لم يكن التجمع الانتخابي الذي عقده مرشح الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب في لونغ أيلاند بنيويورك عاديًا، ليس بسبب أعداد أنصاره الحاضرين، ولا بسبب محتوى خطاباته الانتخابية التي باتت معروفة لدى الجميع، بل بسبب مستوى الحماية العالي الذي حظيّ به لأول مرة منذ مغادرته البيت الأبيض، مستوى يضاهي ذلك الذي يتمتع به حاليًا الرئيس جو بايدن.دفعت محاولة الاغتيال الثانية التي تعرض لها دونالد ترامب في ظرف شهرين فقط جهاز الخدمة السرية لرفع مستوى تأمين تحركاته لحد مساواته بالرئيس الحالي، بعد كل الانتقادات التي طالت عمل الجهاز في أعقاب استهداف ترامب في بنسلفانيا في شهر يوليو الماضي، ووصلت حد مطالبة أعضاء الكونغرس الجمهوريين، وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب مايكل جونسون بإعادة الجهاز تحت وصاية وزارة الخزانة بدل وزارة الأمن الداخلي، التي تشرف على تسيير الخدمة السرية منذ الإصلاحات الأمنية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001.ويقول المحلل السياسي المختص في الشأن الأميركي الدكتور مخائيل لمنصة "المشهد" إن "مطلب الجمهوريين بتحويل الخدمة السرية إلى إشراف وزارة الخزانة، مرده استغلال حادثة محاولة الاغتيال لأغراض سياسية".وحسب مخائيل فإن الجمهوريين بهذا الطرح يستهدفون كفاءة وزير الأمن الداخلي أليخاندرو إن مايوركاس، ويحاولون ربط فشل جهاز الخدمة السرية في صد محاولتي الاغتيال وبشكل أخص المحاولة الأولى، التي أُصيب على إثرها ترامب برصاصة في أذنه، بما يسمونه فشل مايوركاس في التصدي للمهاجرين غير النظاميين، الذين دخل أكثر من 8 ملايين مهاجر منهم عبر الحدود الجنوبية مع المكسيك، منذ بداية عهدة بايدن عام 2020.ما الذي تغير في مخطط تأمين ترامب؟توسع مخطط تأمين الرئيس السابق الناجي من محاولتي اغتيال ليشمل الطائرات بدون طيار، وثلاث فرق تُكلف عادة بحماية الرؤساء الأميركيين، خلال فترات حكمهم، تتمثل في:فريق مكافحة الاعتداء (Counter Assault Team)، وهو وحدة خاصة توفر دعما تكتيكيا عاليا بدوام كامل لقسم الحماية الرئاسية.فريق مكافحة القناصة (The Counter Sniper Team)، وهو وحدة متخصصة داخل الخدمة السرية الأميركية، توفر مراقبة عالية طويلة المدى ودعمًا تكتيكيًا لتفاصيل الحماية الخاصة بالخدمة السرية الأميركية. وعند الطلب، توفر هذه الفرقة أيضا الدعم للمحميين المعينين، والأماكن التي يتواجدون بها، والأحداث الأمنية الوطنية الخاصة.فرق خدمة المراقبة السرية (Surveillance Team)، وهي وحدة سرية للغاية من "المتخصصين الاستقصائيين"، تختلف عن الوكلاء الخاصين، داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، و تختص في المراقبة السرية للمركبات والمواطنيين الأجانب والأميركيين المعروفين أو المشتبه في تورطهم في التجسس.هاجس الاغتيالات يطارد الرؤساءحين انتشرت الشائعات عن تهديدات تتربص بحياة أبراهام لينكولن، قبل تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة عام 1861، لم تكن هناك حماية رسمية للرئيس المنتخب، ولا جهاز يُسمى الخدمة السرية، و لكن في عام 1864، تم إنشاء وحدة دائمة لقوة الشرطة المحلية في العاصمة واشنطن لحماية الرئيس، وفي اليوم الذي تم فيه إطلاق النار على لينكولن، وقع الرئيس تشريعاً رسميا لإنشاء ما يعرف اليوم بالخدمة السرية الأميركية عام 1865، و لكن في ذلك الوقت، لم يكن للأمر علاقة بحماية الرؤساء فقط، بل تم تكليف الوكالة التي كانت تابعة لوزارة الخزانة، بتتبع النقود المزيفة، التي كانت مشكلة كبيرة آنذاك أيضا. ورداً على اغتيال الرئيسان جيمس غارفيلد في عام 1881، ووليام ماكينلي في عام 1901، كلف الكونغرس الأميركي وبشكل رسمي، جهاز الخدمة السرية بحماية رؤساء الولايات المتحدة بدوام كامل. وظلت وكالة الخدمة السرية جزءًا من وزارة الخزانة حتى عام 2003، عندما أدت عملية إعادة تنظيم حكومية واسعة النطاق ردًا على هجمات الـ11 سبتمبر الإرهابية، إلى نقل الجهاز من وزارة الخزانة إلى وزارة الأمن الداخلي، مع الإبقاء على تكليفها بمهمة مكافحة الجرائم المالية. وفي خضم الجدل الدائر حول أداء الخدمة السرية، كشف تقرير نشرت تفاصيله وكالة "رويترز" أن الجهاز يعاني نقصا يُقدر بـ400 موظف، أقل مما أذن به الكونغرس، ووفقا للسجلات الحكومية التي اطلعت عليها الوكالة، فإن العدد المُحدد وفق الميزانية السنوية للوكالة، يُقدر بنحو 8300 في حين بلغ عدد أفراد الجهاز حتى فبراير 7879 عنصرا. ترامب ليس الصداع الوحيدوبينما يمارس الرؤساء الأميركيون السابقون عادة الغولف في الملاعب العسكرية، يُفضل الرئيس السابق دونالد ترامب ملاعبه الخاصة، ما يولد تحديات أمنية كبيرة أمام موظفي وكالة الخدمة السرية. وخيارات ترامب ليست المصدر الوحيد لتحديات جهاز الخدمة السرية، فوفق العملاء الذين تحدثوا لـ "رويترز"، فقد اضطر الجهاز إلى توسيع تغطيته الوقائية لتشمل مجموعة أكبر عدد من المسؤولين منذ أن انسحب الرئيس الحالي جو بايدن من السباق الانتخابي كمرشح للحزب الديمقراطي واستخلافه بنائبته كامالا هاريس، التي عينت بدورها حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز زميلا لها على البطاقة الانتخابية، مما زاد الضغط على موظفي الخدمة السرية. وخلال جلسات الإستماع بالكونغرس في يوليو الماضي، قال مدير الخدمة السرية رونالد رو، إن 2% فقط من المتقدمين يتم تعيينهم في الخدمة السرية بسبب صعوبة المهمة، في حين أنها تعاني من هجرة المنتسبين إليها نحو القطاع الخاص.(المشهد)