أثار إعلان الرئيس الأميركيّ جو بايدن، عن خطة لإقامة ميناء بحريّ في غزة، لإدخال المساعدات الإنسانية الشكوك حول النية الأميركية الحقيقية من الخطة المذكورة، في الوقت الذي تُعتبر فيه واشنطن الداعم الأساسيّ لإسرائيل بالذخائر والأسلحة التي تستخدمها في القطاع المحاصر.وبعد الاقتراح الأميركي، عاد مشروع "قناة بن غوريون" الإسرائيليّ إلى الواجهة من جديد، حيث اعتبر البعض "الرصيف البحريّ الأميركيّ" خطوة ضمن المشروع الأكبر (قناة بن غوريون)، والذي يعود بالنفع على الجانب الإسرائيليّ بشكل أساسي، سواء من الناحية الاقتصادية أو الأمنية، من خلال إحكام السيطرة الإسرائيلية على حدود غزة. "الميناء البحري" يثير الشكوك التشكيك في النية الأميركية مردّه وجود معابر برّية تصل إلى قطاع غزة بسهولة، حيث بإمكان واشنطن الراغبة في إيصال المساعدات، الضغط على تل أبيب لاستغلال المعابر البرّية في عملية إدخال المساعدات، خصوصًا أنّ الميناء الذي تتحدث عنه أميركا، سيتم إنشاؤه بالتنسيق مع الجانب الإسرائيليّ أيضًا. وفي هذه الأثناء، أبلغ بايدن الكونغرس بإعطائه توجيهات للجيش الأميركي، للقيام بمهمة طارئة لإقامة "رصيف مؤقت" على ساحل غزة، لاستقبال السفن التي تحمل الغذاء والماء والدواء، ووحدات الإيواء المؤقتة، مشيرًا إلى أنه لن تكون هناك قوات أميركية على الأرض. تقول إسرائيل إنها تدعم بالكامل "إنشاء ميناء مؤقت على ساحل غزة لتوصيل مساعدات إنسانية عن طريق البحر"، وإنها ستنسّق بشأن تطوير المشروع مع الولايات المتحدة. ولم يتم التطرق إلى غاية أو هدف آخر، سوى مساعدة الغزّيين الذين يعانون ظروفًا إنسانية قاسية جدًا. وتعليقًا على المقترح الأميركي، ندد المقرر الأمميّ الخاص المعنيّ بالحق في الغذاء مايكل فخري، باقتراح الولايات المتحدة، واصفًا إياه بـ"الخبيث"، قائلًا: "للمرة الأولى أسمع أحدًا يقول إننا بحاجة إلى استخدام رصيف بحري. لم يطلب أحد رصيفًا بحريًا، لا الشعب الفلسطينيّ ولا المجتمع الإنساني". الهدف الأساسي من ميناء غزةيقول المحلل السياسيّ الفلسطينيّ د. أحمد رفيق عوض، في حديث إلى منصة "المشهد"، إنّ "الهدف الحقيقيّ من إقامة الرصيف البحريّ في غزة، هو تخفيف الضغط عن إدارة بايدن، التي على أبواب الانتخابات، والنجاة من مساءلات قضائية دولية، حتى لا يكون بايدن مشاركًا في الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وإعطاء صورة مختلفة للإقليم عن أميركا". ويضيف رفيق عوض، أنّ "الرصيف البحريّ فكرة إسرائيلية تمتد إلى 10 أعوام، حيث اقترحها وزير الخارجية الأسبق يسرائيل كاتس، وتستطيع تل أبيب من خلالها إحكام السيطرة المطلقة على القطاع، والتقليل من مخاطره الأمنية". ويلفت رفيق عوض، أنّ "هذا المقترح بالاتفاق مع إسرائيل من أجل تخفيف الضغط عنها، وإراحتها من مسألة فتح المعابر البرية، وهناك من يعتقد أنّ هذا الميناء سيساهم في تهجير الفلسطينيّين أيضًا، وبالتالي هذا الإجراء ليس بريئًا كما تروّج له واشنطن". وبرأي رفيق عوض، فإنّ "بايدن ليس عاجزًا عن الضغط على إسرائيل لفتح المعابر، وهذا ما يجعلنا ننظر بحذر إلى المساعدات الإنسانية الأميركية التي تُنزلها واشنطن على غزة، وإلى الرصيف البحريّ المزمع إقامته". على النقيض من ذلك، لا يعتقد المحلل السياسيّ وعضو المجلس المصريّ للشؤون الخارجية أحمد العناني، أنّ "المقترح الأميركيّ سيكون دعمًا لإسرائيل، وذلك لأنّ واشنطن تضغط على إسرائيل لإيقاف الحرب". ويقول العناني لـ"المشهد"، إنّ هذا الميناء "لن يكون هدفه زيادة الحصار المطبق على غزة أو الدعم لإسرائيل، بل إنّ هدفه الجانب الإنسانيّ والمساعدات، خصوصًا في ظل إغلاق إسرائيل للمعابر البرية. أميركا تقدم نفسها على أنها منقذة للشعب الفلسطيني". ويرى العناني أنّ "الهدف الأميركيّ والإسرائيليّ في هذا التوقيت، هو إخراج الأسرى فقط، والانتباه إلى تأمين الحدود الإسرائيلية من خلال إيقاف هذه الحرب". مشروع قناة بن غوريون يعود اسم المشروع إلى دافيد بن غورين، مؤسس إسرائيل، والأب الروحيّ للإسرائيليّين، وأول رئيس وزراء إسرائيلي، ويهدف إلى ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط عبر الطرف الجنوبيّ لخليج العقبة. وبحسب المعلومات المتوافرة عن المشروع، فإنه يمتد من خليج العقبة بالقرب من الحدود الإسرائيلية - الأردنية، وعبر وادي عربة الواقع بين جبال النقب والمرتفعات الأردنية، ويستمر غربًا وشمالًا، مروراً بقطاع غزة ووصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط.وقد أرجع البعض عِلم إسرائيل بهجمات 7 أكتوبر، وغضّ النظر عنها، إلى خلق مبرر لإخراج الفلسطينيّين من غزة، وخصوصًا الطرف الشمالي، بما يحقق أهدافها، خصوصًا أنّ المشروع ليس وليد اليوم، وإنما يمتد إلى عام 1963، عندما طور مختبر لورانس ليفرمور الأميركيّ سيناريو يستخدم التفجيرات النووية لحفر القناة، بموجب عقد مع وزارة الطاقة الأميركية، ولم يتم الكشف عن الوثيقة السرية حتى عام 1993. وجاء في الوثيقة التي رُفعت عنها السرية، أنّ "مثل هذه القناة ستكون بديلًا ذا قيمة استراتيجية لقناة السويس الحالية، ومن المحتمل أن تساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية للمنطقة المحيطة". وحول ذلك، يبيّن المحلل السياسيّ الفلسطينيّ رفيق عوض، أنّ "المقترح الأميركيّ قد يكون خطوة في طريق إقامة قناة بن غوريون، حيث يوجد حقول غاز بالقرب من الشاطئ في غزة، ومن الممكن أن تكون إسرائيل وأميركا وحلفاؤها، يحاولون الاستفادة من الحرب الحاصلة، وتثبيت وضع تستطيع من خلاله الاستفادة من ثروات المنطقة، وأيضًا إحداث تغيّر جيوبوليتيكي". الجدير بالذكر أنه تم اكتشاف حقل غزة البحريّ لأول مرة في عام 1999، لكنّ إسرائيل منعت الفلسطينيّين من استخدامه، وفي عام 2021، وقع صندوق الاستثمار الفلسطيني، والحكومة المصرية، مذكرة تفاهم تهدف إلى تطوير الحقل، لكن لم يتجاوز الأمر النطاق النظريّ للاتفاق.الإضرار بمصالح مصر مشروع قناة بن غوريون ترفضه مصر بشكل أساسي، كونه يضرّ باقتصادها من خلال إضعاف دور قناة السويس، التي تربط البحر الأحمر بالمتوسط، وتُعتبر من أقصر الطرق البحرية بين أوروبا والبلدان الواقعة حول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي، ويمر فيها نحو 12% من التجارة العالمية. يشرح العناني أنّ "أميركا تربطها علاقات استراتيجية بمصر، وهي تعلم حساسية هذا الأمر بالنسبة للقاهرة، حيث إنّ قناة السويس حيوية جدًا للجانب المصري. بالإضافة إلى أنّ مشروع القناة وغيره من الطرق البرية، تمت مناقشتها سابقًا، ورُفضت جميعًا، حتى أنّ الدول الأوروبية قالت إنه لا بديل عن قناة السويس". وطريق قناة بن غوريون إذا تمت إقامتها فعلًا، سيكون مهدّدًا من قبل "الحوثيّين"، وبالتالي ستتخوّف الدول من أن تسلك هذا الطريق، وفقًا للعناني. فيما يشير رفيق عوض إلى أنّ "إقامة الرصيف البحري، سيجعل من معبر رفح غير مهم، وكذلك إذا أقيمت قناة بن غوريون، ستفقد قناة السويس معناها، وهذا إضرار بمصالح وهيمنة ونفوذ ومستقبل مصر، وبالتالي على القاهرة الانتباه للمساعي الإسرائيلية - الغربية، التي ستؤدي إلى إضعاف دورها ونفوذها". وبحسب الخطة الإسرائيلية لتنفيذ المشروع، فإنّ القناة ستكون مزدوجة، أي يمكنها التعامل مع حركة المرور في الاتجاهين وبعمق 50 مترًا (أكثر بـ 10 أمتار من قناة السويس)، وبعرض 200 متر، ما يمكّنها من استقبال سفن الشحن الضخمة، وهي ميزة على قناة السويس الأكثر محدودية. وبحسب التقديرات الإسرائيلية حول المشروع، فإنّ إسرائيل ستجني نحو 6 مليارات دولار سنويًا من أجور العبور، الأمر الذي يضرّ بشكل مباشر بالاقتصاد المصري.(المشهد)