في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أعلن المرصد السوري أن السلطات اللبنانية سلمت نحو 70 سوريًا، بينهم ضباط في النظام السابق، إلى إدارة العمليات العسكرية في ريف طرطوس. هذه الواقعة، التي جرت عبر معبر العريضة بحضور وفد أمني لبناني، تطرح تساؤلات عميقة حول طبيعة التحولات الجارية في لبنان وعلاقتها بموقع "حزب الله" داخل المشهد السياسي والأمني.بالتزامن، يشهد الجنوب اللبناني تصعيدًا مستمرًا مع استكمال الجيش الإسرائيلي عملياته لاستلام البنية التحتية للحزب، ما يضع "حزب الله" أمام تحديات وجودية غير مسبوقة.يؤكد المراقبون أن هذه التصرفات ما كانت تحدث قبل شهور قليلة، مما يعكس تغير المشهد السياسي في لبنان وانفلات البلاد من قبضة "حزب الله" الخانقة التي استمرت قرابة عقدين."مرحلة النهاية" لـ"حزب الله"وفي هذا الإطار، أكد رئيس جهاز التنشئة السياسية في حزب "القوات اللبنانية" المحامي شربل عيد، أن "حزب الله" قد بلغ مرحلة الانتهاء العسكري لأسباب عديدة، أبرزها الخسائر الكبرى التي لحقت بقياداته ومخازن أسلحته، بالإضافة إلى انقطاع شريانه البري الأساسي الذي يربطه بإيران عبر النظام السوري.وأشار المحامي عيد في حديثه مع منصة "المشهد" إلى أن الحزب، وإن لم ينتهِ بشكل كامل، فقد أصبح ضعيفًا إلى درجة لم يعد يشكل معها أي تهديد عسكري أو أمني كبير في لبنان. كما أوضح أن الحزب وحكومته وافقا ضمنيًا على وثيقة استسلام تقضي بحصر السلاح في يد الجيش اللبناني والقوى الأمنية الرسمية، ما يضع حدًا نهائيًا لفكرة "استمرار المقاومة".وأضاف عيد أن هذا التراجع انعكس داخل بيئة" حزب الله" نفسها، حيث بدأت أصوات مناصرة سابقًا تدعو لإعادة النظر في مواقفها، معتبرةً أن الحزب لم يعد قادرًا على حماية نفسه أو إعادة ترميم قدراته العسكرية في ظل الحصار الدولي والغارات الإسرائيلية المستمرة، فضلًا عن تراجع الدعم الإيراني نتيجة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بطهران.وأوضح أن مجرد قبول "حزب الله" بوثيقة تمنح إسرائيل الحق بالتدخل إذا لم يتحرك الجيش اللبناني، يجعل من فكرة استمرار المقاومة مجرد وهم لا يعكس الواقع."حزب الله لم ينته" بعيد هذا التصعيد أعلن الأمين العام المساعد لـ"حزب الله" نعيم قاسم، أن "المقاومة مستمرة واستعادت عافيتها، بل تمتلك من الإمكانات ما يجعلها أقوى"، وفق تعبيره. وفي كلمته خلال مؤتمر بطهران، أضاف قاسم أن "المقاومة تمكنت من منع إسرائيل من التقدم"، معتبرًا أن "الآن فرصة للدولة اللبنانية لتثبت نفسها بالعمل السياسي" وتنفيذ الاتفاقات. المحللون وصفوا هذا التصريح بأنه يفتح الباب لتساؤلات حول ما إذا كان "حزب الله" ما زال قادرا على فرض شروطه في ظل المتغيرات الإقليمية والمحلية، أم أن الحزب بات يعتمد على الدولة اللبنانية في إدارة الملف السياسي أمام الضغط الدولي والإسرائيلي.من جانبه، صرح المحلل السياسي فيصل عبد الساتر، المقرب من بيئة "حزب الله"، في حديثه لمنصة "المشهد" أن الحديث عن نهاية "حزب الله" لا يستند إلى الواقع طالما أن هناك احتلالًا إسرائيليًا وتهديدًا للأراضي اللبنانية. وأكد عبد الساتر أن "المقاومة ليست مجرد قوة عسكرية، بل فكرة راسخة في وجدان اللبنانيين، أو على الأقل شريحة واسعة منهم ترفض الاحتلال".وأشار عبد الساتر إلى أن "الضربات الإسرائيلية، رغم قوتها، لم تتمكن من القضاء على قدرات "حزب الله"، الذي ما زال يحتفظ بقوته العسكرية والصاروخية الكافية لسنوات". وأضاف أن ما يروجه الإسرائيليون عن تدمير 80% أو 90% من قدرات الحزب هو جزء من "حرب نفسية تهدف إلى التأثير على الرأي العام".وفيما يتعلق بالوضع الداخلي، شدد عبد الساتر على أن "حزب الله، بصفته حزبًا شعبيًا وتمثيليًا، يعد من أكبر الأحزاب اللبنانية سياسيًا ونيابيًا، ولا يمكن لأي طرف إلغاؤه، كما لا يمكن للحزب أن يلغي الآخرين".وأوضح أن المحاور الساخنة في غزة واليمن وسوريا لا تزال تؤثر على المشهد العام، لكن "حزب الله" يراقب ويتعامل مع الوقائع بواقعية. كما أشار إلى أن الحرب في غزة والملفات الإقليمية الأخرى، مثل الصفقة السياسية التي لم تتحقق، قد تنقلب الأمور بشأنها رأسًا على عقب.تباين لبناني بشأن سورياكما انتقد عبد الساتر تسليم السلطات اللبنانية عددًا من الضباط السوريين إلى النظام الجديد في سوريا، مشيرًا إلى أن هذا التصرف يضع لبنان في مشكلة لم يكن بحاجة إليها، خصوصا في ظل عدم وجود معيار واضح لتعامل لبنان مع السوريين الداخلين إلى أراضيه، سواء كانوا محسوبين على النظام السابق أو مطلوبين بمذكرات قضائية.ولفت إلى أن هذه التطورات ستظل قيد المتابعة، مشددًا على ضرورة وجود معايير واضحة وثابتة لتعامل السلطات اللبنانية مع القضايا المماثلة، بعيدًا عن الانتقائية التي تثير الانتقادات في الداخل والخارج.وفي المقابل، شدد المسؤول القواتي على أن الظروف الإقليمية والدولية التي كانت سابقًا تصب في مصلحة "حزب الله" قد تغيرت جذريًا، ما أدى إلى تبدل مواقف عدد من القوى السياسية اللبنانية التي كانت تدور في فلكه، خصوصًا النواب السنة الذين باتوا يبتعدون عن خطاب المحور الذي كان الحزب يمثله.وختم عيد حديثه بالتأكيد أن "خطاب الحزب اليوم لا يتعدى كونه محاولة لرفع المعنويات، لكنه لا يعكس الحقيقة على الأرض، حيث أصبح من المستحيل على الحزب استعادة دوره العسكري السابق في ظل المعطيات الراهنة". (المشهد)