استجابة لمطالب نشطاء القضية الأمازيغية، أعلن المغرب قرار تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس الابتدائية، وهو قرار يستهدف 4 ملايين تلميذ بنهاية العقد، حسب إعلان وزارة التربية والتعليم الخميس.في الإطار، يؤكد المحلل السياسي المغربي عبد الفتاح فاتيحي أن مسألة تدريس الأمازيغية مطلب دستوري وطني في سياق اعتماد المغرب لسياسة التعدد اللغوي والثقافي.ويضيف فاتيحي في حديث لمنصة "المشهد" أن تعميم تدريس الأمازيغية مطلب مجتمعي وتعمل الدولة على الوفاء باعتبار ذلك تكريس لمبدأ حقوقي وسياسي واجتماعي لجزء كبير من المجتمع الأمازيغي.وقال وزير التربية الوطنية المغربي شكيب بنموسى في مؤتمر صحفي:تدريس اللغة الأمازيغية سيفيد نحو 4 ملايين طالب في 12 ألف مؤسسة تعليم ابتدائي بحلول عام 2030.1660 مؤسسة تعليمية ابتدائية تتوفر على التعليم بالأمازيغية، بما مجموعه 330 ألف تلميذ.سيتم تدريب 1500 إلى 2000 مدرس وسيتم توظيفهم.الإعلان أثار جدلا في الأوساط التعليمية والثقافية في المغرب، بحسب ما أكده عدد من مدرسي المرحلة الابتدائية لمنصة "المشهد". فالقرار بالنسبة لهم ليس بجديد ولا ينفذ منذ عقدين من الزمن، نظرا لمشاكل عدة أبرزها عدم حصولهم على التدريب الكافي لتدريس الأمازيغية وتلقين التلاميذ حرف تيفيناغ. في سياق آخر، صدرت مذكرة رسمية بشأن تعميم تدريس اللغة الإنجليزية بالتعليم الإعدادي في المملكة. قرار وزاري سابق أثار موجة من الترحيب في صفوف المطالبين بالاستقلال اللغوي، في إشارة إلى الفرنسية اللغة الأجنبية الأكثر تداولا في المغرب، لكنه أيضا لم يسلم من انتقادات.فما دلالات توجه المغرب نحو تعزيز اللغتين الأمازيغية والإنجليزية في التعليم؟ وما التحديات التي تواجه المملكة في تدريس لغتي تيفيناغ وشكسبير على حساب لغة موليير؟اللغة الأمازيغية في المغرببالنسبة لتعميم تدريس اللغة الأمازيغية يشير الكاتب والباحث الأكاديمي المغربي أحمد عصيد إلى مشاكل عدة في القرار الوزاري الجديد التي أصدرتها الوزارة، ويؤكد على التالي: المشكل الأول هو ضعف الثقة في وعود الدولة، حيث قيل نفس الكلام المنشور اليوم منذ سنة 2003 ولم يتحقق منه شيء بعد 20 عاما، كما قيل سنة 2019 بعد صدور القانون التنظيمي، ومخاوفنا مشروعة من أن نصل إلى سنة 2030 التي تعلنها المذكرة المذكورة كسقف للتعميم دون تحقيق الوعود المعلنة. المشكل الثاني أن تغير الوزراء والحكومات يؤدي دائما إلى إغلاق الأبواب وتغيير الإتجاه كما لو أن الالتزامات المعلنة هي فقط التزامات وزير أو حكومة معينة وليست التزامات الدولة، مما يؤدي إلى هدر الكثير من الزمن، فنحن من خلال التجارب السابقة لا ندري إن كان الوزير الحالي سيبقى وكذلك الحكومة الحالية إلى سنة 2030 لتضمن تحقيق هذا المخطط المعلن.المشكل الثالث هو أن المذكرة لا تتحدث عن التعليم الخصوصي مطلقا بل فقط التعليم العمومي، مما يطرح السؤال حول إلزامية تدريس الأمازيغية.والمشكل الآخر هو أن هناك إشارة في بلاغ الوزارة إلى الخطوات العملية التي تضمن كيفية التعميم في الابتدائي، لكن الوزارة لم تشر إلى التدابير التي سيتم اتخاذها والضمانات لتحقيق هذا المخطط الذي يحتاج إلى إرادة حقيقية وصرامة كبيرة من قبل المسؤولين.كما أن الثابت أن التعميم غير ممكن من دون الرفع من نسبة الأستاذة المتخصصين من خريجي مراكز التكوين، بينما يقول الوزير إن الوزارة ستحافظ على 400 مدرس في السنة، واعتماد الوزارة على هذا العدد لن يسمح بتعميم الأمازيغية في المدارس قبل سنة 2060.وتصريح الوزير بالعودة إلى اعتماد الأساتذة المكلفين من غير المتخصصين ليس أمرا مضمونا، لأن الأستاذ المكلف وضعيته تتسم بالهشاشة حيث يتم تكليفه في حالة الضرورة بمهام أخرى فيتخلى عن الأمازيغية.من جانب آخر يعتبر عصيد في حديث لمنصة "المشهد" أنه لا توجد أية إشارة إلى الشروط الجدية التي ينبغي توفيرها داخل المؤسسات لجعل تدريس الأمازيغية قرارا محترما من طرف الأكاديمية والمديريات وإدارات المؤسسات التعليمية التي لا تأخذ الموضوع بعين الجد حتى الآن، على حد تعبيره."فمثلا أين الكتاب المدرسي للأمازيغية؟ في كل مرة تقوم الوزارة بطبع الكتاب ولا يجده أحد في أي مكان، حيث يتم إقباره بشكل غريب فلا يجده حتى أساتذة المادة الذين يعملون باعتماد نسخ مصورة، مثل هذه المعدلات التي لا تجد حلا منذ 2003، هي التي تجعلنا نتساءل إن كانت المذكرة الوزارية قابلة للتنفيذ وفق الآجال المسطرة، وإن كانت الوزارة قد هيأت الشروط الضرورية وأولها توفير الموارد البشرية الكفأة" يقول عصيد. اللغة الإنجليزية في المغربأما قرار الدولة المغربية المتعلق بتعميم الإنجليزية، فيقول الأكاديمي المغربي إنه كان منتظرا في الآونة الأخيرة، حيث شهد المجتمع نقاشا مستفيضا حول لغات العلوم، وخصوصا بعد تراجع الدولة عن قرار تعريب العلوم والعودة إلى اللغة الأجنبية، ويضيف:بعد توتر العلاقات بين المغرب وفرنسا صارت التوجهات الرسمية نحو تعميم الإنجليزية ظاهرة في العديد من الخطوات ومرجعيات الوزارة إضافة إلى تصريحات المسؤولين.من المؤكد عاجلا أو آجلا أن اللغة الإنجليزية ستأخذ بالتدريج مكانة اللغة الفرنسية، وهو المسار الذي انخرطت فيه معظم الدول، بل إن داخل فرنسا نفسها نجد نفس التوجه لدى الشباب والأكاديميين.المشكل بالنسبة لنا هو أن تغيير الاتجاه نحو الإنجليزية سيخلق بلا شك ارتباكا ومشاكل مرحلية للنخب الفرنكوفونية التي ترتبط مصالحها بهيمنة الفرنسية في دواليب الدولة. هذا سيجعل الانتقال إلى الإنجليزية يتم على مراحل وفي مدة زمنية طويلة نوعا ما. ويتفق فاتيحي في كون أبرز تحديات تعميم تدريس اللغة الأمازيغية أو اللغة الإنجليزية تتمثل في نقص الموارد البشرية المؤهلة، ويؤكد:المغرب لا يتوفر على موارد بشرية مدربة ومؤهلة لتعميم التدريس، ويضيف:هذا النقص يصاحبه نقص في المناهج الدراسية وصعوبات مالية لتدبير مخطط شمولي للتعميم. ولعل ذلك هو ما دعا المغرب إلى اعتماد استراتيجية التدرج في تنفيذ مضمون سياسته اللغوية.الاستقلال اللغوي والهوية اللغويةويرى المصدر ذاته أن المغرب "يحاول تكريس الديمقراطية وتقوية حوار مكونات ثقافية متعددة في الدولة الواحدة والموحدة وهو بذلك يبحث عن بناء هواياتي متكامل ومستقل وقادر على التفاعل مع مختلف التيارات لكي يحافظ على استقلاليته".وأشار المحلل السياسي المغربي أن أمام المغرب الكثير من العمل لتحقيق هذه الرهانات باعتماد سياسة لغوية متكاملة تؤسس لمشروع ثقافي متين يثمن المكتسبات ويستفيد من التجارب السابقة لتوقع مخطط لغوي وثقافي منسجم مع رهان المغرب للدخول إلى نادي البلدان الصاعدة.من جهته، يرى عصيد أن تعزيز الهوية اللغوية والاستقلال اللغوي أساسي على مستوى تعميم الشعور الوطني لدى أبناء المملكة، وذلك باعتماد لغات الهوية الوطنية كالأمازيغية والعربية. ولفت المتحدث ذاته إلى أن الانفتاح عن العالم واكتساب العلوم ومواكبة الثورات المعرفية، لابد فيه من الإنجليزية لأنها اللغة الأولى التي تسمح بذلك عالميا، و"في اعتقادي لابد من الحفاظ على نوع من التوازن بين وظائف اللغات الوطنية داخليا، ووظيفة اللغة الأجنبية في العلاقة بالعالم وبمكتسبات العصر".(المشهد)