خلفت الفيضانات الأخيرة التي شهدتها محافظات الجنوب الغربي للجزائر والتي تسببت في انهيار العديد من المنازل الطينية وإعاقة حركة السير بعدد من الشوارع والأحياء السكنية بعد استيقاظ بعض الأودية التي ظلت نائمة منذ سنوات.في حين امتلأت العديد من السدود التي كانت تشهد جفافا حادا منذ سنوات بسبب ارتفاع منسوب المياه والتي يمكن للمزارعين الاستفادة منها كما سينعكس على انتعاش قطاع الفلاحة والثروة السمكية، فيما عبر العديد منهم عن الحاجة الماسة لإنجاز سدود تلية صغيرة ومتوسطة، لتجميع وتخزين واستغلال مياه الأمطار في سقي المحاصيل الزراعية، وتعزيز الإنتاج الفلاحي لتحقيق الأمن الغذائي، وتقليل الاعتماد على المياه السطحية. وهو ما يطرح التساؤل حول التدابير الحكومية المتخذة لإنعاش الزراعة في الصحراء الجزائرية بعد الفياضانات الأخيرة؟ وما هي الآليات الكفيلة لحماية المحاصيل الفلاحية مستقبلا؟ وكيف ستساهم الاستثمارات الأجنبية التي احتضنتها الجزائر في المجال الفلاحي بجنوب البلاد وانعكاساته على إفريقيا مستقبلا؟ امتلاء السدود بلغ مخزون سد جرف التربة بمحافظة بشار جنوب غرب البلاد خلال أزيد من 247 مليون متر مكعب من المياه، أي ما يمثل كمية إضافية تقدر بـ107 ملايين متر مكعب، حسبما أفادت به للوكالة الجزائرية للسدود والتحويلات. وفي هذا السياق، يرى الدكتور هشام شناقر الخبير في الموارد المائية أنه في السنوات الـ10 الأخيرة تم تسجيل أدنى مستوى في تخزين السدود للموارد المائية والمياه السطحية والجوفية؛ بسبب شح الأمطار والتغيرات المناخية الحاصلة. وفي حديث لمنصة "المشهد" أكد شناقر أن الفياضانات الأخيرة التي مست ولايات الجنوب الجزائري رغم الخسائر التي خلفتها، فإنها ساهمت في تحقيق وفرة مائية كبيرة تمثلت في المعطيات التالية: سجلت هذه الزيادة المعتبرة في منسوب المياه بعد الامتلاء التام لبحيرة السد التي تتربع على مساحة 94 كلم مربع والتي كانت تعاني من الجفاف، نتيجة التساقطات المطرية التي شهدتها المنطقة بداية الأسبوع الماضي. سيسمح امتلاء السدود بتعزيز عملية التموين بالمياه الصالحة للشرب لفائدة المواطنين جنوب غرب الجزائر من خلال محطات معالجة وتصفية المياه. الوفرة المائية الأخيرة ستساهم في توسيع نطاق عمليات الري للحد من الاعتماد على الزراعة المروية بمياه الأمطار. بالإضافة إلى توجه الجزائر اليوم للدعم بتقنية تحلية مياه البحر تماشيا مع التغيرات المناخية الحاصلة ضمن برنامج آخر يتضمن إنشاء خمس محطات كبرى تدخل حيز التنفيذ بنهاية 2024 بسعة 300 ألف متر مكعب في اليوم للمحطة الواحدة.انتعاش الزراعة من جانب آخر، يرى الخبير الفلاحي أحمد مالحة في تصريح لـ"المشهد" أنه لمس تزايد اهتمام السلطات العمومية بترقية الزراعة الصحراوية وارتفاع منسوب المياه سيساهم في هذا التوجه، من خلال العمل على تحقيق الاكتفاء والأمن الغذائي، وعدم تسجيل أي انقطاع في عملية إنتاج المحاصيل الزراعية على مدار العام، ما من شأنه ضمان تغطية الأسواق وحاجيات المستهلكين.وعن شروط تحقيق الاستفادة القصوى من الاستثمار في الزراعة الصحراوية والحفاظ على المحاصيل يعدد الخبير الفلاحي مجموعة من النقاط أهمها: توفير الأوعية العقارية اللازمة لإنجاز المشاريع الاستثمارية المدمجة بمحافظات الجنوب سواء للمستثمر المحلي أو الأجنبي.مراجعة المسافة المرجعية بين الآبار وتقليصها من شأنه رفع نسبة المساحة المستغلة فعليا لكل مستثمرة فلاحية. قرب نقاط الربط الكهربائي وهو ما يجعل ربط الأراضي الزراعية بشبكة الكهرباء غير مكلف نسبيا للسلطات المعنية، وفيه العديد من نماذج المستثمرين الذين وجدوا حلولا لمشكلة الكهرباء دون انتظار تدخل السلطات.الاستعانة بمحطات للطاقة الشمسية، وقد يكون ذلك موجها للفلاحين والمستثمرين الناشطين في مجال الزراعات الإستراتيجية لسقي الأراضي البعيدة عن الشبكة الكهربائية. على السطات المعنية تكثيف العمل على استرجاع الأراضي الفلاحية التي لم يتم استصلاحها وتسلم لمستثمرين أكثر جدية وقدرة على الاستثمار بعيد المدىالصحراء ..من النفط إلى الفلاحة في السياق ذاته، يعتبر تنشيط القطاع الفلاحي بمناطق الجنوب الجزائري رهانا جديدا في الصحراء التي كانت لسنوات حاضنة لأكبر المركبات الغازية وأهم الشركات البترولية، هذا التوجه الذي تمثل في استقطاب استثمارات أجنبية ضخمة من بينها:مشروع "بلدنا"وقعت الحكومة الجزائرية على اتفاق مع شركة "بلدنا" القطرية لتنفيذ مشروع جنوبي البلاد لإنتاج الحليب المجفف للمرة الأولى.المشروع سيكلف 3.5 مليارات دولار، بشراكة بين الصندوق الوطني الجزائري للاستثمار (حكومي)، وشركة بلدنا القطرية.المشروع يمتد على مساحة 117 ألف هكتار (الهكتار = 10 آلاف متر مربع) بمحافظة أدرار الجنوبية، لإنتاج 50% من حاجيات البلاد من الحليب المجفف، واستحداث 5 آلاف وظيفة (حسب ما أكده وزير الفلاحة والتنمية الريفية يوسف شرفة).خطة "ماتي" تعاون إيطالي - جزائريهذا المشروع المدمج يتعلق بإنتاج الحبوب والبقوليات على مساحة تقدر بـ36 ألف هكتار بمحافظة تيميمون جنوب الجزائر، بقيمة إجمالية تقدر بـ420 مليون يورو. يندرج ضمن المخطط الوطني الخاص بتطوير الشعب الإستراتيجية الذي يشمل الحبوب والبقوليات والنباتات السكرية والزيتية والبذور وكذا الحليب، وبالتالي تكون قد دشنت الجزائر واحدا من أكبر الاستثمارات في المجال الفلاحي في منطقة الصحراء. (الجزائر - المشهد)