يتفقد رئيس تجمّع أبو النوّار البدوي داود الجهّالين أحوال عائلته والأهالي القاطنين في التجمع البدوي الواقع شرقي مدينة القدس، فهم يتعرضون لاقتحام شبه يوميّ من قبل قوات الجيش الإسرائيلي، تمهيدًا لهدمه وتشريدهم، ويذوقون أصنافًا لا حصر لها من الممارسات الإسرائيلية على يد الجيش والمستوطنين، لإجبارهم على الرحيل، وفق الأهالي.فالتجمّع البدويّ يتمتع بموقع إستراتيجي، ومحاط من جهاته الأربع بمستوطنات ضخمة وتوابعها، ومعكسر تدريب للجيش الإسرائيلي، تسكنه 140 عائلة هُجّرت بالأساس من منطقة النقب في نكبة عام 48، يبلغ عددهم قرابة الألف نسمة. يصف داود الجهالين لمنصة "المشهد"، أحوال المعيشة في التجمع، بالرديئة والمضنية، ويقول: "السلطات الإسرائيلية تضيّق علينا شيئًا فشيئًا، واليوم تحرمنا من الماء والكهرباء، الأطفال والنساء يسلكون طرقًا وعرة ونواجه خطر الموت بالدهس أو الرصاص من قبل المستوطنين، نحن نعتمد على الرعي الذي بات خطيرًا علينا منذ اندلاع الحرب، والإجراءات الصارمة التي اتخذتها تلك السلطات، على كاهلنا مشقّة التحمّل والصمود، لكنّنا مهدّدون بنكبة جديدة".وبالأرقام، 12 ألف نسمة من بدو القدس، يواجهون ظروفًا معيشية قاسية، وباتوا في مهبّ التهجير لتنفيذ المخطط الاستيطانيّ الإسرائيليّ الخطير "إي وان" الذي سيعزل القدس عن محيطها الفلسطينيّ ويربطها بالمستوطنات، لتصبح الجهة الشرقية من الضفة الغربية منطقة استيطانية بالكامل.إجراءات تعسفية ورحيل مرّأمام سيل الاعتداءات والانتهاكات، التي وصلت حدّ التهديد بأرواحهم والسطو على ممتلكاتهم وحرمانهم مهنة الرعي، لم تجد 5 عائلات بدوية من تجمّع السخن شرقيّ الأغوار، خيارًا أمامها سوى الرحيل، رغم أنها تقطنه منذ السبعينيات، ويبلغ تعداد أفراده نحو 200 شخص يعتاشون على رعي المواشي كمصدر دخل، هاجمهم المستوطنون مرات عدة وهددوا الأهالي بالحرق والقتل إن بقوا في المكان، ودمروا بيوتهم وقتلوا الخراف والأبقار كرسالة تهديد مباشرة. يقول أحمد بشارات لمنصة "المشهد"، "تحمّلنا كل المضايقات وأُجبرنا على الرحيل، عصابات المستوطنين تعمل مع القوات الإسرائيلية وتسيران على النهج ذاته للاستيلاء على أراضينا، تجمّع السخن يتميز بأراضيه الزراعية الخصبة، وينابيع المياه، شنوا علينا هجمات دموية لا يتصورها العقل البشري، ونحن ضحية للأجندة الإسرائيلية التي تزيل كل عائق يقف في طريقها".تتعرض التجمعات البدوية تحديدًا في الأغوار، لأكبر عملية تطهير عرقيّ منذ النكبة، بحجة أنها مناطق عسكرية ومواقع تدريب للجيش الإسرائيلي، وأنها أراضٍ خاصة لمجلس المستوطنات، ما أفقد الأهالي ثروتهم الزراعية والحيوانية. وكشفت منظمة البيدر لحقوق البدو، بأنّ الترحيل القسريّ طاول 28 تجمّعًا بدويًا في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر 2023، وأشار حسن مليحات مدير المنظمة لمنصة "المشهد"، "بتنا نشهد عمليات ترحيل قسرية، ناتجة عن خلق السلطات الإسرائيلية بيئة قهرية طاردة للتجمعات البدوية، فمنذ اندلاع الحرب على غزة، شنت القوات الإسرائيلية والمستوطنون هجمة شرسة على التجمعات البدوية، سجلنا أكثر من 500 اعتداء ضد البدو، لدفعهم للرحيل القصري، فلا يكاد تمر لحظة واحدة من دون تسجيل هجوم ضد التجمعات التي تعيش أيامًا عصيبة، وفصلًا من فصول التطهير العرقي". الاستيطان يعبث بالجغرافيا النشاط الاستيطانيّ المحموم في القدس والضفة الغربية، لا يتوقف ليل نهار، فقد ابتلع الأرض وحرم الفلسطينيّين من التوسع والتنقل بحرية، بل باتت حياتهم في خطر بفعل الأحداث الميدانية، فتلك الإجراءات قلبت المناطق الفلسطينية وجعلتها غيتوهات محاصرة يصعب التنقل والعيش فيها. وحيال مصادرة إسرائيل 8 آلاف دونم في منطقة غور الأردن بالضفة الغربية، كأراضٍ إسرائيلية لبناء مئات الوحدات السكنية، وإنشاء منطقة مخصصة للصناعة والتجارة والتوظيف، نددت دول عربية ودولية بهذا الإجراء، مؤكدة رفضها التعدي على حقوق الشعب الفلسطيني. فيما أكد مراقبون بأنّ السلطات الإسرائيلية نفذت منذ بداية العام الحالي، أضخم عملية استيلاء في أراضي الضفة الغربية منذ 3 عقود، بحجة أنها "أراضي دولة"، وشرعت بتشييد وإقامة آلاف الوحدات الإستيطانية السكنية بالقدس والضفة الغربية، ومررت عشرات المخططات مستغلّة انشغال العالم بأحداث الحرب على غزة. من جانبه، أكد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الوزير مؤيد شعبان لمنصة "المشهد"، أنّ "عقيدة الاستيطان الإسرائيلية القائمة على حساب الأرض والحق الفلسطيني، ترمي إلى استحالة إمكانية قيام دولة فلسطينية في يوم من الأيام، ومتعمّدة لتقويض طموحهم بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، لذلك فهي تعزل الفلسطينيّين، وتخنقهم، وتحاصرهم لتهجيرهم، وتعبث بالجغرافيا والديمغرافية، لحسم الواقع لصالحها، وتفريغها من طابعها الحضاريّ والتاريخيّ العربيّ لصالح الرواية الإسرائيلية". وختم قوله: "الصورة قاتمة في القدس والضفة الغربية بفعل المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية، حيث ارتفعت بوتيرة عالية وغير مسبوقة، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومررت إسرائيل مئات المشاريع والمخططات التي أعدتها مسبّقًا، وأخرجتها من الأدراج، بل وضاعفت من طرق سيطرتها على الأراضي الفلسطينية، مثل إطلاق مصطلح البؤر الزراعية الرعوية من أجل تهجير البدو، كذلك مخطط المناطق المعزولة حول المستوطنات، فتمنع أصحاب الأرض من دخولها بحجج أمنية وعسكرية". (المشهد - القدس)