تتجاوز محاذير حركة "حماس" مجرد وقف إطلاق النار، وعقد صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل، إلى ما يتعلق بمصير قطاع غزة، والضفة الغربية بعد انتهاء الحرب، وهذا مالم يتم ذكره صراحة، ولعلّ ذلك هو الذي يجعل الحركة مترددة في التعاطي مع الإطار المقدم لها لوقف مؤقت أو حتى دائم للحرب.في هذا السياق، تصاعد الحديث مؤخرًا عن "مقترح التهدئة" بين إسرائيل وحركة "حماس"، بفعل جهود رؤساء مخابرات دول الولايات المتحدة، وإسرائيل، ومصر وقطر نهاية الأسبوع الماضي. ووفقًا لما تم نشره حتى الآن، ينصّ الاتفاق على: وقف مبدئيّ للقتال لمدة 6 أسابيع، وهي مدة أطول بكثير من وقف إطلاق النار الذي استمر أسبوعًا في نوفمبر.إطلاق سراح تدريجيّ للأسرى الإسرائيليّين لدى "حماس"، مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيّين. كما يسعى المفاوضون إلى استغلال فترة الهدنة للتوسط لإنهاء الحرب وتثبيت وقف إطلاق النار. وعلى الأرض يشوب تفاؤل مصحوب بالحذر؛ فلم يتخذ قادة "حماس" قرارًا بالرد على الخطوط العريضة لصفقة إطلاق سراح الأسرى، ووقف إطلاق النار في غزة، ويواصلون إجراء التعديلات والمشاورات بشأن الإجابة التي سيقدمونها، لكن ذلك بات معلّقًا في ظل التسريبات الإعلامية التي تتحدث عن خلافات بين قادة "حماس" في الداخل والخارج.مشاورات في "حماس"قال مصدر في حركة "حماس" اليوم الاثنين، إنّ الحركة تواصل مشاوراتها بشأن مبادرة باريس. وأكد أنّ المشاورات مازالت مستمرة ولم تنتهِ بعد، مشيرًا إلى أنّ حركته ليست مرتبطة بموعد معيّن لتسليم ردها.وبحسب المصدر، فقد أجرت قيادة "حماس" السياسية في الخارج مشاورات مع عدد من الفصائل، لبلورة موقف وطنيّ موحد، يهدف بشكل أساسيّ لإتمام الصفقة. وقال إنّ "هناك مناقشات وصيغ عديدة مطروحة من شأنها وقف الحرب".وأوضح المصدر أنّ "قيادة حماس في الخارج أنهت الجولة الأولى من المشاورات داخل الحركة، والتي تضمنت أيضًا محادثات واجتماعات مع قيادة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الفصيل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، وفصائل فلسطينية اخرى، كما أطلعت الحركة قيادة حزب الله في لبنان على التفاصيل".كذلك هو الحال في الجانب الإسرائيلي، فبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، فقد وصلت الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية حدّ الصراخ، بسبب غضبهم من الخطوط العريضة للصفقة المرتقبة، خصوصًا إصرار "حماس" على الإفراج عن مروان البرغوثي من حركة فتح، وأحمد سعدات من الجبهة الشعبية، وعبد الله البرغوثي من حركة "حماس". وتوجّه وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط الاثنين في جولة جديدة تهدف لضمان التوصل إلى هدنة جديدة في غزة، إذ يؤكد البيت الأبيض أنّ من الضروريّ التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى المتبقين الذين احتجزتهم "حماس" منذ 7 أكتوبر. خلافات أم تفاصيل مفصلية؟ ويعتبر المحلل السياسيّ أحمد جميل عزم، خلال حديثه مع منصة "المشهد"، أنّ "من الصعب أن توافق (حماس) على الهدنة، من دون معرفة أسماء الأسرى الفلسطينيّين الذين ستفرج عنهم إسرائيل، وتبييض كامل السجون، وكذلك مواعيد وقف إطلاق النار، ودخول المساعدات، وخروج إسرائيل من القطاع"، مضيفًا أنّ "حماس" تستعجل الهدنة والاتفاق، وما يحدث هو ببساطة أنّ الجانب الإسرائيليّ لا يريد أن يقدم عرضًا واضحا للهدنة، ويريد من الحركة الموافقة على شروط من دون أن يحدّدها. وفي إشارة أميركية إلى انتظار الردّ من "حماس" على اتفاق الهدنة المقترح، قال مستشار الأمن القوميّ بالبيت الأبيض جيك سوليفان، خلال مقابلة هذا الأسبوع مع شبكة "سي بي إس"، إنّ الكرة في ملعب "حماس" عندما يتعلق الأمر بمثل هذا الاتفاق، الذي اعتبره "يصبّ في مصلحة الأمن القوميّ للولايات المتحدة". لكن، جميل عزم يقول إنّ "حماس" تسعى لاتفاقية واضحة مع إسرائيل تقوم على آلية، موعد وقف إطلاق النار، وبرمجة واضحة لا تؤدي بحصول إسرائيل على كل ما تريده، لتواصل الحرب في ما بعد، فهناك رغبة إسرائيلية تسعى لهدنة، تؤدي في نهايتها أن تستعيد حرية القيام بالحرب واحتلال قطاع غزة من جديد". ويتخوف قادة "حماس" وفق تقارير غربية عدة، من عودة إسرائيل مرة إلى الحملة العسكرية في غزة عقب انتهاء الهدنة المقترحة، مطالبين بالحصول على المزيد من الضمانات لوقف الحرب، وهو ما أكده القياديّ في "حماس" قبل أيام أسامة حمدان، حينما قال من بيروت في مؤتمر صحفي: "ردّنا على المقترح الحاليّ يستند على وقف الحرب وانسحاب إسرائيل". ويشدد المحلل السياسي أحمد جميل عزم، على أنّ "إسرائيل ترفض وقف الحرب، ولا تريد أن تتفاوض على أسماء الأسرى المُفرج عنهم"، وبالتالي "حماس" لا تريد الوقوع في فخّ إسرائيل أن تحصل على جميع أسراها، بالمقابل لم توافق بشكل صريح على تبييض السجون من المعتقلين الفلسطينيّين.هوّة بين الموقفين على النقيض من ذلك، تحدثت تسريبات إعلامية بعد أيام من إعلان "حماس" استلام مقترح اتفاق الهدنة، عن خلافات بين قادة "حماس" السياسيّين والعسكريّين، إذ كشفت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلًا عن مسؤولين، أنّ الانقسامات بين كبار قادة "حماس" منعتهم من التوقيع على اقتراح حول وقف إطلاق النار المقترح واتفاق تبادل الأسرى. ورغم نفي الحركة المسلحة، صحة ما كشفت عنه الصحيفة الأميركية، إلا أنّ الوزير الفلسطينيّ السابق أشرف العجرمي، وصف خلال حديثه لمنصة "المشهد"، أنّ الخلافات بين قادة "حماس" طبيعية، وأنّ التباين في المواقف بين القادة أمر وارد. وقال العجرمي: "من يعيشون الحرب وموجودون داخل الأنفاق، يتعرضون لضغوط جمّة، ووضعهم يختلف عن الذين يجلسون بالخارج ويتمتعون بشروط حياة طبيعية، بالتأكيد هناك فرق بالظروف بين قيادات الحركة بالداخل والخارج، والخلاف يتمحور بين يحيى السنوار وقادة الخارج، (حماس) تعيش حالة أخذ وردّ، واختلاف وتباين مواقف". وبحسب "وول ستريت جورنال"، فإنّ زعيم الداخل يحيى السنوار، أبدى استعداده لقبول اقتراح وقف القتال لمدة 6 أسابيع مبدئيًا، على عكس القادة السياسيّين، الذين يطالبون بالمزيد من التنازلات ويريدون التفاوض على وقف دائم لإطلاق النار مع إسرائيل. ويؤكد العجرمي أنّ "حماس" وإسرائيل لا تريدان تحمّل المسؤولية عن إفشال الاتفاق، رغم الخلافات الكبيرة في المواقف، إذ تطالب الحركة بوقف كامل للحرب والانسحاب من غزة والإفراج عن آلاف المعتقلين، بينما ترفض إسرائيل هذا بشكل علني. ويضيف الوزير الفلسطينيّ السابق: "لذا أعتقد أنهما ينتظران ردًا من بعضهما البعض، لأنّ كل طرف يريد بناء موقفه على الطرف الآخر، وفي حالة موافقة الطرفين على صيغة الاتفاق، ستكون هناك حاجة لمفاوضات عميقة وصعبة للتوصل لاتفاق كامل حول كل التفاصيل". حسابات "حماس" استبق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، جولة وزير الخارجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، في التأكيد مجددًا وبشكل علنيّ على أنّ إسرائيل لن توافق على دفع أيّ ثمن لإعادة الأسرى من غزة. وقال نتانياهو في الاجتماع الأسبوعيّ الذي عُقد الأحد في تل أبيب، وسط تقارير أيضًا تفيد بأنّ "حماس" قد تردّ خلال ساعات على مقترح الهدنة: "إنّ الجهود المبذولة لإطلاق سراح المختطفين لدينا مستمرة طوال الوقت. ولن نوافق على أيّ صفقة، وليس بأيّ ثمن الإفراج عن الإرهابيّين، نحن ببساطة لن نوافق عليها. ولن نُنهي الحرب قبل أن نُكمل جميع أهدافها". ويؤكد وجهة النظر هذه المحلل السياسيّ الإسرائيليّ شلومو غانور، قائلًا خلال حديثه مع منصة "المشهد"، إنّ "وقف الحرب من منظور إسرائيل يعني هزيمتها". وفي المجمل، يرجح غانور خلال حديثه أسباب تأخر الردّ من قبل "حماس" على الصفقة المحتملة إلى: أولًا سوء الاتصال والإمكانيات الفنية، هي أحد الأسباب بفعل الحصار والطوق الإسرائيليّ في غزة، وظروف وضع الجناح السياسيّ التابع لـ"حماس" في الخارج، يختلف عن الداخل، فهو لا يعاني معاناة الحرب نفسها في غزة. ثانيًا الصفقة متعددة المراحل لها مغزى، هناك تباين في موقف "حماس" وإسرائيل بالنسبة لوقف إطلاق النار، وهل معنى ذلك تجدد الحرب؟ بعد انتهاء مراحل الهدنة، إذ بحسب وجهة النظر الإسرائيلية نعم، وبحسب وجهة نظر "حماس" لا. ثالثًا، وقف الحرب من منظور إسرائيل يعني هزيمتها. رابعًا، التحكم في قوائم الأسرى الإسرائيليّين والمعتقلين الفلسطينيّين، سواء إذا كانت إسرائيل ستقبل أو ترفض، فهل من سيحدد القوائم "حماس" غزة أو "حماس" قطر.(القدس - المشهد )