وقع ممثّلو الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على اتفاقية قصيرة الأجل لوقف إطلاق النار في ساعات مبكرة من الأحد بوساطة سعودية أميركية، وهي الأولى منذ اندلاع الصراع في منتصف أبريل الماضي، إذ كانت الهدنة السابقة بين طرفي النزاع لا تتم وفق اتفاق وآلية مراقبة محددة مع استمرار الاقتتال في مناطق مختلفة.وأعلنت السعودية والولايات المتحدة في بيان مشترك أن طرفي النزاع اتفقا أيضا على "إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانيّة، واستعادة الخدمات الأساسيّة، وسحب القوّات من المستشفيات والمرافق العامّة الأساسيّة".ومن المقرر أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ في الساعة 21:45 بتوقيت الخرطوم الاثنين 22 مايو ولمدة 7 أيام، كما يمكن تمديده بموافقة الطرفين.ورحبت قوى الحرية والتغيير بالسودان، وهي تحالف يضم مجموعة من الأحزاب السياسية المؤيدة للحكم الديمقراطي، باتفاق وقف إطلاق النار، داعية للالتزام الكامل بإعلان مبادئ جدة وباتفاق وقف إطلاق النار قصير الأمد والترتيبات الإنسانية، قائلة في بيان لها: "نأمل أن يشكل هذا الاتفاق خطوة أخرى إلى الأمام في طريق الوقف الكلي لهذه الحرب اللعينة".وكرر القيادي في التجمع الاتحادي السوداني والناطق باسم قوى الحرية والتغيير في الخارج عمار حمودة خلال حديثه مع منصة "المشهد" ما جاء في البيان من ترحيب، لكنه قال: "الشيء الجيد هو أن الاتفاق هذه المرة أتى بآليات مراقبة ولجان تنسيق واتصال كانت غائبة في السابق، مع التزامات واضحة يتطلع المواطن إلى نتائجها".وتضمنت الاتفاقية الموقعة في جدة، إنشاء "لجنة المراقبة والتنسيق" لمراقبة التقيد بوقف إطلاق النار قصير الأمد والالتزام بما جاء في الاتفاق من خلال المحافظة على اتصال منتظم ومباشر مع قيادتي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في جميع أعمال التنسيق اللازمة.ماذا بعد؟بعد مرور ساعات قليلة على توقيع الاتفاق، ألمحت القوات المسلحة السودانية في بيان لها إلى عدم وجود أي أفق لحل سياسي قريب للأزمة الراهنة على خلاف ما تأمله القوى السياسية والمدنية الأخرى، إذ أعلن الجيش عن موافقته على اتفاق لوقف إطلاق النار، "والذي لا يتضمن مناقشة أي أوضاع سياسية".المحللون والمراقبون للشأن السوداني الذين تحدثوا لمنصة "المشهد" استبعدوا أن تتحول اتفاقية الهدنة قصيرة الأجل إلى وقف شامل لإطلاق النار ومن ثم اتفاق سياسي في القريب العاجل أو على المدى القصير، إذ يقول الناطق باسم قوى الحرية والتغيير في الخارج إن "خطوات أطراف النزاع في التفاوض للتوصل إلى اتفاق شامل لإطلاق النار تسير ببطء ولا تتناسب مع ما يكابده المواطن من معاناة شديدة في جوانب الحياة اليومية في ظل الحرب".ويتفق مع هذا المحلل السياسي السوداني فريد زين، والذي يعتبر خلال حديثه مع منصة "المشهد" أن "هناك شكوك أيضا بشأن الالتزام الكامل بهذه الاتفاقية، نتيجة الوقائع السابقة التي لم يلتزم فيها طرفا النزاع بالهدنة المعلنة".وأعلنت الأمم المتحدة قبل أيام قليلة عن وقوع 34 هجوما على منشآت للرعاية الصحية منذ بداية الصراع، وقالت إن نهب الإمدادات الإنسانية والهجمات على المرافق الصحية لايزال مستمرا منذ أن وقع الجانبان على إعلان في جدة في 11 مايو الجاري والهادف إلى حماية إمدادات المساعدات والبنية التحتية المدنية.ويضيف زين، وهو مقيم في الولايات المتحدة: "نأمل أن يُشكل الاتفاق مرحلة نحو الهدوء والعودة إلى الانتقال السلمي للسلطة، ويبني على ما يركز بشأنه فيما يتعلق بالشؤون الإنسانية ومنح منظمات الإغاثة فرصة لمساعدة السكان".بدوره يرى المحامي ورئيس مرصد السودان لحقوق الإنسان نبيل أديب خلال حديثه مع منصة "المشهد" أن تحول هذه الهدنة إلى اتفاق طويل الأجل لوقف إطلاق النار مرهون بفعالية آلية المراقبة التي تمنع وقوع أي خروقات"، مشيرا إلى أن انتهاء الصراع يمثل شرطا رئيسيا للسير نحو حل الأزمة السودانية.ويُعاني سكان المناطق التي تشهد اقتتالا بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع بما فيها العاصمة الخرطوم، والذين لم يتمكنوا من الفرار، حيث أبلغت مصادر محلية عدة عن صعوبة الأوضاع المعيشية وسط عمليات النهب للممتلكات العامة والخاصة وانقطاع الخدمات الأساسية وانهيار النظام الصحي.ومنذ بداية الصراع منتصف الشهر الماضي، فر نحو 1.1 مليون شخص من ديارهم، سواء داخل البلاد أو إلى الدول المجاورة، حسبما تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.ويؤكد القيادي في التجمع الاتحادي السوداني أن "استمرار القتال يوما تلو الآخر يضغط أكثر على قدرة تحمل المجتمع لإفرازات الصراع الكارثية من نهب وترويع واستباحة ولذلك فإن وقف الحرب ضرورة حياتية".لماذا لا تتطور؟وعلى خلاف بيان الجيش، فمنذ الإعلان عن الاتفاقية لم تُصدر قوات الدعم السريع التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" أي بيانات تعقيبية حتى اللحظة، كما أن حسابها على "تويتر" والذي كان ينشر مقاطع وبيانات حول المكاسب العسكرية في الميدان، لم يغرد سوى بمقطع فيديو كتب عليه: "الدعم السريع يدعم ضحايا القصف بمواد الإيواء والغذاء".وعن أسباب استبعاد المحللين تطور الهدنة قصيرة الأمد إلى تسوية سياسية واتفاق شامل لإطلاق النار خلال الأسابيع المقبلة، يقول المحلل السياسي السوداني فريد زين إنه لا توجد أي ثقة بين قيادات القوات المسلحة وقوات الدعم السريع للبناء عليها نحو اتفاق سياسي، وأن "اتفاقية جدة قد تكون البداية نحو بناء الثقة بشكل تدريجي من خلال احترام بنودها وما جاء فيها".وأضاف: "نأمل أن تنقلنا الاتفاقية إلى المرحلة التالية نحو اتفاق سياسي، لكن احتمال حدوث ذلك في القريب أمر بعيد، لا توجد ثقة بين القادة المتنازعين".بدوره يرى رئيس مرصد السودان لحقوق الإنسان أن "أي اتفاق بين طرفين متنازعين يتطلب تنازلات متبادلة"، مشيرا إلى أن "الحل النهائي للأزمة السودانية" لا يتوقف على اتفاق بين القوتين المتحاربتين، بل يتطلب اتفاقا يؤسس على حوار يضم كل الجهات الفاعلة الراغبة في التحول الديمقراطي من أجل العودة إلى حكم دستوري".وقبل أيام أقال الفريق أول عبدالفتاح البرهان باعتباره رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو من منصب نائب رئيس المجلس، واللذين كان يقودانه منذ إطاحة القوات المسلحة بالرئيس عمر البشير، وتشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون الدولة في أبريل 2019.ويعتبر المحلل فريد زين أن قائد قوات الدعم السريع قد لا يرغب في تقديم أي تنازلات للوصول إلى تسوية سياسية، قائلا: "حميدتي يعتبر نفسه في موقف قوة، ولا يمكن أن يتنازل أو يعود لما قبل 15 أبريل، أو حتى مع عدول برهان عن قراراته الأخيرة".ويتفق مع هذا الناطق باسم قوى الحرية والتغيير في الخارج عمار حمودة، والذي يضيف: "لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، ولكن بالبحث من جديد وبجدية عن حل سياسي(..) الحرب في صورتها المقيتة تدل على أهمية الوصول إلى حلول".ويؤكد حمودة على ضرورة أن يكون للجانب المدني رؤية في أي اتفاق سياسي مستقبلي، مشيرا إلى أن "المفاوضات في أساسها تهدف إلى إيجاد مخرج سياسي باتفاق حقيقي، لذا من الواجب أن يكون المكون المدني جزءا منها، وذلك للتأسيس نحو وضع دستوري يصل بالسودان إلى انتخابات".وتابع بالقول: "دون هذا يصبح التفاوض مجرد تلطيف للواقع العسكري الحربي الراهن".المسار المستقبليقبل أيام أكد بيان ختامي صادر عن اجتماع لجامعة الدول العربية الـ32 على مستوى القادة في مدينة جدة السعودية على التضامن الكامل مع السودان في الحفاظ على سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه، ورفض التدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية باعتبار الأزمة شأنا داخليا.وتوقف المحلل السوداني المقيم في الولايات المتحدة خلال حديثه مع منصة "المشهد" عند نقطة التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لبلاده، حيث بنى عليها المسار المستقبلي للصراع القائم قائلا: "الجيش والدعم السريع يعولان على استنزاف كل منهما موارد الأخر، ويظنان أن الأكثر صمودا في هذه المعركة هو من يحقق الانتصار. وهذا بالطبع غير صحيح، لذا فإن التدخل الأجنبي في حد ذاته سيدعم طرفا على حساب الآخر عسكريا وماديا ما سيؤدي إلى طول أمد الحرب".وأضاف فريد زين: "يحرص السودانيون على ألا يكون هناك تدخل أجنبي أو أي دعم عسكري للأطراف المتنازعة من قوى إقليمية أو دولية حتى يصلوا في نهاية المطاف إلى قناعة بأن الحل العسكري لن يجدي نفعا ولا سبيل سوى الحل السياسي".ويستبعد زين أن يكون هناك منتصر في النزاع المسلح بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، مشيرا إلى أن المسار المستقبلي لهذا الصراع سيكون على طاولة المفاوضات وعودة استقرار الأوضاع وفق ما ينادي به الشعب السوداني.ومنذ اندلاع المعارك في السودان سقط أكثر من 700 قتيل وأصيب ما لا يقل عن 5287 شخصا، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، على الرغم من أن العدد الحقيقي للقتلى يُعتقد أنه أعلى من ذلك بكثير.وقدرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي نحو 25 مليون شخص في السودان، أكثر من نصف السكان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، إضافة إلى حوالي 3.03 مليارات دولار مساعدات طارئة ضرورية للبلاد والفارين من الحرب إلى البلدان المجاورة.(المشهد)