حلّت سوريا في المركز السادس عالميا في عمليات زرع الكلية والأعضاء من متبرعين أحياء، وفقا لإحصائيات السجل العالمي للتبرع وزراعة الأعضاء بمعدّل 18.3عضو مُتَبرع به من متبرع حي لكل مــليون مــواطن.يأتي هذا التصنيف العالمي في وقت تعتبر فيه عمليات زرع الكلى من العمليّات المهمّة والخطيرة معا، فهي من جهة تغيّر حياة المريض بشكل جذري وتخفف عنه إرهاق جلسات الغسيل الكلوي، لكنّها، في الوقت ذاته قد تشجّع على تجارة الأعضاء المحظورة، وهو ما يدفع بدول العالم إلى التشدد في القوانين والأطر الناظمة لعمليات زراعة الاعضاء.التبرّع لإنقاذ الحياة رياض عباس، البالغ من العمر 50 عاما، أحد الذين "تغيّرت حياتهم بشكل جذري" بعد عملية لزرع الكلية تكللت بالنجاح قبل 14 عاما. وفي حديث مع منصة "المشهد" يروي عبّاس تجربته مع زرع الكلية في سوريا قائلا "بدأ المرض بوهن شديد وارتفاع ضغط وصعوبة في الحركة والتنقل، وبعد أن أجريت التحاليل اللازمة تبين أن هناك فشل كلوي شبه تام، أي أن الكليتين لدي لا تعملان، وطلب الطبيب حينها إجراء تنقية دموية فورية (غسيل كلوي)، لكن عملية التنقية الدموية مرهقة وتأخذ وقتا طويلا (حوالي 3 إلى 4 ساعات)، ويجب أن تتم مرات عدة في الأسبوع وفقا لتعليمات الطبيب، حينها بدأت بالبحث عن متبرع مناسب لأقوم بعملية الزرع، وهنا كانت المرحلة الأصعب فليس من السهل أن تعثر على شخص آخر يتطابق معك من ناحية الزمرة الدموية والأنسجة وأن يكون شخص سليم خالي من الأمراض". لكن عبّاس كان محظوظا حسب وصفه "عثرت على متبرّع من مدينة حماه، وتطابقت أنسجتي مع أنسجته، واتفقنا على القيام بالعملية وأجرينا التحاليل اللازمة، كانت العملية في مشفى الأسد الجامعي بدمشق، وتولّى المحامي الخاص بالمشفى كافة الإجراءات القانونية". مشفى المواساة على الرغم من الحرب، استمرت المشافي العامة في سوريا في تقديم خدماتها الطبية المجّانية، ومنها "مشفى المواساة الجامعي" بدمشق، والذي تشير إحصاءاته الرسمية لعام 2022 عن استضافته 159 عملية لزراعية الكلية، ما يشكّل نصف عمليات زرع الكـلية التي أُجريت في سورية. ويشرح أستاذ أمراض الكلية بجامعة دمشق ورئيس شعبة أمراض الكلية في مشفى المواساة الدكتور قاسم باشا في حديث لمنصة "المشهد"، أنه "قبل الحرب في سوريا كانت عمليات زرع الكلى تحصل في كل أنحاء البلاد، وكان عددها يقدّر بحوالي 300 عملية سنويا، لكن مع بداية الأزمة انحصرت العمليات في دمشق فقط، والسبب هو أنه قبل عام 2009 كان يسمح بإجراء عمليات زرع الكلى في المشافي الحكومية والخاصة، لكن بعد ذلك العام صدر قانون من وزارة الصحة بمنع عمليات زرع الكلى في المشافي الخاصة وحصرها بالمشافي الحكومية، وذلك لتحقيق الرقابة الكاملة على هذا النوع من العمليات والتي يؤدي إهمالها إلى تجارة الاعضاء". وأضاف باشا "هذا ما يفسّر تصدّر مشفى المواساة لائحة هذه العمليات، حيث تصل نسبة نجاحها، والمقصود بالنجاح العملية بحد ذاتها وليس فشل أو نجاح عمل الكلية في الشخص المريض، 90 إلى 95 %". أسباب الإقبال يعود السبب لاحتلال سوريا مراتب متقدّمة عالميا في عمليات زرع الكلية إلى التسهيلات التي تقدّمها وزارة الصحة السورية مقارنة مع بلدان أخرى، والتي يبيّن تفاصيلها الطبيب باشا قائلا "القانون السوري سمح بالتبرّع من متبرع حي دون اشتراط قرابة الدم، وهو ما لا يسمح به في عدد كبير من بلدان العالم، مع التمسّك بشرط أن يكون المتبرّع غير القريب ذكرا، و ذلك لتجنّب عمليات الابتزاز التي قد تحصل للنساء بشكل عام، وكذلك يشترط أن يكون الشخصان من نفس الجنسية، إضافة إلى العديد من التسهيلات مثل تقديم الأدوية للأمراض المزمنة والخدمات الطبية مثل غسيل الكلية والتحاليل وغيرها، خاصة وأن هذه الأدوية والخدمات غالبا ما يكون سعرها باهظا، لذلك تحرص المشافي الحكومية على تقديمها للمرضى بشكل مجاني". ويذكر الطبيب باشا شروطا أخرى في المتبرّع منها أن يكون سليم جسديا ونفسيا ولا يشكو من أي مرض "حيث تجرى له فحوصات متعددة وصور شعاعية للتأكد من سلامته خاصة من الناحية الكلوية. من الأمور التي تساعد على نجاح عملية الزرع هي صفات المتبرع فكلما كان أقرب للمريض نسيجيا ومناعيا كلما كانت نسبة النجاح أكبر، بغض النظر إذا كان يربطه مع المريض قرابة دم، ففي بعض الحالات نسبة التطابق مع شخص غريب تكون أكبر من نسبة التطابق مع الأم أو الأخ، لكن نحن نفضل الأخذ من قريب حيث تكون الأنسجة قريبة لبعضها البعض في كثير من الحالات وللحدّ من عمليات تجارة الأعضاء، على الرغم من ذلك بعض الحالات تستلزم أن يكون المتبرع غريب كأن يكون هناك مرض وراثي شائع في العائلة". القانون السوري صدر القانون رقم 30 الخاص بزراعة الأعضاء والتبرع بها عام 2003 بهدف سد ثغرات القانون رقم /31/ لعام 1972 وتعديلاته اللاحقة، حيث دفعت عمليات تجارة الأعضاء التي انتشرت حول العالم بالقانون السوري إلى وضع بنود خاصة تتعلق بتبرّع وزراعة الأعضاء البشرية، في خطوة تهدف إلى تنظيم العلاقة بين المريض والمتبرّع، من خلال تنازل رسمي من الشخص لآخر دون إجبار أو مقابلات غير مسموحة. ويشرح المحامي السوري حسني صوفان لمنصّة "المشهد" أن "هناك إجراءات يجب القيام بها قبل القيام بالتبرّع بالكلية، يمكن إيجازها بنقاط رئيسية أولها موافقة خطية عن طريق الكاتب بالعدل بعد التأكد من الفحوصات الطبية وسلامة المتبرّع وعدم وجود خطر عليه بسبب التبرع، وأن يكون المتبرع سليما عقليا ونفسيا وبالغا وكامل الأهلية القانونية". مضيفا "عدم اشتراط صلة القرابة بين المتبرع والمستفيد في حالة التبرع بين الأحياء، يسهّل من هذا الإجراء، لكنّه في الوقت ذاته يفتح المجال أمام التحايل على أحكام هذا القانون، من خلال الحصول على العضو بمقابل مادي، إذ من النادر جدا مثلا أن يتبرع شخص لشخص آخر بكليته وهو لا يعرفه، لذلك فإن القانون السوري حدد حالات معينه للسماح بالتبرع في الأعضاء منعا من تحوّل التبرع بأهدافه النبيلة الى تجاره للأعضاء". كما يشرح المحامي صوفان بأن "القانون السوري يشترط لنقل الأعضاء أو الأحشاء أو جزء منها من ميت بغية حفظها أو زرعها لمريض بحاجة إليه، وصية المتوفى الخطية بالتبرّع، والموافقة الخطية لأحد أفراد أسرة المتوفي، أو قريبا من الدرجة الأولى أو الثانية، في حال عدم وجود فرد من العائلة". وكانت سوريا قد حصلت على المركز العاشر على مستوى العالم حسـب إحصائيات السجل العالمي للتبرع وزراعة الأعضاء العام الماضي 2022، ما يعني تقدّمها 4 مراتب هذا العام.(المشهد)