ما بين احتفالات صاخبة في مختلف أنحاء تركيا حتى وقت مبكّر من صباح الاثنين، و الاحتجاجات المحدودة أمام مقر حزب الشعب الجمهوري اعتراضا على أداء المعارضة في الانتخابات، ضمِن رجب طيب إردوغان البقاء في السلطة لـ5 سنوات أخرى، ليُدخل بلده المتأزم إلى مرحلة جديدة أصرّ على أن لا يفوّت دقائقها الأولى، من دون قطع المزيد من الوعود كما هو حال منافسه كمال كليجدار أوغلو الذي تعهد بمواصلة النضال.ووقف إردوغان (69 عاما) المنتشي بالانتصار على سطح حافلة متوقفة أمام مقر إقامته في إسطنبول، وسط حشد من أنصاره، وقال ساخرا: "باي باي كمال" في إشارة إلى منافسه بالانتخابات، قبل أن يبدأ في إطلاق الوعود متعهدا في الوقت نفسه بأن يفي بكل الوعود بعدما "عهدت إلينا أمتنا مسؤولية حكم البلاد للسنوات الخمس المقبلة". في المقابل خرج كليجدار أوغلو (74 عاما) الذي خسر في السابق أمام إردوغان لأكثر من مرة، في خطاب بمقر حزب الشعب الجمهوري في أنقرة، معترفا بالهزيمة وتعهد بمواصل النضال حتى تكون هناك "ديمقراطية حقيقية" في تركيا، قائلا إنّ "الانتخابات كانت غير عادلة، وإرادة الشعب لتغيير حكومة سلطوية أصبحت واضحة على الرغم من كل الضغوط".تفوّق خطاب إردوغانالمحللون والمراقبون الذين تحدثوا مع منصة "المشهد"، اعتبروا أنّ المعارضة التركية مجتمعة حتى في تحالفها النادر لإنهاء حكم إردوغان وحزب العدالة والتنمية، قد اقترفت العديد من الأخطاء في إدارة المعركة الانتخابية، كما لم تستطيع الاستفادة من نقاط الضعف في سياسات إردوغان القابع في الحكم منذ نحو 20 عاما. المحلل السياسي التركي فائق بولوت يقول خلال حديثه مع منصة "المشهد"، إنه "على الرغم من توظيف إردوغان لكل إمكانات الدولة لخدمة مصالحة وحملته الانتخابية في الداخل والخارج، إلا أنّ المعارضة لم تستطع الاستفادة من نقاط الضعف في إدارته للبلاد خلال الفترة الماضية، وما وصلت إليه الأمور من تضخم مرتفع وغلاء في المعيشة، ومن فقر وفساد". ويضيف: "نجحت خطابات إردوغان الاستقطابية على عكس مرشح المعارضة كليجدار أوغلو، في لفت انتباه الجماهير إلى قضايا مثل الأمن القومي والإرهاب، وكل ما له علاقة بذلك، لتصبح في صدارة حملته الانتخابية، ما جعل الجماهير تقتنع بأولويات الأمن القومي والمزاعم المتعلقة بالحركات الانفصالية، بعيدا عن الأزمات المعيشية الصعبة"، مؤكدا أنّ "خطابات إردوغان التي وظّف من خلالها الدين والقومية، تفوقت على حجج المعارضة للإطاحة بحكمة في الجولتين الأولى والثانية". ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، اعتاد إردوغان توجيه أصابع الاتهام بعد كل إخفاق أو خلال الحملات الانتخابية، إلى الأقلية الكردية التي تتجاوز نسبتها نحو 13% من إجمالي السكان، وكذلك حزب العمل الكردستاني الذي يُصنّف منذ ثمانينيات القرن الماضي على أنه منظمة إرهابية، إذ خرج أمام أنصاره قبيل الجولة الثانية متهما حزب العمل الكردستاني بالتآمر على تركيا لمنعها من ثرواتها، كما ألمح مرارا وتكرارا إلى علاقات تربط المعارضة ومرشحها بالإرهاب. وعلى الرغم من استراتيجية المعارضة الجديدة في مواجهة إردوغان، إلا أنها لم تكن ناجحة بشكل كبير في ما يتعلق بالتركيز على عودة اللاجئين السوريين وإعادتهم إلى بلادهم، وإطلاق بعض النعرات القومية بالتحالف مع حزب الظفر، حسبما يقول بولوت، والذي يشير إلى أنّ هناك "لوبي عربي" يمتلك قاعدة تصويتية جيدة، وقف في صف إردوغان، فيما هناك نسبة تُقدّر ما بين 2 و4% من الأكراد لم تصوت لكليجدار أوغلو بسب تحالفاته قبل جولة الإعادة، وعدم اعتراضه بشكل مباشر على تصريحات إردوغان حول الأكراد".الخطأ في كليجدار أوغلو قبيل الجولة الثانية من الانتخابات، بدا كليجدار أوغلو منفتحا أكثر على القومية التركية واليمين المتشدد، من خلال التعهد بترحيل اللاجئين السوريين من البلاد، سعيا منه لكسب المزيد من الأصوات على خلاف خطاباته في الجولة الأولى والتي وُصفت بالمعتدلة، حيث قبيل أيام من الجولة الثانية من الانتخابات، أعلن رئيس حزب الظفر اليميني المتطرف "أوميت أوزداغ" في مؤتمر مشترك، دعم مرشح "الطاولة السداسية". ويؤكد بولوت أنّ "المعارضة وحملة كليجدار أوغلو كان لديها قصور في استغلال الزلزال والمناطق المنكوبة من أقصى البلاد إلى أقصاها"، مشيرا في السياق ذاته، إلى أنّ مكونات تحالف الأمة منذ البداية، كانت خطأ في ظل الخلافات قبل التوافق على مرشح رئاسي، حيث تركت هذه المناوشات طابعا سلبيا لدى الشارع التركي حول المعارضة، والتي نجح إردوغان وحزبه في تحويلها إلى قناعات. ويتفق مع هذا الكاتب والمحلل السياسي التركي جواد غوك، الذي يعتبر خلال حديثه مع منصة "المشهد"، أنّ خطأ المعارضة الأبرز، يتمثل في ترشيح كليجدار أوغلو أمام إردوغان، قائلا: "كان هذا المرشح خاطئا، من المفترض أن يكون هناك مرشح آخر بخلاف كليجدار أوغلو الذي انهزم أمام إردوغان مرات عدة". ويضيف غوك: "المعارضة أخطأت حينما توافقت وراء ترشيح كليجدار أوغلو(..) الجماهير تريد شخصية قوية أقوى من كليجدار أوغلو لينافس ويواجه إردوغان". ومنذ نتائج الجولة الأولى للانتخابات في 14 مايو، شكك المراقبون في قدرة كليجدار أوغلو على حسم الانتخابات، نظرا لافتقاره إلى الكاريزما التي يتمتع بها منافسه إردوغان. لهذا يؤكد المحلل السياسي جواد غوك، أنّ الطاولة السداسية كانت تعجّ بالخلافات، و"لم تكن بينهم ثقة في ما يتعلق بمرشحهم، لهذا لم يستطيعوا إقناع الشعب التركي بالتصويت لصالحهم". وقبل أشهر من الانتخابات الرئاسية التركية، اندلع خلاف حاد بين أعضاء "تحالف الأمة" بسبب عدم التوافق على مرشح رئاسي واحد، حيث انسحبت رئيسة حزب الجيد ميرال أكشنار من التحالف، قبل أن تعود بعد أيام من ذلك، ويتم التوافق على ترشيح زعيم حزب الشعب كليجدار أوغلو، على الرغم من وجود أشخاص آخرين يتمتعون بقاعدة شعبية قوية، أمثال رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو الذي كان رفيق إردوغان وشريكه في تأسيس حزب العدالة والتنمية منذ عام 2001 وحتى عام 2019، حينما انشق وأسس حزب المستقبل. ما مستقبل المعارضة؟حمل خطاب إردوغان عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات ليل الأحد، رسائل وتلميحات مهمة حول مستقبل المعارضة، بحسب ما يذكر فائق بولوت، إذ قال رئيس حزب العدالة والتنمية أمام أنصاره إلى جانب سخريته من منافسه: "أظهرت هذه الانتخابات أن لا أحد يستطيع أن يهاجم مكتسبات هذه الأمة". وحول الرسائل والتلميحات التي قصدها إردوغان، يقول بولوت: "يبدو أنه يطمح إلى تفكيك وسحق المعارضة في المستقبل، والعمل على استعادة نفوذه في أنقرة العاصمة الإدارية، وإسطنبول العاصمة الاقتصادية(..) إردوغان سوف يعمل على ترسيخ سلطته وحكمه الشمولي بشكل واضح". على النقيض يتوقع الكاتب والمحلل السياسي جواد غوك بنبرة متفائلة، عدم استمرار "إردوغان في الحكم لأكثر من عام ونصف العام، بسبب وضعه الصحي والأزمة الاقتصادية التي قد تتسبب في إسقاط الحكومة في أيّ وقت وبسهولة"، قائلا: "لا أظن أن تستمر حكومة إردوغان لـ5 سنوات، لذلك السبب أتوقع أن تكون هناك انتخابات مبكّرة بعد عام ونصف العام، ويجب على المعارضة أن تتحرك بشكل أقوى من السابق واختيار شخصية قوية تمثّلهم". واستبعد بولوت استقالة كليجدار أوغلو من رئاسة حزب الشعب الجمهوري، مشير إلى أنّ "هذه المسألة ستشهد جدالا عميقا خلال الأشهر المقبلة، لكنّ خطابه عقب نتائج الانتخابات يشير إلى أنه يريد أن يستمر على رأس الحزب". من جهته يرى جواد غوك أنّ استقالة كليجدار أوغلو أصبحت حتمية، إذ يقول: "الكل ينظر إلى أعضاء حزب الشعب الجمهوري لنرى كيف سيتحرك هؤلاء لإصلاح أخطائهم الماضية. بالطبع كليجدار أوغلو يريد الاستمرار في مكافحة النظام الاستبدادي، ويدعو الناس للسير معه، كيف؟ شباب حزب الشعب الجمهوري تظاهروا أمس لإجباره على تقديم الاستقالة". وتابع بالقول: "دعنا ننتظر الأيام المقبلة، المعارضة لا تزال بحاجة إلى المزيد من الوقت حتى تمتصّ صدمة نتيجة الانتخابات، وسيكون هناك هجوم شديد من أنصار المعارضة يجبرها على إجراء إصلاحات لتفادي ما حدث من أخطاء".(المشهد)