بعد خبر وفاة أليكسي نافالني (الذي "قُتل ببطء" على يد سجّانيه في سيبيريا، وفقًا لكبير الدبلوماسيّين في الاتحاد الأوروبيّ جوزيب بوريل)، لم ينجح الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين بالتشويش على مؤتمر ميونيخ الأمنيّ فحسب بل حقق أيضًا نجاحًا في ساحة المعركة في الوقت المناسب، عندما استولت قوّاته أخيرًا خلال عطلة نهاية الأسبوع على بلدة أفدييفكا في شرق أوكرانيا، بعد انسحاب تكتيكيّ للقوات الأوكرانية المحتاجة للذخيرة، والتي دافعت عن المدينة منذ عام 2014.وفقًا لأحد المشاركين في ميونيخ، كان المزاج العام في تجمع النخب الأمنية والدبلوماسية الغربية قاتمًا.وقال مدير مجموعة أوراسيا البحثية في ألمانيا جان تيكاو لموقع "بوليتيكو"، "هناك شعور بالإلحاح، من دون الشعور بضرورة العمل، إنها حالة غريبة للغاية".الجمهوريون الأميركيون، بناءً على أوامر من الرئيس السابق دونالد ترامب، يمنعون تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، ما يعرّض القوات الأوكرانية إلى نقص في الذخيرة، مع آثار فورية وضارة على ساحة المعركة.بعد الاستيلاء على باخموت وأفدييفكا، تحاول القوات الروسية الآن الضغط في اتجاهات مارينكا وروبوتاين، وكريمينا وباخموت، والزعماء الأوروبيون، على الرغم من كونهم الداعمين الرئيسيّين لأوكرانيا، يفشلون في سدّ الفجوة في الإمدادات العسكرية التي خلّفتها الولايات المتحدة.وفي الوقت نفسه، يقوم بوتين، الذي لا يزال في السلطة إلى حدّ كبير، على الرغم من الجهود المبذولة لفرض عقوبات على نظامه لإجباره على الاستسلام، بتكثيف حملته الترهيبية ضد الغرب.في مقابلته مع مضيف قناة "فوكس نيوز" السابق تاكر كارلسون، ذكر الزعيم الروسيّ بولندا أكثر من 12 مرة، ما يضع عضو الناتو بشكل مباشر ضمن رؤيته لروسيا الكبرى، وبدأ نائب رئيس وزرائه في إصدار تهديدات باتجاه القيادة النرويجية.هل خسر الغرب الحرب في أوكرانيا؟طلب أحد كبار مسؤولي الدفاع السويديّين من مواطنيه في يناير "الاستعداد ذهنيًا" للحرب، كما حذّر وزيرا دفاع الدنمارك وإستونيا في وقت سابق من هذا الشهر، من أنّ روسيا من المرجح أن تبدأ اختبار التزام حلف شمال الأطلسي بموجب المادة 5 بالأمن الجماعيّ في غضون السنوات الخمس المقبلة. أي مهاجمة أقوى تحالف عسكريّ في العالم، فقط للحصول على فرصة "لمعرفة ذلك".وقال مسؤول في الناتو تحدّث إلى "بوليتيكو"، إنّ وجهة النظر السائدة داخل الحلف، هي أنّ أوكرانيا "ليست على وشك الانهيار"، وأنّ "الكآبة مبالغ فيها، وبعض مراقبي ساحة المعركة ليسوا متأكدين من ذلك". وقال مسؤول كبير في الحكومة الأوروبية في يناير: "ما نسمعه من الجبهة يثير قلقًا متزايدًا، وخطر حدوث اختراق من قبل الروس حقيقي، نحن لا نأخذ الأمر على محمل الجدّ بما فيه الكفاية". قد يكون من السابق لأوانه القول بأنّ الغرب سوف يخسر الحرب في أوكرانيا، ولكن أصبح من الواضح على نحو متزايد، أنّ هذا قد يحدث. وبينما تفكر كييف وحلفاؤها في قائمة مروّعة من الاحتمالات للعام المقبل، بما في ذلك الدفع على جميع الجبهات من قبل حلفاء روسيا، إيران والصين، لإشعال حرب عالمية ثالثة.المساعدة التدريجية لأوكرانيا لم تنفعوفقًا لدبلوماسيّين ومسؤولي الأمن والخبراء على جانبي المحيط الأطلسي الذين تحدثوا إلى "بوليتيكو"، فإنّ الإجابة على السؤال الأول، تكمن جزئيًا في حقيقة أنّ ردّ فعل الغرب على روسيا كان، على الأقل جزئيًا، يمليه الخوف.قال أحد كبار الدبلوماسيّين في الاتحاد الأوروبي، شريطة عدم الكشف عن هويته: "بدأ كل شيء في بداية الحرب، عندما اتفق المستشار الألمانيّ أولاف شولز، وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على هذا النهج التدريجيّ تجاه تسليح أوكرانيا، وفرض عقوبات على روسيا. وكانت بعض الحكومات تقول: "نحن بحاجة إلى استخدام القوة الكاملة لقدرتنا على الردع ضد روسيا. لكنّ الإجابة في المقابل كانت: "لا، لا نريد ذلك".وتابع الدبلوماسي: "كان هناك خوف في إدارة بايدن والوفد المرافق لشولز، من احتمال حدوث مواجهة نووية، وكان هذا الخوف قويًا جدًا في البداية. لقد شكلت استجابة العالم".ألمانيا خائفة من الانتقام الروسيوبعد مرور أكثر من عام، لا تزال برلين وواشنطن تتبعان قواعد اللعبة نفسها، باستثناء أنّ النقاش يتركز الآن على الصواريخ طويلة المدى، التي من شأنها أن تساعد أوكرانيا على تعطيل خطوط الإمداد الروسية، وتحديدًا صواريخ ATACMS الأميركية الصنع، وصواريخ كروز توروس الألمانية، وإمكانية استخدام صواريخ كروز، واستخدام أصول روسيا المجمّدة والبالغة نحو 300 مليار يورو والمحتجزة في الدول الغربية، لمساعدة أوكرانيا.وإلى أن توفي نافالني في سجنه السيبيري، كان شولتز يتراجع عن إرسال صواريخ توروس، التي وفقًا لمسؤولين ألمان، تصيب لمسافة بعيدة جدًا ودقيقة جدًا، وبالتالي تزيد من خطر الهجمات المباشرة على الأراضي الروسية، التي يمكن أن تؤدي بدورها إلى انتقام سريع من موسكو ضد ألمانيا.وأشار الدبلوماسيون والخبراء إلى الديناميكية بين شولتز وبايدن، باعتبارها القوة الدافعة وراء استراتيجية الغرب المهيمنة المتمثلة في التدرج وإدارة التصعيد، بدلًا من التركيز على النتائج الاستراتيجية في التعامل مع أوكرانيا.وعلى الرغم من أنّ فارق السن يبلغ 16 عامًا، فقد بلغ كلا الرجلين سنّ الرشد سياسيًا خلال الحرب الباردة، والمخاوف واسعة النطاق من وقوع كارثة نووية، وكلاهما متشبّث بشدة بالنظام الدوليّ الذي تقوده الولايات المتحدة وبحماية حلف شمال الأطلسي لأوروبا.ويقول الخبراء والدبلوماسيون إنّ كليهما رجلان من اليسار يشككان بشكل كبير في التدخل المسلح، ويتجنبان المخاطرة، ولا يشعران بالارتياح تجاه الألعاب الجيوسياسية.وكان شولز ناشطًا يساريًا سابقًا سافر إلى موسكو في شبابه، وترقى في صفوف الحزب الديمقراطيّ الاشتراكيّ الألمانيّ المعروف بتعاطفه التاريخيّ مع روسيا، ولم يكن من الطبيعيّ أن يكون شولز من الصقور تجاه روسيا. لقد قطع شوطًا طويلًا، لكن لا أحد يعرف إلى أيّ مدى لا يزال هذا الإرث (الاحترام تجاه روسيا) بداخله.ولا ينبغي الاستهانة بالدور الذي يلعبه الزعماء الآخرون في تشكيل السياسة الغربية. تميل المصادر الأوكرانية إلى تحديد المملكة المتحدة، في عهد رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون ورئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك، كحليف قويّ ساعد في كسر التحفظ الغربي بشأن تسليم أسلحة معينة. وينسبون الفضل إلى رئيس الوزراء الهولنديّ بالإنابة مارك روته، في كسر المحرمات بشأن تسليم الطائرات المقاتلة الغربية، حيث تستعد هولندا حاليًا لتسليم 24 طائرة من طراز F-16 إلى أوكرانيا في وقت لاحق من هذا العام، وفقًا لوزارة الدفاع الهولندية.وتحظى دول الشمال، ومنطقة البلطيق، ووسط وشرق أوروبا، وعلى وجه التحديد بولندا، بتقدير عالٍ من المسؤولين الأوكرانيّين بسبب عمق التزامهم بانتصار أوكرانيا، والذي تجسد في القرار الذي اتخذته الدنمرك مؤخرًا بإرسال كل مدفعيّتها إلى كييف.الغرب لم ييأس من أوكرانيا. لكنّ تركيزها المهيمن على إدارة المخاطر، يكشف عن الرغبة في إنهاء الصراع وعقد صفقة مع بوتين، إن أمكن عاجلًا وليس آجلًا. والسؤال الذي يلوح في الأفق حول الصراع، هو ما إذا كان هذا النهج سوف يمنع الكارثة، أو سيفتح الباب أمام حدوث شيء أسوأ.(ترجمات)