في خضم الحملة المستمرة منذ 12 أسبوعًا التي يشنها "الحوثيون" المدعومون من إيران في اليمن، لتعطيل ممر الشحن الحيويّ في البحر الأحمر، يتسلل قلق جديد من أنّ الميليشيات المسلّحة قد تستهدف مجموعة من الكابلات البحرية التي تحمل جميع البيانات والاتصالات المالية بين أوروبا وآسيا، حسبما ذكرت صحيفة فورين بوليسي. وحتى الآن، تركز معظم المخاوف بشأن حملة "الحوثيّين" بشكل مفهوم على تأثيرها المدمر على الشحن التجاريّ وتدفقات الطاقة عبر نقطة العبور الرئيسية بين قناة السويس والمحيط الهندي. لكنّ هذا القلق الجديد يسلط الضوء على الطريقة التي أصبحت بها البنية التحتية تحت سطح البحر، ونقاط ضعفها المحتملة، سمة حاسمة في المشهد الأمنيّ العالمي. وفي أواخر ديسمبر الماضي، نشر حساب مرتبط بالمسلحين "الحوثيّين" على تطبيق تليغرام، ما بدا أنه تهديدات ضد عشرات كابلات الألياف الضوئية التي تمر عبر مضيق باب المندب غرب اليمن. وقد تردد صدى التهديدات الغامضة وتضخمت، من خلال روايات مرتبطة بمسلحين آخرين مدعومين من إيران، بما في ذلك "حزب الله"، وفقًا لمعهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط.معركة المنطقة الرماديةوأصبحت البنية التحتية الرئيسية في قاع البحر، جزءًا من ساحة معركة المنطقة الرمادية خلال السنوات الأخيرة، حيث تخيف "السفن الأشباح" الروسية جيرانها في بحر البلطيق وبحر الشمال. وقبل أكثر من عام، تم تفجير خط أنابيب الغاز نورد ستريم 1 بين روسيا وألمانيا بشكل غامض، بينما تضرر خط نورد ستريم 2. وفي الخريف الماضي، تعرضت خطوط الطاقة والبيانات في شرق بحر البلطيق، لأضرار غامضة أيضًا. وقد أصابت حوادث مماثلة اتصالات البيانات في البحر الأبيض المتوسط. وفي حين أنّ التهديدات الغامضة للكابلات البحرية في البحر الأحمر لم تؤدِّ حتى الآن إلى أيّ حوادث، فإنّ مركزية هدفها واضحة؛ فهناك طرق قليلة أخرى لنقل الكميات الهائلة من البيانات والأموال بين أوروبا وآسيا، غير الاعتماد على حزمة من كابلات الألياف الضوئية التي تمتد عبر المنطقة التي ينشط فيها "الحوثيون" بشكل أكبر. ويقول تيموثي سترونغ، نائب رئيس الأبحاث في شركة " TeleGeography"، المتخصصة في أبحاث سوق الاتصالات، إنّ أكثر من 99% من الاتصالات العابرة للقارات، تمر عبر الكابلات البحرية، وهذا لا يقتصر على الإنترنت فحسب، بل يشمل المعاملات المالية والتحويلات بين البنوك. ويضيف: "الكثير من إدارات الدفاع تعتمد على الكابلات أيضًا. وإنّ أيّ شيء يمكنك تخيّله تقريبًا في ما يتعلق بالاتصالات الدولية، يلامس الكابلات البحرية. وفي ما يتعلق بالبحر الأحمر، فهو بالغ الأهمية لربط أوروبا بآسيا".الحوثيون ليس لديهم القدرةوبغضّ النظر عن التهديدات، فإنّ السؤال الكبير الأول، هو ما إذا كان الحوثيون لديهم بالفعل القدرة على إتلاف الكابلات البحرية، والتي عادة ما تكون مثبتة بشكل جيد في قاع البحر. ويقول بروس جونز من معهد بروكينغز، الذي كتب على نطاق واسع عن أهمية الكابلات البحرية،: "لا أستطيع أن أرى أنّ أيّ جزء من ترسانة (الحوثيّين) يشكل خطرًا فعليًا على الكابلات البحرية. وإذا كنت تريد بالفعل إتلاف هذه الأشياء،، فسيتعين عليك الذهاب إلى قاع البحر". ومع ذلك، فإنّ "(الحوثيّين) مدعومون ومسلحون من قبل إيران، وتستخدمهم طهران كأحد وكلائها الإقليميّين لمهاجمة المصالح الغربية، يمكنهم فعل ذلك بمساعدة إيران، إذ يقول جونز، إنه حتى لو كان "الحوثيون" أنفسهم يفتقرون إلى القدرة، فقد تكون قصة إيران مختلفة، خصوصًا مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران. وتابع: "هل يمتلك الإيرانيون القدرة، وهل سيتخذ الإيرانيون هذه الخطوة؟ أعتقد أنّ هذا هو الشيء الذي يجب مراقبته، إذا تصاعد الأمر إلى أبعد من ذلك، ودخلنا بالفعل في مباراة شرسة بين الولايات المتحدة وإيران، عندها يمكنك التساؤل عما إذا كان الإيرانيون يمتلكون هذه القدرة".ووفق "فورين بوليسي"، من المحتمل أن تكون هناك طرق منخفضة التقنية لإتلاف بعض الكابلات الموجودة تحت سطح البحر، خصوصًا في المواقع الموجودة في المياه الضحلة. وقال سترونج، إنّ نحو ثلثي جميع الحوادث المتعلقة بالكابلات البحرية، تنطوي على حوادث بشرية، وعادة ما تكون ناجمة عن سفن الصيد أو السفن التجارية التي تسحب مراسيها في قاع البحر. وقال الخبراء إنّ مثل هذا النهج يمكن أن يمنح "الحوثيّين" القدرة على إحداث أضرار جزئية على الأقل ببعض الكابلات البحرية. وفي العادة، لن يمثل ذلك مشكلة كبيرة؛ إذ تحتفظ الولايات المتحدة ومعظم الدول الأخرى بسفن إصلاح الكابلات في حالة انتظار لإصلاح أي انقطاع في وصلات البيانات الحيوية تحت البحر. ولكن بسبب حملة المضايقات المستمرة التي يشنها "الحوثيون" في البحر الأحمر نفسه، لن يكون من الممكن لسفن الإصلاح أن تقضي أيامًا عدة ثابتة في محاولة لإصلاح الكابل التالف.ومع ذلك، فإنّ الفارق الكبير بين البنية التحتية للطاقة تحت سطح البحر، مثل خطوط أنابيب نورد ستريم وروابط البيانات، هو أنّ هناك بدائل لنقل حركة المرور الافتراضية أكثر بكثير من النفط أو الغاز. وقال تيموثي سترونغ، نائب رئيس الأبحاث في شركة " TeleGeography": "على المستوى الفردي، يكون الكابل ضعيفًا للغاية، بالمقارنة بالشكل الجماعي. لهذا سيكون من الصعب. وسيتطلب الأمر هجومًا متطورًا ومنسقًا للغاية للقضاء عليهم جميعًا في نفس الوقت".كابلات الإنترنت تُعتبر أهم شبكة للعولمةولا تعتبر حروب قاع البحر بالأمر الجديد تمامًا، إذ قطع البريطانيون كابلات التلغراف البحرية الألمانية في بداية الحرب العالمية الأولى، لعزل برلين عن العالم، لكنّ الأهمية المتزايدة للبنية التحتية تحت سطح البحر بالنسبة للاقتصاد العالمي، تجبرنا على إعادة التفكير في المهمة البحرية التقليدية المتمثلة في حماية خطوط الاتصال البحرية. وقال سيباستيان برونز، الخبير البحريّ في مركز الإستراتيجية والأمن البحريّ ومعهد السياسة الأمنية بجامعة كيل: "لا تزال خطوط الاتصال البحرية الكلاسيكية مهمة، لكنها تحولت بالفعل إلى مشكلة متعددة الأبعاد". وفي العام الماضي، أنشأ حلف شمال الأطلسي، في أعقاب هجمات "نورد ستريم"، خلية جديدة لتنسيق حماية البنية التحتية الحيوية تحت سطح البحر. ويرى المحللون البحريون أنّ حماية تلك الأصول، مهمة حيوية بشكل متزايد للقوات البحرية، خصوصًا في المياه الأوروبية المزدحمة بالبنية التحتية. وأصدر مركز لاهاي للدراسات الإستراتيجية تقريرًا جديدًا يسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للقوات البحرية الأوروبية، لتطوير مركبات غير مأهولة تحت الماء، خصيصًا لمراقبة البنية التحتية تحت سطح البحر، ويؤكد على حاجة القوات البحرية الأوروبية إلى إعطاء الأولوية لحماية مناطق "الوصول" الحيوية إلى أوروبا، بما في ذلك البحر الاحمر. وأشار التقرير إلى أنّ "مهمة الحماية تطورت بشكل ملحوظ"، مضيفًا أنّ "حماية البنية التحتية الحيوية قد انضمت إلى اللعبة". وفي حين أنّ الكثير من التركيز في هذه المهمة الجديدة حتى الآن، كان على خطوط أنابيب الطاقة المعرضة للخطر الشديد، وخصوصًا في أعقاب نورد ستريم وغيرها من الحوادث، فإنّ ونقطة الضعف المحتملة في عالم ما تحت سطح البحر، هي كابلات الإنترنت والبيانات، بحسب ما يقول بروس جونز. ويضيف: "بالنسبة لي، هناك شيء واحد واضح تمامًا، وهو أنّ الكابلات البحرية هي أهم شبكة للعولمة، وهي أيضًا شبكتها الأكثر عرضة للخطر".(ترجمات)