مع اقتراب الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة من إتمام شهرها الرابع، لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يصر على تحقيق "النصر الكامل" على حركة "حماس"، غير آبه بمواقف غالبية دول العالم التي تتحدث عن سبيل لوقف إطلاق النار وتحقيق السلام.ويرى مراقبون أن تل أبيب التي تباهي حكومتها اليمينية الأكثر تطرفا في تاريخها بنتائج عسكرية ترى أنها ستقودها إلى تحقيق الأمن والأمان للمواطن الإسرائيلي، خسرت سياسيا ما لم تخسره من قبل، في ظل مواقف غير مسبوقة لعديد دول العالم، ومن بينها المعسكر الذي أبدى دعما لا محدود لها في البداية عقب الهجوم الذي شنته حركة "حماس" في 7 أكتوبر الماضي. قيام الدولة الفلسطينية فمع تزايد عدد القتلى في صفوف المدنيين الفلسطينيين وفي ظل اتهامات بارتكاب جرائم حرب في القطاع ومع تحول نسبي في المزاج الشعبي في الولايات المتحدة والكثير من الدول الأوروبية وتعالي الانتقادات لدعم إسرائيل في تلك الحرب، تغيرت نغمة الدعم السياسي رويدا رويدا حتى تحول الحديث عن مجرد ضرورة السماح بإدخال المساعدات لأهالي القطاع إلى أهمية وحتمية قيام الدولة الفلسطينية، وهي قضية قديمة لم تحظ بمثل هذا التأييد والزخم كالذي تحظى به هذه الأيام.وتزايد الحديث من قبل الإدارة الأميركية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عن حتمية حل الدولتين كسبيل وحيد لإنهاء الصراع وإرساء السلام، وسط مطالبات لبعض المسؤولين بضرورة محاسبة إسرائيل على ما تقترفه في غزة.ويعزو محللون السبب وراء انكشاف الغطاء السياسي إلى طول فترة الحرب دون وضوح للرؤية وضبابية تخيم على نهايتها في ظل إصرار حكومة نتانياهو على المضي قدما فيها. وعلى الرغم من حصيلة القتلى المرتفعة وتدمير معظم البنية التحتية في القطاع لا يبدو أن إسرائيل حققت حتى الآن أيا من أهدافها المعلنة لهذه الحرب، فلا هي قضت على "حماس" ولا حررت الأسرى ولا استطاعت وقف إطلاق الصواريخ التي تمطر المدن والبلدات الإسرائيلية. انهيار العلاقات وليس بخفي على أحد حجم الخلافات التي أثارتها الحرب في غزة بين حكومة نتانياهو والإدارة الأميركية، لتصل إلى حد انقطاع الاتصال بين الرئيس جو بايدن ونتانياهو لأسابيع، حتى وصل الأمر إلى إغلاق الأول الهاتف في وجه الأخير بسبب رفضه التجاوب مع المطالب الأميركية.واتسعت دائرة الرفض لتمتد لدول كانت ترتبط بعلاقات جيدة مع إسرائيل، ومن بينها مصر وقطر، حيث أفادت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرا إلى محاولة نتانياهو الاتصال هاتفيا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأن الأخير رفض ذلك، في مؤشر على عمق الخلافات بين البلدين وانسداد أفق التواصل بينهما، مع مراعاة أن مصر كانت دوما رقما مهما في أي تسوية أو وقف لإطلاق النار خلال أي موجات تصعيد سابقة.كما اتهمت قطر نتانياهو بأنه "غير مسؤول ومدمر"، قائلة إن التصريحات المسربة لرئيس الوزراء الإسرائيلي التي ينتقد فيها الدوحة "تخاطر بتقويض الجهود الرامية إلى تأمين إطلاق سراح الأسرى" الذين تحتجزهم "حماس".جاء ذلك ردا على تسجيل لاجتماع بين نتانياهو وأقارب الأسرى الإسرائيليين تم بثه على القناة 12 الإسرائيلية، وسمع خلاله رئيس الوزراء وهو يصف قطر بأنها وسيط "إشكالي" ويحث عائلات الضحايا على زيادة الضغط الدولي على الدوحة التي تلعب دورا مهما في جهود الوساطة من أجل هدنة والإفراج عن الأسرى.كما وجدت إسرائيل نفسها لأول مرة في تاريخها في قفص الاتهام أمام محكمة العدل الدولية، في قضية "الإبادة الجماعية" التي رفعتها ضدها جنوب إفريقيا بشأن حرب غزة وأكدت خلالها أن الحصار الذي تفرضه تل أبيب على غزة "يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وينتهك اتفاقية الإبادة الجماعية التي أُبرمت بعد المحرقة عام 1948". المعادلة الصعبة ويرصد مراقبون اختلافا حتى في المفردات التي يستخدمها مسؤولون دوليون لوصف ما تقوم به القوات الإسرائيلية من هجمات مكثفة في غزة، وكان أحدثها تصريحات نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية توماس وايت والذي وصف تلك الهجمات بأنها "أمر مقيت وغير مقبول ويجب أن يتوقف" في إشارة لما يحدث حاليا في خان يونس مع احتدام القتال حول المستشفيات ومراكز الإيواء التي تستضيف المهجرين.وقال وايت إن الوضع في خان يونس يؤكد على "عدم الاحترام المتواصل للمبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني... يجب أخذ كافة التدابير لحماية المدنيين. أذكر كافة الأطراف بأن حماية المستشفيات والعيادات والطواقم الطبية والمنشآت الأممية منصوص عليها بكل وضوح في القانون الدولي".وإذا وضعت هذه المواقف الدولية جنبا إلى جنب مع الضغوط المتزايدة التي يتعرض لها نتانياهو لتأمين الإفراج عن الأسرى المحتجزين في قطاع غزة مع كم الخلافات بينه وبين عدد من أعضاء حكومته بالإضافة إلى التكلفة الاقتصادية الباهظة لاستمرار القتال، يتضح حجم المعادلة الصعبة التي وضع نتانياهو إسرائيل فيها والتي يتعين عليه التفكير في حل طلاسمها، بحسب محللين. (د ب أ)