أثار التحذير الذي أطلقه وزير الخارجية النرويجية إسبن بارث إيدي، أمس الاثنين، والذي قال فيه إنّ السلطة الفلسطينية قد تكون معرّضة لخطر الانهيار هذا الصيف، تساؤلات عدة حول أسباب هذا التحذير ومآلات ذلك إن بات أمرًا واقعًا.وتحدّث المسؤول النرويجيّ عن عوامل عدة، قد تُسهم في انهيار السلطة، بما في ذلك نقص التمويل والعنف المستمر والقيود المفروضة على السماح للعمال الفلسطينيّين بالعمل في إسرائيل.أموال السلطة الفلسطينيةوكان البنك الدولي قد سلّط الضوء مؤخرًا، على المخاطر المتزايدة المتمثلة في الانهيار الماليّ للسلطة الفلسطينية، خصوصًا في ضوء الحرب الأخيرة في غزة وجفاف مصادر الإيرادات. وفي حين أنّ هذا الوضع آخذ في التطور، فإنّ مآلاته ستكون كبيرة وصعبة على الداخل الفلسطينيّ والمنطقة ككلّ، وفق تقارير غربية. ويتعرض اقتصاد السلطة الفلسطينية إلى ضغوط بسبب القيود الإسرائيلية على التجارة، كما أنّ الحرب على غزة والانقسام بين الضفة الغربية والقطاع، أدى إلى قيود مالية شديدة وانخفاض المساعدات الخارجية. وأسهمت الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي، ودخول جماعات مسلّحة على خطّ المعركة، إلى تهديد الاستقرار الإقليمي، كما كان لها تداعيات مالية كبيرة على القطاع العام الفلسطيني. انهيار السلطة الفلسطينية في السياق، قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، إنه في حال انهيار السلطة الفلسطينية، فمن المتوقع حدوث حالة كبيرة من الإنفلات الأمنيّ وتظاهرات تتحوّل إلى جبهة أساسية في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وأكد في تصريحات لمنصة "المشهد"، أنّ الإدارة الأميركية تقول إنّ السلطة الفلسطينية تعاني سوء الإدارة وتفشّي الفساد، ناهيك عن المشاكل الأخرى، وهذه الأسباب يبدو أنها لا تتناسب مع سياسة البيت الأبيض. ورأى أنّ السؤال هو "من سيملأ هذا الفراغ إن حدث؟"، متوقّعا أن تُسهم الفصائل الفلسطينية الأخرى. واعتبر شنيكات أنّ: الوزيران المتطرفان في الحكومة الإسرائيلية، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن الوطنيّ إيتمار بن غفير، يسعيان لانهيار السلطة الفلسطينية لاعتقادهما بأنها تؤثر على الأمن الإسرائيلي. على عكس وجهة نظر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي ترى أنّ السلطة الفلسطينية هي ذات فائدة كبيرة لأمن الدولة العبرية، وأنها توفر الكثير من الجهد والمال والجنود والإمكانيات، بحكم سيطرتها وضبطها للأمان في الضفة الغربية.من جانبه، يرى المحلل السياسيّ الدكتور أحمد جميل عزم، أنّ السلطة الفلسطينية تعيش حالة الانهيار أصلًا وهي لا تنتظره.وأضاف: "السؤال المهم هو كيف يُمنع انهيار السلطة، وكيف يتم العمل على تحويلها لتكون دولة فلسطينية؟". وقال عزم إنّ هذا يحتاج إلى: ضغط دوليّ على إسرائيل حتى توقف ضغطها على السلطة الفلسطينية.أن يقوم الجانب الفلسطينيّ بالإجراءات الكفيلة بمنع انهيار السلطة وتقويتها على طريقة تحولها إلى دولة فلسطينية. فيما قال المحلل السياسي جهاد حرب، إنّ تحذير وزير الخارجية النرويجيّ من انهيار السلطة الفلسطينية بحلول الصيف هو تحذير "منطقي"، خصوصًا أنّ السلطة لم تعد قادرة على تقديم الخدمات ودفع رواتب موظفيها سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة. وأضاف حرب، "هذا ينذر عمليا بانهيار السلطة الفلسطينية".حرب عصابات وعن تأثير ذلك على الداخل الفلسطيني ّوإسرائيل، اعتبر شنيكات أنّ انهيار السلطة سيُحمّل إسرائيل تكلفة باهظة على مستوى الأمن، حيث سيعود الوضع كما كان عليه في الانتفاضة الفلسطينية قبل 1993، وسيضطر الجيش الإسرائيليّ للدخول للمدن الفلسطينية والدخول في حرب عصابات. وقال، "إذا كان الهدف هو ليس فقط انهيار السلطة الفلسطينية، فربما قد يكون عبر تهجير الفلسطينيّين من أراضيهم، لأنّ هذا الهدف هو أحد بنود الأجندة الأساسية لليمين المتطرف الإسرائيلي". إلا أنّ حرب أشار في حديثه لمنصة "المشهد"، إلى أنّ الانهيار عملياً هو توقف قدرة السلطة الفلسطينية على تقديم الخدمات للمواطنين الفلسطينيّين، وهذا الأمر يعني غياب القطاع الصحّي والتعليميّ والأمني، الأمر الذي يعني انفراط عقد المؤسسة الأمنية وعودة الموظفين إلى بيوتهم. وتابع حرب: "ربما يشكّل ذلك غياب أو انهيار للمنظومة الأمنية الفلسطينية وبالتالي الفوضى داخل المجتمعات المحلية الفلسطينية من جهة"، مبينًا أنّ هذه الفوضى ستؤثر بشكل كبير على زيادة العنف أو استخدام الوسائل العُنفيّة ضد إسرائيل، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة يُعانيها الفلسطينيون وتتحمّل إسرائيل المسؤولية عنها". وقال إنّ غياب الأمل والأفق السياسي، سيؤجّج من التوترات في المناطق الفلسطينية نظير الممارسات الإسرائيلية مع غياب الأفق السياسيّ والمستقبل الواضح للفلسطينيّين. وأشار حرب إلى غياب وضوح المستقبل للفلسطينيّين سيشكّل جزءًا من العناصر الدافعة لمواجهة واسعة وكبيرة وقاسية، قد تكون مع الإسرائيليّين سواء الجيش أو المستوطنين.هل يسمح المجتمع الدولي بانهيار السّلطة؟ من هنا، أوضح عزم أنّ المجتمع الدوليّ لا يقوم بما يكفي أبدًا لمنع انهيار السلطة الفلسطينية، بل بالعكس هو يشارك في حصارها وأحيانًا يضع عليها شروطًا تتعلق بتعديل مناهج التعليم ومنع تبنى السلطة لعائلات الأسرى الفلسطينيّين ماديًا وغيرها من الشروط.وأضاف "حتى المساعدات الاقتصادية التي قُدّمت من بعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا بعد تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد مصطفى، هي مساعدات رمزية، وبالتالي لا يوجد حتى الآن موقف دوليّ واضح داعم للسلطة الفلسطينية". فيما يرى شنيكات أنّ الولايات المتحدة تقف إلى جانب عدم انهيار السلطة الفلسطينية، لأنّ الإدارة الأميركية تدرك المخاطر المحدقة في البلاد إن تحقّق ذلك. وقال "هذه المخاطر قد تكون كبيرة ومؤثرة على حالة الأمن والاستقرار في المنطقة ككلّ، وتؤدي إلى انفلات أمني"، مبيّنا أنّ واشنطن تحاول إيصال رسالة للأجهزة معنية في إسرائيل بشكل عام، ولبنيامين نتانياهو بشكل خاص، حول خطر انهيار السلطة و"الكوارث التي ستعقب ذلك". ولفت إلى أنّ هناك دولًا أخرى تراهن على السّلطة على اعتبار أنها قد تكون نواة للدولة الفلسطينية بمجرّد الاعتراف بها. ورأى حرب أنه على الرغم من استثمار المجتمع الدوليّ في عملية السلام على مدار 30 عامًا الماضية، "إلا أنه لم يكن لديه القدرة على توجيه الطريق الصحيح لإنهاء الاحتلال الإسرائيليّ وبالتالي فإنّ المجتمع الدوليّ توقّف عمليًا عن وظيفته في التهيئة للوصول إلى السلام". وأكد أنّ المجتمع الدوليّ تخلّى عن السلطة الفلسطينية منذ أعوام عدة، في ظلّ توقّف دول عدة عن تقديم دعمها الماليّ للسلطة الفلسطينية التي نصّت عليها التزاماتها.وأشار حرب إلى أنّ الولايات المتحدة كانت أولى هذه الدول التي أوقفت دعمها للسلطة، بالإضافة إلى ما واجهته "الأونورا" إبان فترة رئاسة دونالد ترامب. وخلُص حرب إلى أنّ المجتمع الدوليّ وعلى المستوى السياسي، أتاح الفرصة لإنهاء أو للتخلي عن السلطة الفلسطينية.وقال، "أعتقد أنّ المجتمع الدوليّ لن يقدر على التخلي عن السلطة الفلسطينية في هذه الحالة أو في هذا الوقت، لأنّ الأزمة عميقة في ما يتعلق بالحرب في قطاع غزة، وهناك مخاوف من اندلاع مواجهة أوسع في الضفة الغربية". ورأى حرب أنّ المجتمع الدوليّ قد يُقدم على "توفير بعض قطرات الدعم للإبقاء على حياة السلطة الفلسطينية، لكنها ستبقى ضعيفة ومهددة بالانهيار في أيّ لحظة".(المشهد)