لم يفوّت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان فرصة ليُظهر اهتمامه بملف اللاجئين السوريين، وأنه يفي بوعوده الانتخابية، كان آخرها خلال اجتماعه مع ممثلي عدد من المؤسسات الفكرية الأميركية بمدينة نيويورك، في إطار مشاركته بأعمال الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، إذ قال إنّ نحو 600 ألف سوري عادوا إلى وطنهم حتى الآن، "ومع إتمام بناء المساكن الدائمة في شمال غربي سوريا، سيضاف إليهم مليون شخص". أدى استخدام ورقة اللاجئين بين الحكومة والمعارضة التركية، إلى شحن الشعب التركيّ ضدهم، الذي هو بالأساس بات متذمّرا من وجودهم، ولم يتوقف الأمر عند التضييق عليهم فقط، بل وصل إلى ارتكاب جرائم قتل بحقهم، كان آخرها مقتل لاجئ سوري في 19 من الشهر الجاري، وهو الثالث خلال أسبوع، وذلك من جرّاء إطلاق النار عليه من قبل مواطن تركي في مكان عمله في ولاية أضنة. على الرغم من إصراره على ترحيل اللاجئين، إلّا أنّ الرئيس التركيّ لا يزال حتى هذه اللحظة يستخدم الملف السوريّ لتحقيق مصالحه، ويناور بتفاصيله بما فيهم اللاجئون، كما تتطلب حاجته السياسية، وبما ينسجم وعلاقاته المتقلّبة بسرعة بين الشرق والغرب. ليبقى اللاجئون السوريون في تركيا هم الأضعف في هذه المناورة، فلا قدرة لهم على الهروب إلى أوروبا، ولا على العودة إلى بلادهم المنهكة اقتصاديًا.التضييق على اللاجئين السوريين ازداد التضييق على اللاجئين السوريين بعد قدوم الأفغانيّين الفارين من طالبان بعد الانسحاب الأميركيّ من البلاد 2021، أخذ التضييق أشكالًا مختلفة، مثل مهاجمة السوريين لفظيًا ومطالبتهم بالعودة إلى بلادهم، ورفض العديد من الأتراك تأجير السوريّين منازل ومحالًا تجارية، وإنتاج العديد من الأفلام التي تتحدث عن خطر بقاء السوريين في البلاد، كذلك تشكيل أحزاب سياسية قائمة أساسا على العنصرية ضد اللاجئين، مثل حزب النصر اليمينيّ المتطرف بقيادة أوميت أوزداغ.لكنّ المشهد بات مختلفا اليوم، ووصل إلى مراحل غير مسبوقة من العنصرية والرفض الشعبيّ والحكوميّ لوجود الأجانب واللاجئين، وأصبح مشهد التعدي عليهم علنًا في الشارع مألوفًا، ومن دون تدخّل السلطات التركية.منذ فوز إردوغان، تقوم الحكومة التركية بحملات أمنية تستهدف من تسمّيهم "المهاجرين غير النظاميّين"، وتتركز بشكل أساسيّ في المحافظات التركية الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، لكن حجة أنهم غير نظاميّين أثبتت عدم صحتها، في وقت رحّلت فيه السلطات عددًا من السائحين القادمين إلى تركيا، ظنًا منها أنهم سوريون من دون التدقيق بأوراقهم الثبوتيّة. يروى اللاجئ السوري المقيم في تركيا (أحمد) مفضّلا عدم الكشف عن هويته الكاملة في حديثه إلى "المشهد"، أنّ "الوضع اليوم بات لا يُحتمل، تضييق الخناق غير مسبوق، أغلب السوريين يتجنّبون النزول إلى الشوارع إلّا للضرورة، لأنه بات مؤكدا أنهم سيسمعون كلاما، أو سيرحلون فجأة، أو أيّ أمر آخر غير متوقّع قد يحدث". ويضيف اللاجئ الذي يتحدث اللغة التركية بطلاقة، "في كثير من الأحيان عند حدوث مشكلة ما، يظنّ الأتراك أنّني لا أفهم التركية ويتحدثون براحتهم، يتفقون على الطرف السوري، حتى لو أنه صاحب الحق. بات اللاجئ السوري في تركيا مذنبًا في كل الأحوال". ووفقا لأحمد فإنّ "بعض الأتراك يستغلون وضع اللاجئين اليوم، ليقوموا بعمليات نصب، لأنهم لا يستطيعون الشكوى أو الاعتراض. لكن بالنسبة للسوريين المجنّسين، فحالهم أفضل من غير المجنّسين، كون الجنسيّة التركية تحميهم اليوم من أيّ عملية ترحيل قد تحصل، لكن في حال استلام المعارضة التركية للسلطة في السنوات القادمة، قد يتمّ سحب أغلب هذه الجنسيات من حامليها". العنصرية في تركيافي السياق ذاته، يقول الناشط السوريّ البارز في الدفاع عن حقوق اللاجئين طه غازي في حديثه إلى منصة "المشهد"، إنّ "التعقيدات الأساسية بدأت العالم الماضي، وتحديدا في شهر فبراير، عندما أعلنت وزارة الداخلية التركية عن مشروع "التخفيف" الذي سعى إلى تخفيف وجود اللاجئين السوريين في بعض الأحياء بنسبة 20 إلى 25 %، هذا الأمر أعقبه إغلاق نحو 1169 حيًا أمام اللاجئين السوريين والأجانب، تزامن ذلك مع إعلان الرئيس التركي العام الماضي عن مشروع إعادة مليون لاجئ سوري، هذا الإعلان بحدّ ذاته إشارة إلى أنّ واقع اللاجئين السوريين في تركيا سيأخذ منحًى مختلفا عما كان عليه في السنوات السابقة". ويضيف غازي، "خطاب العنصرية والكراهية من قبل الحكومة والمعارضة، بات يؤثر على الشعب التركي، إذ نلاحظ أنّ طريقة تعاطي الأتراك مع اللاجئين السوريين اختلفت مع اختلاف رؤية الحكومة والمعارضة. السوريون اليوم باتوا أشبه ما يكون بالإقامة الجبرية، فهم غير قادرين على العودة إلى الشمال السوري، ولا حتى الهجرة لأوروبا عبر طرق الموت التي حصدت مئات الشبان السوريّين في غابات بلغاريا وصربيا أو في بحر اليونان". وبرأي الباحث في ملف اللاجئين، فإنّ "مناطق الشمال السوري غير مؤهلة لاستقبال اللاجئين، والكثير من التقارير أكدت ذلك. السوريون يبحثون عن الخلاص من هذا الواقع، إذ إنّ الكثير من العائلات باعت كل ما تملك ولجأت إلى أوروبا، ومنها من توجه إلى دول أخرى أبرزها مصر".عودة السوريين؟ في حوار سابق مع منصة "المشهد"، اعتبرت نائبة رئيس الحزب الديمقراطيّ لشؤون اللاجئين والسياسات الاجتماعية آلاي أكسوي، وهو أحد أطراف الطاولة السداسية التي تشكلت لتحالف الأمة المعارض، بقيادة كمال كيليجدار أوغلو، أنّ "السوريين في تركيا لا يملكون مستقبلًا، وليس من المعقول أن يكبر مليون طفل في بلد غير مُرحِب بهم، نحن نريد إعادة دمج السوريين في سوريا وليس في تركيا". وأوضحت أكسوي، "تم منح السوريّين بطاقة حماية موقتة لا دائمة، من قبل حزب العدالة والتنمية، هذه البطاقات ليس لها أيّ أساس دولي، في تركيا هناك اتفاقية جنيف عام 1951، التي تدعم اللجوء الدائم، وهي واضحة وتتحدث عن اللاجئين الوافدين من أوروبا وليس من الشرق الأوسط".تأثير الانتخابات البلدية تؤثر الانتخابات المحلية القادمة (انتخابات البلديات) على وضع اللاجئين في تركيا، حيث بات إردوغان يدرك تأثير هذا الملف على المزاج الشعبي التركي، والذي أدى إلى شرخ وانقسام في المجتمع، تبلور ذلك بشكل واضح في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو الماضي، والذي أدى إلى عقد جولة ثانية من الانتخابات لأول مرة في تاريخ تركيا الحديث. يضاف إلى ذلك أنّ الحكومة خسرت البلديات الكبرى عام 2019 لصالح المعارضة، بسبب ملف اللاجئين، وخصوصا إسطنبول، التي يعتبرها إردوغان الباب الرئيسيّ لرئاسة البلاد، كونه سلك الطريق ذاته. يؤيد غازي ذلك بقوله: "العنصرية بدأت بالتصاعد عندما فقدت الحكومة التركية بلدية إسطنبول لصالح المعارضة، حيث أرجع البعض سبب الخسارة إلى وجود اللاجئين في البلاد". عمليات ترحيل السوريّين باتت على مسمع الجميع بحسب غازي، "الحكومة التركية كانت ولا زالت تُنكر تعرّض اللاجئين للتعنيف في مراكز الترحيل، لكنّ العديد من التقارير الأمميّة والحكومية قالت إنّ اللاجئين السوريين يتعرضون لانتهاكات من أجل إجبارهم بالإكراه التوقيع على أوراق العودة الطوعيّة".(المشهد)