بعد الهجوم بطائرة من دون طيار الذي أسفر عن مقتل 3 جنود أميركيّين في الأردن، وجهت واشنطن أصابع الاتهام إلى "جماعات مسلّحة متشددة مدعومة من إيران" تنشط في سوريا والعراق. وتتمتع هذه الميليشيات المرتبطة مؤسسيًا بقوات "الحشد الشعبي"، بنفوذ سياسيّ كبير في العراق، وتعتمد خطابًا يسلّط الضوء على عدائها للولايات المتحدة وارتباطها بـ"محور المقاومة" والتحالف مع طهران. من هي هذه المجموعات وما هي صلاحياتها؟ وما هي العلاقة التي تربطها بالسلطات؟ ما هي الميليشيات العراقية المسلحة؟رغم أنّ الميليشيات العراقية لم تعلن مسؤوليّتها عن الهجوم الأخير في الأردن، إلا أنه يشبه في طريقة تنفيذه الهجمات الصاروخية وضربات المسيّرات التي بدأ تنفيذها منذ منتصف أكتوبر ضد القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهابيّين في العراق وسوريا. وأعلنت ميليشيات "المقاومة الإسلامية في العراق"، وهي مجموعة من المقاتلين من جماعات مسلحة موالية لإيران، مسؤوليتها عن معظم هذه الهجمات 165 وفقًا لواشنطن. وقالت "المقاومة الإسلامية" في بياناتها، إنها تتضامن مع غزة وتدعو إلى انسحاب الجنود الأميركيّين المنتشرين ضمن قوات التحالف من العراق. وفي نهاية نوفمبر أعلنت ميليشيات "حزب الله" أسماء بعض الجماعات المنضوية معها في "المقاومة الإسلامية"، مشيرة على وجه الخصوص إلى كتائب "سيّد الشهداء" و"النجباء". وتفتخر هذه الحركات بكونها جزءًا من "محور المقاومة" الذي يوحدها مع طهران والفصائل الإقليمية الأخرى، مثل "حزب الله" اللبنانيّ، أو "الحوثيّين" في اليمن. لكنّ ميليشيات "حزب الله" العراقية أعلنت الثلاثاء، "تعليق" هجماتها على القوات الأميركية بغية عدم "إحراج" الحكومة العراقية. وردًا على الإعلان قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الجنرال بات رايدر في مؤتمر صحفيّ بواشنطن، إن "الأفعال أبلغ من الأقوال". وأضاف "كنا قد دعونا المجموعات التابعة لإيران إلى وقف هجماتها. لكنها لم توقفها. سنردّ في التوقيت الذي نختاره وكما نشاء". واتهمت الولايات المتحدة كتائب "سيد الشهداء" بتنفيذ هجمات على القوات الأميركية. وتصنف واشنطن هذه الجماعات على أنها "إرهابية". وفي الأسابيع الأخيرة، ردًا على الهجمات، استهدفت القصف الأميركيّ في العراق ميليشيات "حزب الله" و"النجباء". ولديهم مقاتلون يشاركون باسمهم في الصراع الدائر في سوريا المجاورة، دعمًا لنظام دمشق، بحسب المرصد السوريّ لحقوق الإنسان.ما جذور الميليشيات العراقية؟ ترتبط هذه الميليشيات بـ"الحشد الشعبي"، وهو تحالف غير متجانس من القوات شبه العسكرية السابقة التي ظهرت في يونيو 2014، لدعم قوات الأمن ضد تنظيم داعش الذي اجتاح نحو ثلث اراضي العراق وسيطر عليها. وتشكل الحشد استجابة لفتوى المرجع الشيعيّ الأعلى آية الله علي السيستاني، الذي دعا إلى "الجهاد الكفائيّ" ضد تنظيم داعش. وفي عام 2016، صدر قانون بدمج الحشد في القوات النظامية وجعله مؤسسة رسمية تابعة لأوامر رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة. وكانت ميليشيات الحشد تستمد أعدادها من الجماعات الشيعية المسلحة التي حاربت القوات الأميركية بعد غزو عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين. وساهم الحشد في دحر تنظيم داعش عام 2017 على يد قوات الأمن العراقية، بدعم من نفس التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن وتستهدفه حاليا الهجمات. خلال تلك الفترة التي كان يواجه فيها العراق خطر الإرهابيّين، تم تأسيس وتدريب مجموعات مسلحة جديدة على يد الإيرانيّ قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس، فرع العمليات الخارجية للحرس الثوريّ الإيراني. ويضم الحشد حاليًا عشرات المجموعات وأكثر من 160 ألف عنصر بحسب التقديرات، ولم تقدم السلطات ولا أيّ مؤسسة أرقامًا رسمية عن اعداده. على مرّ السنين، ظهر العديد من القادة، وأبرزهم أبو مهدي المهندس، المعارض السابق الذي لجأ ذات يوم إلى إيران والمقرب من قاسم سليماني. وقُتل الرجلان في يناير 2020 في بغداد بضربة طائرة أميركية مسيّرة. نفوذ سياسي واسع تسببت التوترات الإقليمية في احتكاك في المعسكر السياسيّ الموالي لإيران في العراق، ووصلت إلى الإطار التنسيقيّ صاحب الأغلبية البرلمانية المكوّنة من أحزاب موالية لإيران، والذي عيّن حكومة محمد شياع السوداني الحالية. وتضم الأغلبية أحزابًا وقيادات في "الحشد الشعبي" الذي له نواب في البرلمان منذ 2018. ودان السوداني الهجمات التي استهدفت التحالف الدولي، وأكد مجددًا التزام الحكومة بضمان حماية القوات الأجنبية. ودفعه تصاعد التوترات إلى بدء مباحثات مع واشنطن والمطالبة بـ"جدول زمني محدد لإنهاء المهمة العسكرية للتحالف" و"خفض تدريجي" في عدد مستشاري التحالف. ورحب الإطار التنسيقيّ بهذه العملية، وأعلن رفضه "للاعتداءات الإرهابية" بعد الهجمات الصاروخية في ديسمبر على السفارة الأميركية. أما ميليشيات "المقاومة الإسلامية في العراق"، فقد شككت بنيّة واشنطن إخراج قواتها من خلال المباحثات مع الجانب العراقي، وأعلنت أنها ستواصل هجماتها. بالإضافة إلى دورها السياسي تسعى ميليشيات الحشد إلى تنويع أنشطتها. ومن خلال تنمية قوتها الناعمة، أصبح لديها قنوات تلفزيونية، إضافة إلى إنتاج افلام ومسلسلات تلفزيونية، وتمويل فرق رياضية. وكلفت الحكومة التي ترغب في تطوير البنية التحتية، هيئة الحشد التي أسست شركة عامة أطلقت عليها "المهندس" نهاية 2022 برأسمال يبلغ نحو 68 مليون دولار، إدارة هذه الاعمال. وتشمل أنشطة شركة "المهندس" مجموعة واسعة من الأعمال منها "المشاريع الصناعية والتعدين والمشاريع الزراعية واسعة النطاق، واستيراد وتأجير المركبات والمعدات"، بحسب دراسة لمعهد واشنطن الأميركيّ للأبحاث.(أ ف ب)