بعد هجوم حركة "حماس" الدامي ضد إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023 والحرب المدمرة التي أطلقتها إسرائيل ضد قطاع غزة الفلسطيني عقب الهجوم، قال مدير مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي (إف.بي.آي) كريستوفر راي إنه يخشى من أن يدفع العنف في الشرق الأوسط أفرادا أو تنظيمات لشن هجمات انتقامية داخل الولايات المتحدة.وبعد شهور، وفي أعقاب هجوم جماعة تابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي على مسرح روسي مما أسفر عن مقتل أكثر من 140 شخصا، جدد راي تحذيره من تزايد احتمال تعرض الولايات المتحدة لهجوم منسق مماثل.وعقب شهور من هذه التحذيرات من تزايد خطر الإرهاب، نفذ فرد سابق في الجيش الأميركي يعتنق أفكار "داعش" عملية دهس باستخدام شاحنة خفيفة لحشود من المحتفلين ببداية العام الجديد في مدينة نيو أورليانز الأميركية. ولم يكن منفذ هذا الهجوم الدامي الذي أسفر عن مقتل 14 شخصا على الأقل مرتبطا بأي تنظيم إرهابي دولي، ولم ينسق هجومه مع أي أطراف خارجية، لكنه كان تجسيدا لمصدر قلق ممتد، برز إلى حيز الوجود في الأعوام التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001 ولم يتلاش قط، وهو التهديد الذي يشكله المتطرفون المحليون الذين يتحولون إلى متطرفين من تلقاء أنفسهم قبل ارتكاب أعمال عنف جماعية باسم جماعات أجنبية لا يرتبطون بها بشكل فعلي.ويقول كريستوفر كوستا، ضابط المخابرات السابق وكبير مديري إدارة مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن في الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب "لم يسبق أن رأيت تهديدا مثيرا للقلق إلى هذا الحد، ليس فقط من منظور مكافحة الإرهاب وإنما أيضا من التهديدات التي ترعاها دول".وأضاف كوستا أن "حقيبة المظالم" التي يمكن أن تكون قد دفعت بالمواطن الأميركي شمس الدين جبار (42 عاما) للقيام بهذا العمل، مثل طلاقه مرات عدة ومعاناته من الضغوط المالية، كانت متفقة تماما مع سمات غيره ممن نفذوا هجمات مماثلة. كما تزامن هجوم نيو أورليانز مع مناخ من عدم الاستقرار العالمي الذي يعطي حافزًا إضافيًا للأشخاص المضطربين لاستلهام أعمال العنف من هجمات "حماس" في 7 أكتوبر، والحرب الإسرائيلية على غزة، والإطاحة الدرامية بالرئيس السوري بشار الأسد في الشهر الماضي.وقال كوستا: "المرء يختار المظلمة، ثم يجد الأيديولوجيا التي يتصرف بها بناء عليها.. الآن يشمل ذلك هجوم 7 أكتوبر ويشمل تنظيم 'داعش'، والسبب وراء أهمية التنظيم في الوقت الحالي هو أنه يستعيد نشاطه نتيجة لما يمكن أن يعتبره التنظيم انتصارا في سوريا".تهديداتويعتبر هجوم نيو أورليانز الذي قتل 14 شخصا، أعنف هجوم مستوحى من تنظيم "داعش"، تشهده الولايات المتحدة منذ المذبحة التي تعرض لها ملهى ليلي للمثليين في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا عام 2016 وأسفرت عن مقتل 49 شخصا. ونفذ تلك المذبحة شخص أعلن ولاءه لزعيم "داعش" في ذلك الوقت أبو بكر البغدادي، في الوقت الذي كان فيه مكتب التحقيقات الاتحادي يسابق الزمن لكبح المؤامرات التي تنفذها "الذئاب المنفردة" الذين اجتذبتهم الدعاية التي يروج لها تنظيم "داعش" أو حتى السفر إلى ما يسمى "بدولة الخلافة" في سوريا والعراق.وهذا الخطر لم يتراجع أبدا، كما يتضح من اعتقال مكتب التحقيقات الاتحادي في أكتوبر الماضي لرجل أفغاني في أوكلاهوما بتهمة التخطيط لشن هجوم مسلح يوم انتخابات الرئاسة الأميركية التي أجريت يوم 5 نوفمبر.ولكن التهديدات الأكبر والأشد تنسيقا المرتبطة بجهات خارجية جذبت الانتباه العام بشكل أكبر في الآونة الأخيرة، مثل مؤامرات الاغتيال الإيرانية التي تستهدف مسؤولين أميركيين بما في ذلك الرئيس المنتخب دونالد ترامب. هذه الدوامة من المخاوف دفعت راي إلى القول في تصريح لوكالة "أسوشيتد برس" في أغسطس أنه "يصعب عليه أن يتذكر أي مرحلة في حياتي المهنية تجمعت فيها أنواع التهديدات المختلفة في وقت واحد كما هو الحال الآن".ويقول منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الأمن الداخلي الأميركية نيوكلاس راسموسين "إنه (الخطر الإرهابي الذي يمثله أفراد عاديون في الولايات المتحدة) تحدٍّ صعب للغاية بالنسبة لقوات إنفاذ القانون، وهو أصعب بكثير من التعامل مع شخص ربما كانت له اتصالات نشطة مع جهات فاعلة في الخارج، على سبيل المثال، أو لديه ملف مميز على الإنترنت يظهر انخراطه أو متابعته لأنشطة متطرفة في الفضاء الإلكتروني".وأضاف "إذا لم يكن لديك مثل هذه المؤشرات، فإنك تعتمد على ما تسمى بظاهرة المتفرج" حيث تنتظر المصادفة لاكتشاف مثل هذا الإرهابي قبل أن ينفذ هجومه.ففي حالة شمس الدين جبار منفذ هجوم نيو أورليانز الذي لقي حتفه في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة، لم يكن يوجد ما يشير إلى وجوده على رادار أجهزة إنفاذ القانون قبل الهجوم. ومع ذلك، قال مكتب التحقيقات الاتحادي في بيان يوم الجمعة الماضي إن محققي المكتب اكتشفوا دلائل مهمة على التخطيط للهجوم، بما في ذلك مواد يشتبه في أنها تستخدم في صنع القنابل في المسكن الذي استأجره لفترة قصيرة في نيو أورليانز ومنزله في هيوستن.ويأتي ذلك في حين ستنتقل مهمة مواجهة خطر الإرهاب في الولايات المتحدة بعد أقل من أسبوعين إلى الرئيس المنتخب ترامب والقيادة الجديدة المنتظرة لمكتب التحقيقات الاتحادي الذي رشح ترامب لرئاسته كاش باتيل. ويشكك باتيل منذ وقت طويل في مدى استخدام مكتب التحقيقات لصلاحياته المتعلقة بالأمن القومي وتحدث عن فصل "أنشطة الاستخبارات" التابعة للمكتب عن بقية أنشطته في مكافحة الجريمة.تجدد خطر "داعش"من غير الواضح كيف سيؤثر هجوم نيو أورليانز على أي خطط لدى باتيل إذا تمت الموافقة على تعيينه في المنصب الجديد.وقوبلت الإطاحة بالأسد ووصول جماعة "هيئة تحرير الشام" إلى السلطة الرئيسية في سوريا بقدر من الارتياح ولكن أيضا بالقلق. وبصرف النظر عن انتماء الهيئة السابق إلى تنظيم "القاعدة"، فإن انهيار جيش الأسد أثار مخاوف من فراغ السلطة الذي يعتقد كثيرون أن تنظيم "داعش" سيسعى إلى استغلاله.كما فتح رحيل الأسد نافذة أمام تركيا لتوسيع عملياتها ضد المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم "إرهابيين" في شمال سوريا. وتعتبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية حليفا أساسيا للولايات المتحدة في محاربة "داعش"، وتدير مراكز اعتقال تضم آلاف المقاتلين الأجانب المعتقلين.ويشعر المسؤولون الأميركيون والأوروبيون بالقلق من احتمال أن يؤدي تصاعد الهجمات التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية إلى تنامي خطر "داعش" مجددا.كما تقول أستاذة علم الأديان والدراسات الإسلامية في كلية بوسطن ناتانا ديلونغ باس إن أيا من هذه الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط لم يجعل الهجوم الذي نفذه مواطن أميركي على الأرض الأميركية في الساعات الأولى من العام الجديد مستلهما أفكاره من تنظيم "داعش" أمرا متوقعا، خصوصا مثل هذا العنف في الولايات المتحدة يعتبر أمرا نادرا للغاية مقارنة بالشرق الأوسط أو أوروبا.(د ب أ)