مع مطلع العام الحالي، ساد التفاؤل بإمكانية أن تشهد الأزمة الليبية انفراجة في العملية السياسية تنتهي بإجراء انتخابات بعد إعلان مجلسي النواب والأعلى للدولة توصلهما لخارطة طريق سيتم الإعلان عنها قريبا، لكن سرعان ما تبدد هذا الأمل بعد الحرب الكلامية التي نشبت خلال الساعات الماضية بين رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وتبادل الطرفين الاتهامات حول تعطيل المسار الدستوري.وأكد عقيلة صالح أن التقارب بين مجلس النواب والأعلى للدولة "لفظي وأقوال فحسب"، مشيرا إلى أنه لم يتفق مع خالد المشري سوى على نقطة واحدة وهي إرسال الوثيقة الدستورية إلى المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب لمناقشتها.بينما رد المشري عبر حسابه في "تويتر":من أراد التوافق والاستقرار فأيدينا ممدودة للتوافق والاستقرار بقدره وأكثر. ومن أراد غير ذلك فلن يحصد إلا سوء نواياه.وكان رئيسا مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة أعلنا في 6 يناير الاتفاق على وضع خارطة طريق لإتمام العملية الانتخابية، بعد المفاوضات التي تمت بينهما في العاصمة المصرية القاهرة.وبحسب البيان المشترك الذي أصدره الطرفان بعد الاجتماع، فقد اتفاقا على: إحالة اللجنة المشتركة بين المجلسين الوثيقة الدستورية للمجلسين لإقرارها طبقا لنظام كل مجلس. وضع خارطة طريق واضحة ومحدّدة يُعلن عنها لاحقا لاستكمال كل الإجراءات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية سواء التي تتعلق بالأسس والقوانين أو المتعلقة بالإجراءات التنفيذية وتوحيد المؤسسات.ويرى محللون أن عودة الخلاف يرجع بسبب تأثير قوى خارجية، بينما يرى البعض أن التفاهم بين الطرفين لا يزال موجودا.ويؤكد فتحي المريمي المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب أن التفاهم بين مجلسي النواب والدولة لا يزال موجودا، مشيرا إلى أن الخلاف يتركز حول مادتي ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية.وذكر المريمي، في تصريحات لمنصة "المشهد"، أن المجلس الأعلى للدولة يرفض ترشح مزدوجي الجنسية أو العسكريين، بينما يرى النواب أن البلاد في ظرف استثنائي ويجب السماح للجميع بالترشح من أجل لم الشمل وعدم عرقلة الانتخابات.وأوضح أن النواب شددوا على أن أي عسكري أو مزدوج الجنسية ينجح في الانتخابات لا يتسلم مهامه إلا بعد الاستقالة أو التنازل عن الجنسية الأخرى.وأشار المريمي إلى أن تصريحات صالح بأن الاتفاق حتى الآن لفظي يُقصد بها المناصب السيادية وغيرها.حالة جمودمن جانبه، يعتبر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة البريطانية ببنغازي أحمد المهداوي أن "التدخل الخارجي لعب دورا في تغيير المواقف بين الطرفين بعد التوافق النسبي الذي حدث بينهما في القاهرة".وأشار المهداوي، في حديثه مع منصة "المشهد"، إلى "زيارة رئيس المخابرات التركي لطرابلس والدور الذي لعبه في إعادة العلاقة بين المشري ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة". وأضاف: "يصبح لنا واضحا أن الأتراك غير راضيين عن الدور المصري لحل الأزمة، ويحاولون إقحام الخلاف المصري التركي في الملف الليبي". ولا يتوقع المهداوي إحراز أي تقدم في المسار الدستوري، مرجعا ذلك إلى "إعطاء مجلس الدولة صلاحيات تشريعية موازنة لمجلس النواب، مما يعيق التوصل لاتفاق".بدوره، يرى رئيس مجموعة العمل الوطني للدراسات الاستراتيجية خالد الترجمان أن الخلاف حول معايير الترشح الغرض منه "إبقاء المشهد في حالة جمود"، مضيفا: "لدينا القاعدة الدستورية التي تم من خلالها إجراء انتخابات المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب، ويمكن الاعتماد عليه لإجراء الانتخابات الرئاسية".وتابع أن رفض مجلس الأعلى للدولة ترشح العسكريين بهدف "إقصاء المشير خليفة حفتر من الترشح الانتخابات، لأنهم يعلمون أنه سيكتسحهم جميعا".ويتفق المهداوي مع هذا الرأي، قائلا: "الإسلام السياسي لا يرغب في ترشح شخصيات معينة، بل يرغب في إقصائها من المشهد، وهذا الأمر قد يعيق التوافق لأن مجلس النواب متمسك بالسماح للجميع بالترشح وترك الموضوع للشعب الليبي لاختيار من يمثله".وخلال الساعات الماضية، دعا رئيس لجنة المصالحة الوطنية بمجلس النواب الليبي وعضو لجنة المسار الدستوري الهادي الصغير، أعضاء لجنة المسار الدستوري من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لاستئناف المشاورات المتعلقة بالمسار الدستوري.وجاء ذلك بناء على تكليف من قبل رئيس مجلس النواب وهيئة الرئاسة بالمجلس. وبناء على الرسالة، فإن الاجتماع المدعو له يأتي "تأسيسا على توافقات لجنة المسار الدستوري المشتركة"، التي عقدت اجتماعاتها بالعاصمة المصرية، وبناء على "الاتفاق المبدئي بين رئيسي مجلس النواب والدولة" الصادر بتاريخ 5 يناير الحالي.ولم تنعم ليبيا بقدر يُذكر من السلام منذ الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي عام 2011، وانقسمت البلاد عام 2014 بين فصائل متناحرة في الشرق والغرب. وبعد وقف إطلاق النار في 2020، وافقت الأطراف المتحاربة على إجراء انتخابات في 24 ديسمبر 2021 وشُكّلت حكومة وحدة وطنية جديدة كان من المفترض أن تعيد توحيد المؤسسات الوطنية المنقسمة.وكان من المقرر أن تشهد ليبيا انتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر 2021، لكن تأجلت حتى إشعار آخر بسبب الخلافات السياسية حول قوانين الانتخابات، واندلاع توترات بين الميليشيات المسلحة على الأرض. منذ مارس الماضي، تتصارع على السلطة في البلاد حكومتان: واحدة في طرابلس ويقودها عبد الحميد الدبيبة، والثانية في مصراته ويقودها وزير الخارجية السابق فتحي باشاغا، ومدعومة من البرلمان والجيش الليبيين. وفي نهاية أغسطس الماضي، اندلعت اشتباكات بين الميليشيات الموالية للحكومتين المتصارعتين في طرابلس، مما أسفر عن مقتل 32 شخصا وإصابة 159 آخرين بجروح، وفقا لإحصاء وزارة الصحة. انتخابات في نوفمبروكان رئيس مجلس النواب الليبي قد ذكر في تصريحات صحفية أن الانتخابات المتعثرة في بلاده "ستُجرى قبل نوفمبر المقبل بعد توافق البرلمان والمجلس الأعلى للدولة".وشكك محللون في إمكانية إجراء الانتخابات في الموعد، والبعض أكد إمكانية ذلك.وذكر المريمي أنه "من الممكن إجراء الانتخابات قبل نوفمبر المقبل إذا التزم كل طرف بدوره".أما بالنسبة لإجراء الانتخابات في ظل حكومتين، قال إنه "قد يتم تشكيل حكومة واحدة تشرف على الانتخابات أو أن تشرف كل حكومة على الانتخابات في منطقتها".ويتفق المهداوي مع ذلك الرأي، قائلا إن إجراء الانتخابات في شهر نوفمبر المقبل قد يكون مقبولا لو تم الإسراع في إصدار الوثيقة الدستورية وحل مشكلة السلاح المنتشر وحل الميليشيات وإخراج المرتزقة من البلاد.في المقابل، يقول الترجمان: "طالما هناك سلاح وميليشيات تسيطر على غرب البلاد، وتواجد للاستعمار التركي والمرتزقة السوريين، لن يكون هناك أي أمل في إجراء انتخابات شفافة". حراك دوليوتزايد الحراك الدولي خلال الأسابيع الأخيرة في محاولة لحل الأزمة، فقد زار مدير وكالة الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز ليبيا، كما التقى القائم بأعمال السفارة الأميركية ليزلي أوردمان مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في بنغازي.وكان تقرير لصحيفة الغارديان ذكر في 12 يناير أن القادة الغربيين بدأوا يفقدون صبرهم مع النخبة السياسية الليبية الراسخة التي فشلت في التوصل لاتفاق لإجراء الانتخابات على مدار السنوات الماضية، لكنها رفعت رواتب السياسيين بأكثر من 40%.وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين الغاضبين إنهم "يبذلون جهودا مخلصة في الوساطة، لكن الطابع الثابت للعديد من السياسيين الليبيين على جانبي الانقسام هو التشدق بضرورة الانتخابات ثم القيام بكل ما هو ممكن لخنق العملية الانتخابية حتى يتمكنوا من الاستمرار في تبطين جيوبهم. قد نضطر إلى التوقف عن الأمل في أن نتمكن من إقناع هؤلاء الأشخاص بالموافقة على الانتخابات، وإيجاد طريقة للتغلب عليهم بدلاً من ذلك".وفي هذا السياق، يتهم المهداوي الطبقة السياسية في ليبيا بأنها أصبحت "مشكلة وعائق أمام إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، ولها دور في إفساد المشهد لأنها المستفيد الأول من بقاء ليبيا في حالة ركود، والمجتمع الدولي يعلم ذلك لكن دون أن يتخذ أي خطوات جادة". (المشهد)