بذريعة إلحاق الهزيمة، والإجهاض المكتمل لكل ما يمت لحركة "حماس" بصلة، وإعاقتها من استعادة قوتها ميدانيًا وعسكريًا، ومنعها من الاستحواذ على منطقة شمال قطاع غزة، شرعت قوات الجيش الإسرائيليّ بتنفيذ عملية عسكرية برية في الشمال وتركزت في منطقة جباليا، ويطوق الجيش الإسرائيليّ حياة 400 ألف مواطن فلسطينيّ يسكنونها، والذين أصروا على البقاء فيها، رغم الظروف المريرة التي كابدوها منذ عام على الحرب.حال أبو علي الجمل (64) عامًا من منطقة جباليا، يعبّر عن وضع الآلاف من الفلسطينيّين في شمال القطاع، خسر بيته منذ نشوب الحرب، لكنه آثر الثبات على التهجير، يقول لمنصة "المشهد"، إنه"في هذا الاجتياح البري العنيف نواجه القتل والرصاص وجهًا لوجه، ونحن في خيم نزوحنا والطرقات التي نسلكها من أجل توفير لقمة العيش لعائلاتنا إن وجدت، الجيش الإسرائيليّ يضغط علينا إما لقتلنا أو لتهجيرنا".وقال الجمل، "لن أذهب لأيّ مكان آخر، فلا مكان آمنًا على امتداد القطاع، وسنتصدى للتطهير والتهجير القسريّ بكل ما أوتينا من قناعة بأنّ هذه الأرض هي لنا". وعمدت القوات الإسرائيلية إلى فرض حصار خانق على المنطقة وسكانها، وطالبتهم بالرحيل نحو جنوب وغرب مدينة غزة، وسط قصف جوّي ومدفعيّ مكثف، ونسفٍ للشوارع والمنازل والمنشآت. وأكد شهود عيان لمنصة "المشهد"، أنّ القوات الإسرائيلية المتوغلة في المحاور كافة "تطلق النار على كل من يتحرك"، في حين أشارت مصادر محلية هناك بأنّ "جثامين الضحايا ما زالت ملقاة بالطرقات، فطواقم الإسعاف والإنقاذ يستهدفها الجيش الإسرائيليّ بالنيران الفتاكة". وطالب الجيش الإسرائيليّ إدارة مستشفيات شمال غزة، التي ما زالت تقدم الخدمات الطبية، وهي العودة، والأندونيسي، وكمال عدوان، بإخلائها من المرضى والطواقم الطبية، وهددها بالقتل والتدمير والاعتقال، في حال لم ينفذ الإخلاء، وتعالت المناشدات من قبل المدنيّين والطواقم الطبية من مغبة العدوان الواسع، وخطورة الأوضاع الإنسانية السيئة بفعل الحصار والقتل العشوائي، ومنع دخول إمدادات الطعام والدواء والمياه. وفي هذا السياق، قالت مصادر إسرائيلية عليمة، إنّ القيادة الجنوبية في الجيش الإسرائيليّ تخطط منذ مدة طويلة لعملية واسعة النطاق للفرقة 162 في شمال قطاع غزة، مع إبقاء المناورة البرية في جباليا، وكشفت تصريحات إسرائيلية بأنّ هدف العملية العسكرية في شمال قطاع غزة، "السيطرة على المنطقة بشكل كامل، وإذا توسعت العملية سيتم إخلاء سكان بيت لاهيا وبيت حانون إلى الجنوب، وبالتالي سيسيطر الجيش على قطعة أرض كبيرة من القطاع"، وهو ما عرف إعلاميًا بخطة "الجنرالان".الحسابات الإسرائيلية وأوضح المحلل السياسيّ الإسرائيليّ شلومو غانور لمنصة "المشهد"، أنّ "قوات الجيش الإسرائيليّ أنذرت مرارًا وتكرارًا السكان المدنيّين الفلسطينيّين من أجل إخلاء مساكنهم في مناطق بيت حانون، وبيت لاهيا، ومخيم جباليا، والتوجه نحو المناطق الآمنة عبر الممرات الإنسانية الآمنة التي يشرف عليها الجيش الإسرائيلي، وفي هذا الصدد تعمل فرق القتال الإسرائيليّ من اللواءين 460 و 401، والفرقة 162 ضد المسلحين من عناصر "حماس"، وتدمير بنيتهم التحتية، من أجل بسط السيطرة العملياتية الإسرائيلية في المنطقة، والهدف الأكبر منع حركة "حماس" من استعادة قوتها في المنطقة". وحول أهداف العملية العسكرية التي شنتها قوات الجيش الإسرائيلي منذ 4 أيام على مناطق شمال قطاع غزة، كشف غانور "للمشهد"، أنّ الأهدف تتمحور حول "نقل سكان شمال قطاع غزة نحو منطقة الإيواء الإنسانيّ في جنوب قطاع غزة، ومحاصرة مقاتلي "حماس" والقضاء عليهم بالكامل في الشمال، وتدمير البنية التحتية التي استعادتها "حماس" بعد التوغلات الإسرائيلية هناك، وإيقاف إطلاق الصواريخ، والحيلولة دون وصول عناصر "حماس" إلى السياج العازل مع إسرائيل". واعتبر غانور خلال حديثه "للمشهد" في حال تمكن قوات الجيش الإسرائيليّ من تنفيذ الخطة العسكرية في شمال قطاع غزة، فإنه "سيكون قادرًا بسهولة كبيرة على مهاجمة نشطاء "حماس" الذين يختفون بين السكان المدنيّين، وبالتالي السيطرة الإسرائيلية ومنع إطلاق الصواريخ، وإيقاف محاولات الوصول نحو السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل".استحواذ واقتطاع ويعتقد المحلل في الشأن الإسرائيليّ عادل شديد، أنّ الحصار الإسرائيليّ المطبق والعملية العسكرية العنيفة على منطقة شمال قطاع غزة، تندرج في سياق مشروع الجنرالات والتهجير وحشر السكان بمكان معين.وأضاف شديد، "قرار ومخطط إسرائيليّ بعيد المدى لم يعلن عنه بشكل واضح من قبل الحكومة الإسرائيلية، لكنه ظهر جليًا بهدف اقتطاع تلك المنطقة، والتي بالحد الأدنى تشكل ثلث مساحة قطاع غزة، وتهجير سكانها نحو الوسط والجنوب، وضمها إلى منطقة مستوطنات شمال غزة، وإعادة بناء المستوطنات فيها، بالتزامن مع فشل إسرائيل بكسر صمود الغزّيين وصمودهم بشمال القطاع". وأكد المحلل المختص بالشان الإسرائيليّ شديد لمنصة "المشهد"، أنّ "ما يحدث اليوم في مناطق شمال قطاع غزة، نوع من التفاهم بين جماعة الليكود داخل الحكومة الإسرائيلية أمثال سموتريتش وبن غفير، وتمرير ما يسمى مقترح الجنرالات العسكريّين المتقاعدين، من أجل أولًا، ليكون ورقة ضغط على حركة حماس".لكنه أشار إلى أنّ "التجارب تؤكد أنّ أي تهجير لا يمكن إعادة الفلسطينيّين إلى حيث كانوا، وثانيًا، هندسة محور نتساريم ليكون في هذا المكان، فلم يكن القصد منه تقطيع أوصال قطاع غزة والتحكم بالمتنقلين ذهابًا وإيابًا شمالًا وجنوبًا، وإنما اقتطاع تلك المنطقة الجغرافية وإبقاء ثلثي غزة تحت الهيمنة الإسرائيلية الكاملة".وفي هذا الصدد، أشار الخبير العسكريّ اللواء واصف عريقات لمنصة "المشهد"، أنّ "الجيش الإسرائيليّ وبعد مرور عام أصيب بالإحباط والإحراج، كونه أخفق أمام الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بحيث لم يستعِد قوة الردع، ولم يعِد آلاف المستوطنين النازحين، وأهداف الحرب في غزة لم تتحقق، وفشل بالقضاء على "حماس"، والأسرى ما زالوا في قبضة "حماس" وهاجر الآلاف من الإسرائيليّين بفعل الحرب.وأضاف عريقات "بالتالي نتانياهو اعتقد بأنّ جبهة قطاع غزة ستكون هادئة ليجتاح برًا جنوب لبنان، ويقصد إيران، هذا كله لم يحدث، لذلك جاءت هذه الهستيريا، في دلالة بأنّ الجيش الإسرائيليّ في حالة إرباك وعجز من تنفيذ المخططات على جبهات عدة". ونوه اللواء عريقات قائلًا "العملية العسكرية في شمال قطاع غزة، تأتي لتثبيت المشروع الذي تحدّث عنه نتانياهو، من أجل إعادة رسم الشرق الأوسط، بالتزامن مع تقارير وتأكيدات إسرائيلية عن نية تشييد مشاريع استيطانية إسرائيلية بالشمال، كل هذا يتم من خلال تغيير الواقع الجغرافيّ والديمغرافي، وقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيّين وتهجيرهم، عبر البيئة الطاردة للحياة، وملاحقة المدنيّين والضغط على الحاضنة الشعبية لحركة حماس في شمال قطاع غزة، ومن ثم تطبيق خطة الجنرالات التي تقوم على تفريغ شمال قطاع غزة من أهله وبناء حزام أمنيّ ومستوطنات".(المشهد )