أعلنت أرمينيا اليوم الجمعة اعترافها رسميًا بالدولة الفلسطينية لتصبح الدولة رقم 148 من أصل 193 عضوا في الأمم المتّحدة المعترفة بشرعية الدولة الفلسطينية المعلنة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية في نوفمبر 1988 على الأراضي المعترف بها دولياً والتي تشمل القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزّة.تهدف أرمينيا من خلال الخطوة التي أثارت غضب تل أبيب إلى تدعيم سياساتها الشرق أوسطية بعد عقود من شبه الغياب عن المنطقة من جهة، وتفعيل المزيد من الضغوط على إسرائيل: الحليف الوثيق لخصمها أذربيجان، وسط تصعيد تل أبيب من انتهاكاتها بحق أرمن القدس وممتلكات كنيستهم.أرمينيا: الاعتراف يعبّر عن توجّهاتنا وفي بيان نشرته وزارة الخارجية الأرمينية، وحصلت منصة "المشهد" على نسخة منه، كرّرت يريفان دعمها للوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، ورفضها لاستهداف البنى التحتية، والعنف ضد المدنيين، واحتجاز المدنيين كأسرى، مشيرة إلى تأييديها "لحل الدولتين" لإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وقالت الناطقة الرسمية باسم الخارجية الأرمينية، آني باداليان، في حديثها مع منصة "المشهد" إن: البيان يعبّر بشكل كامل عن توجهات الحكومة الأرمينية ومواقفها المتكررة في كل المناسبات وعبر جميع المحافل الدولية. واتّخذت جمهورية أرمينيا منذ استقلالها عن الاتّحاد السوفياتي في سيبتمبر 1990 مواقف داعمة للقضية الفلسطينية، لكن، وعلى الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية لها مع تل أبيب، اتّسمت علاقاتها الدبلوماسية مع السلطة الفلسطينية بالبرود، حيث خلت سجّلات البلدين من الزيارات المتبادلة لوفودها إلا ما ندر.إبادة الأرمنويشرح المحلل السياسي ومدير تحرير القسم العربي في وكالة الأنباء الأرمينية الرسمية "أرمنبرس"، ديكران كابويان، في حديثه مع منصة "المشهد":العلاقات الأرمينية-العربية والأرمينية-الفلسطينية متأصلة وعميقة وأخوية، وعلى الرغم من المواقف المخيبّة للآمال من قبل الحركات السياسية العربية لناحية دعم أذربيجان ضد أرمينيا في ملف ناكورني كاراباخ، والتطهير العرقي الذي تعرّض له أرمن الإقليم فقد وضعت يريفان مبادئ العدالة الدولية وحقوق الإنسان فوق الاعتبارات السياسية واختارت الموقف الذي كان عليها اختياره.شعب الأرمن تعرّض للإبادة وهو أكثر من يشعر بما يمرّ به الشعب الفلسطيني، وهذا الموقف السياسي هو أخلاقي وإنساني قبل كل شيء.حل القضية الفلسطينية صوّتت أرمينيا لصالح منح الدولة الفلسطينية صفة المراقب غير العضو في الأمم المتحدة عام 2012، وأكّدت الرئاسة الأرمينية خلال العقد الماضي دعمها للمطالب الفلسطينية وعلى رأسها حق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة، لكن العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين لم ترتق إلى مستوى الخطاب السياسي. مع وصول رئيس الوزراء الحالي نيكول باشينيان إلى السلطة نتيجة الثورة الشعبية في مايو 2018، وتغير نظام الحكم من الرئاسي إلى البرلماني في البلاد، سعت يريفان إلى اتخاذ خطوات دبلوماسية أكثر استقلالية وفي علاقاتها الدولية مع الغرب ومع الشرق الأوسط بعد الدوران لعقود في الفلك الدبلوماسي الروسي. وقام الرئيس الأرميني السابق أرمين سركيسيان بزيارة لمدينة بيت لحم في يناير 2020، ولقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تلاه لقاء في نوفمبر 2021 لقاء وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان بنظيره الفلسطيني رياض المالكي في باريس. وفي فبراير الماضي، شدّد الرئيس الأرميني فاهاكن خاتشاتوريان خلال لقاء مع طلاب جامعة بغداد خلال زيارته الرسمية إلى العراق، على دعم بلاده "لحل الدولتين والدعوة منذ اليوم الأول إلى وقف الصراع وحلّ القضية على طاولة المفاوضات وليس عبر العمليات العسكرية". ويؤكد كابويان أنّ "أرمينيا دولة محدودة القدرات، لذلك لا ينتظر منها إسهامات كبيرة لصالح الدولة الفلسطينية، لكن موقفها السياسي والإنساني والأخلاقي المعلن، والمدعوم بخطوات الانفتاح السياسي التي تنتهجها الحكومة الأرمينية مؤخراً قد يكون لها إسهامات، ولو بشكل محدود، لصالح حل القضية الفلسطينية".العلاقات الإسرائيلية - الأذربيجانية تزامن تطوير يريفان لعلاقاتها الدبلوماسية مع الدول الغربية والأطلسية والعواصم الخليجية مع ابتعادها عن موسكو ببطء وحذر شديدين، حيث غابت أرمينيا عن قمة سانت بطرسبورغ الاقتصادية التي تعرف بدافوس الروسية، وأعلن باشينيان نيّة بلاده الخروج من معاهدة الأمن والدفاع الجماعي التي تقودها روسيا. كل ما سبق أرسلت إشارات لنيّة يريفان بالانتقال من موقعها التقليدي في المعسكر الشرقي - الروسي إلى الغربي الأطلسي، ووضعتها ضمن الرادار الروسي الإيراني المشكك في حملات باشينيان الأخيرة. في السياق، يرى الزميل المساعد في معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، يغيا طاشجيان، أن:الحكومة الأرمينية تسعى إلى ترسيخ التوازن بين الشرق والغرب أثناء قيامها بتنويع سياساتها الخارجية، خصوصًا في ظل تركيزها على سياسات القوّة الناعمة. ويشرح خبير العلاقات الدولية في حديث لـ"المشهد" أن:أرمينيا تحاول الوجود في السياسة الشرق الأوسطية عبر نافذة حرب غزّة، في نهج يشبه إلى حد ما التواجد التركي في المنطقة من خلال القضية الفلسطينية.تحاول يريفان إرسال إشارات إلى الدول العربية بقدرتها على أداء دور سياسي، حسب قدراتها، في هذه القضية، بالاستفادة من علاقاتها الدبلوماسية الجيدة مع الغرب. الخارجية الإسرائيلية تحتجّ وردّت تل أبيب على خطوة أرمينيا باستدعاء الخارجية الإسرائيلية لسفير أرمينيا لديها "وتوجيه توبيخ شديد اللهجة له" عقب إعلان بلاده اعترافها بدولة فلسطين. ويشير طاشجيان أيضاً إلى عامل "المجتمعات الأرمنية الموجودة في المنطقة والتي يمكن اعتبارها عاملاً فاعلاً في الاهتمام الأرميني بالشرق الأوسط من جهة، والضغط على تل أبيب المتحالفة مع أذربيجان والتي تصعّد من ممارساتها القمعية ضد أرمن القدس مؤخراً من جهة أخرى". ويخوض بضع مئات من الأرمن من سكان القدس مواجهات مستمرة مع السلطات الإسرائيلية التي تحاول بشكل متكرر إخلاء "حديقة البقر" التي تعتبر جزءًا من أملاك الكنيسة الأرمنية في البلدة القديمة، وذلك قبل انتظار قرار الفصل في الطعن المقدم من قبل السكان في قضية البيع التي يعتبرونها باطلة."حديقة البقر" وأدرجت "حديقة البقر" على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي عام 1982 بطلب من الأردن، الذي يصف إجراءات السلطات الإسرائيلية "بالباطلة والمرفوضة وفق القانون الدولي، وخرقًا للوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس، وتهديداً للوجود الأرمني في المدينة منذ القرن الـ16". وفي ظل متابعة يريفان للملف المذكور عن كثب، فإنها لم تنس أيضاً الدور الذي لعبه الدعم العسكري الإسرائيلي لأذربيجان في رجحان كفّة الأخيرة خلال حرب ناكورني كاراباخ، وهو ما دفع بباكو إلى الاحتفال بانتصارها برفع العلم الإسرائيلي إلى جانب علمها وأعلام كل من تركيا الحليفة وباكستان المساندة لها. وتستمر الشركة الوطنية للنفط الأذربيجاني "سوكار" في تزويد تل أبيب باحتياجاتها من الطاقة عبر خط أنابيب باكو – جورجيا – تركيا ليتم شحنها إلى الموانئ الإسرائيلية من ميناء جيهان التركي، وهو ما يواصل في جذب ردود الأفعال الغاضبة والرافضة من قبل النشطاء الأتراك.(المشهد)