منذ عام 2018 تخوض الإدارة الذاتية الكردية جولات محادثات عدّة مع دمشق، من دون إحراز نتائج، فيما تكرر الحكومة السورية اتهامها بالعمالة لواشنطن، التي تقود تحالفا دوليا ضد تنظيم "داعش". ووسط الانفتاح العربي على دمشق وإعادة العلاقات إلى طبيعتها مع الرئيس السوري بشار الأسد، سادت أجواء إيجابية من إمكانية حلّ الأزمة العالقة بين الأكراد والحكومة، وأشارت تسريبات إلى إمكانية دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالجيش. انفتاح نحو الحل وبالفعل، أبدت الإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال وشمال شرق سوريا، استعدادها للقاء الحكومة السورية، بهدف التوصل الى حلّ للأزمة في البلاد، في بيان مطوّل نشرته في 18 أبريل الماضي.وعن مصير هذا اللقاء، يقول الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بدران جياكرد، في حديث لمنصة "المشهد"، أن "لا جديد في ملف المفاوضات مع دمشق".وأضاف جياكرد: "حدثت بعض اللقاءات قبل مدة طويلة، وتمت مناقشة بعض التفاصيل والملفات، لكن لم يحدث أيّ تطور جديد وشيء عملي ملموس"، مشددا على أنّ "خيار الحوار هو الأساس لحل جميع الأمور، لكن في الحقيقة الاستجابة ما زالت دون المطلوب بكثير".وقالت الإدارة الذاتية في بيان وُصف بأنه خطة للتسوية: "نؤكد استعدادنا للقاء الحكومة السورية والحوار معها ومع جميع الأطراف السورية، من أجل التشاور والتباحث لتقديم مبادرات وإيجاد حل للأزمة السورية".وناشدت "الدول العربية والأمم المتحدة وجميع القوى الدولية الفاعلة في الشأن السوري، بأن يؤدوا دورا إيجابيا وفاعلا يُسهم في البحث عن حلّ مشترك مع الحكومة السورية".وصدر موقف الإدارة الذاتية بعد ساعات من زيارة وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان دمشق، حيث التقى الرئيس بشار الأسد، في أول زيارة منذ القطيعة الدبلوماسية إثر اندلاع النزاع عام 2011.وبحث الطرفان وفق الخارجية السعودية، "الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي تداعياتها كافة".وتضاعف خلال الأشهر الماضية الانفتاح العربي تجاه دمشق، في وقت تشهد المنطقة تحركات دبلوماسية إقليمية يتغيّر معها المشهد السياسي منذ اتفاق الرياض وطهران، حليفة دمشق، على استئناف علاقاتهما.بدوره يؤكد المحلل السياسي غسان يوسف في تصريحات لمنصة "المشهد"، أنّ "المفاوضات تراوح مكانها وحتى الآن لم يتم التوصل إلى أيّ بنود أو اتفاقيات".أسباب تعيق الحواروعن السبب الذي يعيق التوصل إلى اتفاق، يعتبر يوسف أنّ "الإدارة الذاتية تريد الحفاظ على هيكليتها الحالية من دون التنازل مثلا عن مليشيا قسد أو حتى دمج مناطقها في المحافظات السورية".وأضاف: "الإدارة الذاتية تريد أن تبقى على وضعها الحالي، والدولة لن تقبل إلا بجيش عربي سوري واحد، مع فتح الباب لعناصر قسد بالانضمام إلى القوات الرسمية أو طلب التسريح"، مشيرا إلى أنه "من غير المنطقي الموافقة على تقسيم سوريا". لكنّ جياكرد يشدد على أنّ "التوازنات الدولية والإقليمية لها دور، وكذلك الوضع الداخلي وحالات اللاتوازن من جهة، ومن جهة أخرى دمشق لا ترى نفسها مستعدة حتى الآن نحو تحقيق نتائج عملية في ملف شمال وشرق سوريا، والقضية الكردية على وجه الخصوص".وتابع: "الحل والحوار مهم، ونعتقد بأنّ من مصلحة دمشق ومصلحة الجميع أن يتم تحقيق نتائج عملية في الوقت القريب، لما سيكون لذلك من نتائج إيجابية على عموم الحال في سوريا".وأشار إلى أنّ "مبادرة الإدارة الذاتية التي أُطلقت في 18 إبريل، تمثلت في رسم ملامح لحل وطني سوري واضح، وركزت على الحوار ووحدة سوريا"، وهو الأمر الذي يعتقد يوسف أنّ دمشق تريده في وقت تستغل الإدارة ثروات المناطق بمفردها.وكان الإدارة قد طالبت في بيانها نفسه، بتوزيع الثروات والموارد الاقتصادية "بشكل عادل" بين المناطق السورية، بما فيها حقول النفط والغاز، التي يقع أبرزها في مناطق سيطرتها.وقالت: "نؤكد مرة أخرى على ضرورة مشاركة هذه الموارد من خلال الاتفاق مع الحكومة السورية عبر الحوار والتفاوض"، شأنها شأن الموارد "الموجودة في مناطق أخرى".شروط متبادلةورأى يوسف أنّ "الدولة السورية لديها قانون الإدارة الذاتية الذي يمنح البلديات والمحافظات صلاحيات واسعة، الأمر الذي يحفظ حقوق الأكراد المتساوية مع باقي المواطنين السوريين"، لافتا إلى أنه "لا يمكن السير بأيّ ما مشروع يجعل سوريا فيدرالية أو كونفدرالية". في المقابل، يتمسك جياكرد بأنّ "المبادرة الكردية مثّلت أرضية حل مهمة للاستقرار في سوريا وللتغيّر السوري، والتوافق الوطني المهم في هذه المرحلة، لكن هناك تشنّج واضح من الدولة السورية التي تتمسك بمواقفها الكلاسيكية".وأضاف: "دمشق تريد العودة للأمور كما كانت في سابق العهد والعودة للمنطقة بمؤسساتها كافة، وهذا هو شكل الحل بالنسبة لها من دون أيّ تغيير سياسي، وهو ما لا ينسجم مع واقع الحال في سوريا". واعتبر جياكرد أنه "لا يوجد مناخ خاص بالحوار وعنصر الواقعية منعدما، مع التأكيد على أنه لدينا مشروع حل مطروح هو الإدارة الذاتية".ويخشى الأكراد من خسارة مكتسبات حققوها خلال سنوات النزاع الأولى، في حال التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع تستثنيهم، خصوصا بعد استبعادهم من جولات تفاوض عدة، أبرزها تلك التي تقودها الأمم المتحدة بين ممثلين عن الحكومة والمعارضة في جنيف.ويخشون كذلك من أيّ تقارب بين دمشق وأنقرة، التي تعتبر الوحدات الكردية منظمة "إرهابية" وتعمل على إبعادها عن حدودها. (المشهد)