه إلى منصّة "المشهد"، إنّ "التصريحات الإسرائيلية التي تستهدف تركيا مؤخّرًا هي اتّهامات سياسية لا تحمل عمقًا إستراتيجيًا، وهي غالبًا ما تميّز بين مواقف إردوغان والدولة التركية، بتوجيه أصابع الاتّهام مباشرة إلى الرئيس التركي، وتحميله مسؤولية تراجع العلاقات التركية- الإسرائيلية". ويشرح د. جاغليان، خريج الكلية الإبراهيمية في القدس، أنّ "تصاعد الضغوط على قطر يزيد من احتمالات مغادرة قادة "حماس" للدوحة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار قلة خيارات الوجهات العربية بالنسبة لهؤلاء، تبقى إيران وتركيا الأقرب للالتجاء، وبالنسبة لتل أبيب فإنها ستفضّل حكمًا إقامة هؤلاء في تركيا التي تبدو أكثر انسجامًا مع الغرب، وهي عضو في شمال الأطلسي، لذلك فإنّ التصريحات الإسرائيلية تبدو قريبة أكثر للاستهلاك السياسي". من جهتها، ترى الصحفية التركية والمتخصصة في شون الشرق الأوسط هدية ليفينت في حديثها إلى منصّة "المشهد"، أنّ "إسرائيل دولة مهمة جدًا بالنسبة لتركيا، لذا فهي تسعى للحفاظ على العلاقات التجارية والعسكرية والاستخباراتية والسياسية معها. ورغم حدوث أزمات كبيرة في العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب بين الحين والآخر، إلا أنّ التعاون التجاريّ والعسكريّ والاستخباراتيّ بين البلدين مستمر". وتضيف ليفينت، "تدخّلت تركيا في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني في الماضي، أي في فترة ما قبل حزب العدالة والتنمية، ولعبت أدوار وسيط بنّاءة، من خلال الاجتماع مع منظمات مثل "حماس". بمعنى آخر، كانت تركيا دائمًا على اتصال مع "حماس" أيضًا، ولكن على الرغم من أنّ هذا الاتصال قد تطوّر إلى رعاية "حماس" خلال فترة حزب العدالة والتنمية، فإنّ تركيا لا تدعم المنظمة لناحية توفير الأسلحة والدعم المالي، وهو ما تشكو منه الجماعات الفلسطينية".التوتر المتصاعد بين أنقرة وتل أبيب منذ بداية الحرب في غزة، لم يهدأ تراشق التصريحات بين أنقرة وتل أبيب، وصولًا إلى تبادل الاتّهامات "بالإرهاب والإجرام وارتكاب المجازر". فبعد 3 أسابيع من هجوم 7 أكتوبر، أعلن الرئيس التركيّ رجب طيب إردوغان، أنّ "حماس" ليست منظمة إرهابية، واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة، ليردّ وزير الخارجية على هذه التصريحات، بتذكير تركيا بجرائمها وارتكاباتها بحق الكرد وغيرهم. بقي التوتر حبيس التجاذب الكلاميّ بين الجانبين، إلى حين اضطرار أنقرة، وتحت وطأة الضغط الشعبيّ وتنديد الرأي العام، إلى اتّخاذ خطوات عملية، تمثّلت بتقييد تصدير المنتجات التركية إلى إسرائيل، في قرار ردّت عليه تل أبيب بالمثل، لتتحول الحركة التجارية بين الجانبين عبر قنوات وسيطة في كل من قبرص وسلوفاكيا وغيرها. بعد هجوم 7 أكتوبر، اتهم مسؤولون أميركيون تركيا، بأنها أصبحت "ملاذًا" لمصادر تمويل حركة "حماس"، وفقًا لصحيفة "وول ستريت جورنال". وأضافت الصحيفة نقلًا عن مسؤولين أميركيّين قولهم، إنه على الرغم من العقوبات الأميركية التي استهدفت مموّلي "حماس" على مدى العقد الماضي، إلا أنّ تركيا سمحت لشركات الاستثمار التابعة للحركة، والشركات القابضة والوساطة العقارية، ومجموعة من الشركات الأخرى بالعمل خارج إسطنبول. تقول ليفينت، إنّ "لدى إسرائيل بعض المطالب من تركيا مقابل العلاقات الجيدة. ومن أبرز هذه المطالب منع التنظيمات المناهضة لإسرائيل، وخصوصًا حركة "حماس"، من القيام بأعمال مسلحة أو غير مسلحة، من شأنها أن تُلحق الضرر بإسرائيل من الأراضي التركية"، مشيرة إلى أنّ "التصريحات الإسرائيلية تهدف أيضًا إلى إجبار أنقرة على تفعيل المزيد من الضغوط على "حماس"، لتقديم تنازلات مفيدة للجانب الإسرائيلي". بالمقابل، يشير جاغليان إلى حقيقة أنّ "المعارضة التركية أيضًا لا تصف "حماس" بالمنظمة الإرهابية، وتكتفي فقط بوصف الهجوم في 7 أكتوبر بالإرهابي، مشددة على مشروعية النضال الفلسطيني". هل تقبل إسرائيل بالوساطة التركية؟ تسعى أنقرة للعودة مجددًا إلى موقعها المؤثر في الشرق الأوسط وملفاتها المعقّدة من بوابة حرب غزة هذه المرة، وقد أبدت مرارًا استعدادها للعب دور وساطة بين "حماس" وتل أبيب منذ بداية حرب غزة، وزادت إلحاحًا بعد فشل الجولات المتتالية من اللقاءات بين الطرفين بوساطة مصرية - قطرية. ويرى د. جاغليان أنّ "تركيا من الدول القليلة جدًا في المنطقة، التي تمتلك مواصفات لعب مثل هذا الدور، خصوصًا وأنها تقيم علاقات جيدة مع "حماس" وتل أبيب، لكنّ المشكلة تكمن في الطرف الإسرائيلي، حيث يبدو أنّ نتانياهو غير جدّي في رغبته بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار". ويشرح جاغليان دوافع رغبة نتانياهو في استمرار الحرب في غزة، وبالتالي رفضه لأيّ دور تركيّ للوساطة، إلى 3 أسباب: الخوف من مسار محاسبة داخلية بعد توقّف الحرب، وتحميل الحكومة الحالية المسؤولية المباشرة عن هجوم "حماس".تراجع شعبيّته منذ 7 أكتوبر، وخسارته لانتخابات مبكّرة محتملة بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار.خشيته من ردود أفعال شركائه في الحكومة من اليمين المتطرف، والذين هدّدوه بشكل صريح، بإسقاط حكومته في حال توقّف الحرب على غزة.من جهتها، تشرح ليفينت أنّ "تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتتمتع بعلاقات عميقة الجذور مع الولايات المتحدة الأميركية. أهمية إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة معروفة. وفي هذا السياق، فإنّ تقديم تركيا الأسلحة والأموال لـ "حماس"، قد يضر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة. تقدم تركيا الدعم السياسيّ والإعلاميّ للحركة، ولدى بعض أعضائها استثمارات تجارية فردية في تركيا، وتزايد الدعم السياسيّ التركي لـ"حماس" خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية، بسبب الخطابات الإسلامية وتأثير القضية الفلسطينية بين أنصار حزب العدالة والتنمية".ليست تركيا الوحيدة المتّهمة من قبل إسرائيل بدعم "حماس" ماليًا وعسكريًا. على الرغم من الجهود المصرية للوساطة بين الجانبين، إلا أنّ القاهرة هي الأخرى كانت هدفًا لاتّهامات مماثلة أطلقها موقع "بحدري حريديم" المحسوب على التيار الدينيّ المتشدد في إسرائيل، في تقرير ادّعى وصول "معظم ترسانة "حماس" العسكرية المستخدمة ضد إسرائيل من مصر، عبر الأنفاق من سيناء والشاحنات المتنقّلة بين غزة ومصر". ويستبعد كلا الخبيرين، جاغليان وليفينت، أن تكون التصريحات الإسرائيلية تكتيكًا لمنع أنقرة من أداء دور وساطة مستقبلًا، وذلك "لأنّ تركيا لا تبدو حاليًا في بيئة تسمح لها بالقيام بهذه المهمة"، خصوصًا وأنّ الوسطاء الحاليّين، لهم باع وخبرة طويلة في هذا الملف". (المشهد)