شهد العراق منذ بداية شهر مايو، موجة أمطار غزيرة، ضربت محافظات مختلفة، إضافة إلى إقليم كردستان، ما دفع بعض الناشطين البيئيّين إلى التساؤل، لماذا لا يستفيد العراق من مياه هذه الأمطار والسيول لمحاربة الجفاف؟وانتشرت صور السيول التي أغلقت الشوارع الرئيسية وغمرت السيارات، في مختلف المحافظات، على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصدرت محافظتَي ميسان وديالى في وسط وجنوب العراق، المناطق المتضررة.وأفادت جمعية الهلال الأحمر العراقي، أنه تم إغاثة 22 عائلة متضررة من جرّاء الأمطار في محافظة ميسان، و86 عائلة في محافظة ديالى، إضافة إلى تضرر المواشي والأراضي الزراعية شرقي البلاد. وفي إقليم كردستان، لقيت امرأة مصرعها وأصيب 3 آخريات في انهيار سياج مقبرة ناحية كوري بقضاء بيرمان في محافظة أربيل، إثر السيول التي ضربت المنطقة، كما أعلن قائم مقام قضاء قرداغ التابع لمحافظة السليمانية غرق 4 متسلقين للجبال جراء السيول التي شهدتها قرى المحافظة.ووجه رئيس مجلس الوزراء العراقيّ محمد شياع السوداني، باستنفار الجهود الخدمية والإغاثية للمتضررين من الموجات الفيضانية، مشددًا على ضرورة مضاعفة الجهود الخاصة بتسويق الحبوب، في ظل الظروف الجوية الحالية.الجفاف في العراقوتساءل بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، عن الطرق التي تعاملت بها الجهات المعنية للاستفادة من مياه هذه الأمطار في مواجهة الجفاف الذي يهدد العراق، خصوصًا أنّ البلاد مُقبلة على صيف وصفه مختصين بأنه سيكون الأشد حرارة في تاريخ العراق.وبعد غرق المنازل في ميسان وديالى، وإغلاق السيول للشوارع الرئيسية في المحافظات، تساءل بعض العراقيّين، لماذا لم تتعامل الجهات المعنية مع هذه الأمطار كفرصة لحفظها وتخزينها في السدود، لمواجهة الجفاف، بدلًا من تركها تجرف المنازل والمواشي والمحاصيل الزراعية؟وصرّح عضو لجنة المياه والزراعة ثائر الجبوري لمواقع إعلامية محلية، أنّ مياه الأمطار أسعفت 3 سدود في البلاد، أبرزها ديالى والسليمانية، مؤكدًا وجود زيادة ملحوظة في مناسيب نهر دجلة.وفي السياق ذاته، كشف مدير سد دربندخان في محافظة السليمانية سامان إسماعيل، عن امتلاء الخزين المائيّ للسد، مؤكدًا أنّ الأمطار التي سقطت بحدود 65 ملم، والطاقة الخزنية للسد، 3 مليار متر مكعب.رؤية قديمة وأدوات بسيطة وقال مدير جمعية حُماة دجلة سليمان خير الله لمنصة "المشهد"، إنه من الصعب تحديد كمية الاستفادة من مياه الأمطار التي هطلت، كون أغلب المناطق الخزنية هي في الشمال فقط، ولا توجد مناطق خزنية في الجنوب، عدا بعض البحيرات في المناطق الوسطى مثل بحيرة الثرثار وغيرها.وأكد خير الله أنّ الإستفادة من مياه الأمطار في مناطق الوسط والجنوب لم تكن عالية، لأنّ مناطق وسط وجنوب العراق، هي مناطق منبسطة ذات سهول رسوبية، تحتاج إلى تقنيات حديثة لا تمتلكها وزارة الموارد المائية العراقية، كما أنّ الوزارة لا تعمل على تطوير أدواتها للاستفادة من مياه الأمطار الموسمية وخزنها لمحاربة الجفاف.وأوضح خير الله أنه يمكن القول إنّ رؤية الموارد المائية أو الجهات المعنية بقضية الجفاف في العراق، هي رؤية غير واضحة، وإذا كانت واضحة فهي قديمة لا تمت لواقع الجفاف الذي يعانيه العراق بصلة، إلى الدرجة التي يمكن فيها القول إنّ الوزارة وكوادرها ما زالت إلى الآن تفكر بطرق بدائية حول حفظ المياه أو حماية المواطنين من الفيضانات.التغير المناخيوأضاف خير الله أنه يوجد طرق عديدة لجعل مياه هذه الأمطار مُستدامة، وذلك عن طريق دعم المزارع العراقيّ للاستفادة من مياه هذه الأمطار، وجمعها في مشاريع صغيرة تسمى حصاد مياه الأمطار.وشرح مدير حُماة دجلة: مشاريع حصاد مياه الأمطار، قد تكون صغيرة على مستوى العوائل، وقد تكون كبيرة على المستوى الحكومي، يمكن تنفيذها في المناطق المنسبطة في وسط وجنوب العراق، ما سيخفف من شدة الجفاف في هذه المناطق، لكن لم نشهد أيّ مبادارات حكومية بهذا الاتجاه.وفي ظل التغيرات المناخية التي يشهدها العراق، حيث إنّ الأمطار تهطل مرة واحدة بمعدلات عالية، يتوقع خير الله أن تكون الأيام القادمة أصعب، ما يتوجب التصدي لهذه التغيرات المناخية عبر وضع خطط جديدة لحصاد مياه الأمطار وحماية الأراضي الأراضي الزراعية من السيول الجارفة، وحفظ هذه المياه والاستفادة منها بدلًا من هدرها.ويعتقد سلمان أنه على الحكومة العراقية العمل بجدية أكبر لتطوير مشاريعها لحصاد مياه الأمطار، التكيّف والاستدامة هي الأهداف العيا التي يجب أن تتحرك باتجاهها وزارة الموارد المائية، أي أنه على الوزارة أن تكون مرنة بخططها لمواجهة التغير المناخي، واذا لم يتم تحويل هذه المياه من موسمية إلى مستدامة، فسنشاهد المزيد من الفيضانات والسيول التي تجرف كل مافي طريقها بلا أي فائدة.وبحسب أخر تصريح لوزير الموارد المائية عون ذياب عبد الله، فإنه رغم الأمطار الغزيرة التي شهدها البلاد، إلا أنّ امتلاء السدود لم يصل إلى الثلث أي 30% من كمية الخزن، لذلك يتوقع خير الله صيفًا جافًا وحارًا، خصوصًا في مناطق الأهوار وجنوب العراق، التي ما زالت طرق نقل المياه فيها بدائية.إدارة المياه في العراقوقال الناشط البيئيّ أمير الناصري لمنصة "المشهد"، إنّ المشكلة التي أدت لانتشار هذه الصور ومقاطع الفيديو التي تُظهر غرق الشوارع والمنازل، تعود لسوء إدارة المياه من قبل الجهات المعنية، وعجزها عن الاستفادة من هذه المياه في مواجهة الجفاف، ما حوّل هذه الفيضانات إلى نقمة على العائلات التي غرقت منازلها ومحاصيلها.ويرى الناصري أنّ محافظات وسط وجنوب العراق، بأشد الحاجة للاستفادة من مياه هذه الأمطار، وحفظها، خصوصًا أنّ هذه المناطق تشهد منذ أعوام عدة موجة جفاف شديدة، أجبرت المزارعين على ترك أراضيهم، وغيّرت في البيئة المحيطة، نتيجة شحّ المياه وجفاف المحاصيل وارتفاع درجات الحرارة.وقدم الناصري خطة للاستفادة من مياه الأمطار الموسمية، قائلًا إنّ الاعتماد على مياه الأمطار في مواجهة الجفاف ليس حلًّا للعراق، لكن يمكن الاستفادة منها، عبر منعها من الذهاب مباشرة إلى البحر، عن طريق إنشاء هويس ملاحيّ في نهاية شط العرب، يمكنه حجز المياه وإعادتها إلى الخزانات والسدود والأنهر الفرعية، بالتالي يمكن تخصيص هذه الكميات من المياه لمحاربة الجفاف في مناطق الأهوار الشمالية وأهوار السنّاف والحويزة.ويرى الناصري أنه بعد 3 أيام من موجة الأمطار الغزيرة والمستمرة، وغم التصريحات التي نشرتها المواقع الإعلامية العراقية، عن امتلاء السدود والاستفادة من مياه الأمطار، إلا أنّ الحقيقة هي أنّ العراق لم يستفد إلا بجزء بسيط جدًا من مياه هذه الأمطار، نتيجة غياب الخطة الحكومية الواضحة لمواجهة هذه الموجات المطرية الموسمية وضبطها والاستفادة منها.بنى تحتية متهالكة ويرى الخبير الاستراتيجيّ في السياسات المائية رمضان حمزة، أنّ هذا العام كان عامًا ماطرًا بعد 4 مواسم جفاف، إلا أنّ عدم وجود بنى تحتية قوية لتمرير هذه الكميات الغزيرة من المياه، حوّلت الأمطار الغزيرة إلى سيول، هذه السيول جاءت في مواسم الحصاد، وأثّرت على محصول القمح والشعير في مناطق وسط وجنوب العراق.ويقول حمزة لمنصة "المشهد"، إنه من الخطأ اعتبار أنّ هذه السيول يمكنها أن تعزز الخزين الاستراتيجيّ للمياه، لكن يمكنها في حال الاستفادة منها، تعزيز جزء منه، لسبب بسيط هو أنّ تركيا وإيران متحكمة بمياه نهرَي دجلة والفرات.ويؤكد حمزة أنّ المياه في السدود ربما تكون كافية، إضافة إلى المنخفضات كمنخفض الثرثار والحبّانية الذي يستوعب مليارات الأمتار المكعبة من المياه، لكن يجب ألا يعتمد العراق على مياه السيول لحل مشكلة الجفاف، كما يدعي القائمون على قضية المياه في العراق، أنّ السيول خلّصت العراق من الجفاف، هذا غير صحيح العراق ما زال يعاني الجفاف.وختم حمزة حديثه لمنصة "المشهد" بالقول: "إنّ حل مشكلة الجفاف في العراق، لا بد أن يكون عن طريق التفاوض مع دول المنبع تركيا وإيران، لإطلاق المياه من نهرَي دجلة والفرات وروافدهما، وليس فقط عبر الاعتماد على مياه السيول، لأنه من الصعب حفظها كلها، لعدم توافر الإمكانيات الحديثة ولطبيعة التربة، وحتى سد دربندخان في السليمانية الذي امتلأ بالكامل، لن يكون كافيًا لمواجهة صيف مُقبل حار وجاف".ووفقًا لاستطلاع أجرته منظمة المجلس النرويجيّ للاجئين غير الحكومية عام 2023، إنّ 60% من الفلاحين العراقيّين يعانون من تناقص المساحات المزروعة وشحّ المياه المستخدمة للزراعة، حيث أضطروا إلى زراعة مساحات أقل واستخدام كميات أقل من المياه، خصوصًا في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين، وفي منطقة الأنبار غربيّ البلاد.ويعاني العراق جفافًا للسنة الرابعة على التوالي، في ظل انخفاض منسوب مياه نهرَي دجلة والفرات وروافدهما، بعد أن أنشات تركيا المزيد من السدود الارتدادية، ما حوّل مشكلة المياه إلى قضية دولية يحاول العراق أن يكسبها، ويدفع تركيا إلى إطلاق المزيد من المياه إلى الأراضي العراقية عبر النهرين. (المشهد)