بعد الانهيار السريع للنظام السوريّ السابق، وهروب بشار الأسد خارج البلاد في 8 ديسمبر 2024، بدأت الأنظار تتجه إلى العراق، تحديدًا الفصائل العراقية الموالية لإيران، التي وجّهت أكثر من ضربة جوية لإسرائيل خلال حربها على جنوب لبنان في الأشهر الماضية، وأكدت أنها لن تقف متفرّجة على انهيار "محور المقاومة" في سوريا ولبنان.منذ بداية الحرب بين حركة "حماس" وإسرائيل في 7 أكتوبر 2023، أعلنت إسرائيل أكثر من مرة أنها ستقضي على "محور المقاومة"، وستُنهي الوجود الإيرانيّ في سوريا ولبنان والعراق، وستعمل على قطع طرق الإمداد الإيرانية عبر هذه الدول.و"محور المقاومة" هو تحالف عسكريّ سياسيّ غير رسمي، مناهض لإسرائيل، يضم إيران وسوريا وحركة "حماس" الفلسطينية، وحركة "الجهاد الإسلاميّ" الفلسطينية، و"حزب الله" اللبناني، والميليشيات الشيعية العراقية التي هي جزء من الحشد الشعبيّ المعترف به من قبل الحكومة العراقية، وجماعة "الحوثي" التي تُعتبر جزءًا من هذا التحالف.كانت إسرائيل قد وجّهت خلال الأشهر الماضية، رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، حددت فيها 6 فصائل عراقية تهدد أمنها، وطالبت الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني بضبط نشاط الفصائل، وتحييد العراق من الصراع الإقليميّ الذي تشهده المنطقة.سيناريوهات التخلّص من إيران ووسط هذه التطورات السريعة في لبنان وسوريا، تحدثت أوساط سياسية عراقية عن اتفاق حول سيناريوهات جديدة في العراق للتخلّص من النفوذ الإيراني، قبل أن يشهد العراق ما شهدته سوريا من تحوّلات سياسية جذرية غيّرت المشهد السياسيّ السوريّ بالكامل.وبحسب صحف عراقية:أحد هذه السيناريوهات هو الاستجابة السريعة لعملية الإصلاح الداخلي من خلال تعديل الدستور والإسراع بتشكيل حكومة جديدة تُرضي تطلعات الشعب العراقي.أما السيناريو الثاني فهو أن يتضمن البرنامج الحكوميّ تفكيك سلاح الفصائل العراقية المسلحة، ومنع سيطرة الأطراف العراقية التي تنتمي لأجندات خارجية على مؤسسات الدولة.ويرى محللون سياسيون أنّ العراق ينتظر دوره للخروج من طوق إيران، والتخلّص من السيطرة الإيرانية عليه، مع انتهاء نفوذها في سوريا، وضعف "حزب الله" بعد موت قادته وعودة الكلمة للدولة اللبنانية.في التفاصيل، قال الخبير الأمنيّ العراقيّ فاضل أبو رغيف، في حديث لمنصة "المشهد"، إنّ نفوذ إيران في المنطقة بشكل عام وفي العراق بشكل خاص سيضعف بصورة ملحوظة، هذا ما سنشهده خلال الأشهرة القريبة المقبلة.وحول إمكانية أن يكون المشهد العراقيّ مشابهًا للمشهد السوري، أشار أبو رغيف إلى أنّ البيئة السورية تختلف عن البيئة العراقية، ما يؤكد هذه الاختلافات هو اشتراك السنّة بصورة فاعلة في العملية السياسية العراقية، مساهمة الكرد، تفاعل الشيعة في ما بينهم وباقي الأطياف، هذا من الناحية السياسية.وأضاف أبو رغيف "أما من الناحية العسكرية، يمتلك العراق جهاز أمنيّ استعلاماتيّ مخابراتي عالي الدقة، سيحمي العراق من تبعات ما يحدث في سوريا... لذلك لا أظن أنّ المشهد العراقيّ سيكون مشابهًا للمشهد السوري، حيث إنّ السلطة السابقة في سوريا احتكرت صناعة القرار لوحدها، وخسرت الكثير من جنود جيشها ومعداتها خلال الحرب".وأكد الخبير الأمني أن العشائر العربية السنيّة، تقف إلى جانب الجيش والأجهزة الأمنية للتصدي لأيّ تبعات قد تحدث على الحدود السورية العراقية، لافتا إلى أن هنالك تلاحم ما بين الأجهزة المدنية والأمنية والعسكرية في العراق، هذا ما افتقدته سوريا منذ سنوات.خيارات العراقوكانت مصادر سياسية مطلعة، كشفت لصحف عراقية، عن رسائل تحذير، حملها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال زيارة غير معلنة لبغداد يوم الجمعة الماضي، لرئيس الوزراء العراقيّ محمد شياع السوداني، بشأن الفصائل العراقية المسلحة المدعومة من إيران.وأخبر بلينكن السوادني، أنّ الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، ستعمل بكل قوة وحزم على إنهاء أيّ تأثير لهذه الفصائل، خصوصًا بعد قيام الأخيرة بعمليات عابرة للحدود، وضرب للقواعد الأميركية في سوريا واستهداف مناطق داخل إسرائيل خلال الفترة الماضية. ويرى المختص في الشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، أنّ زيارة وزير الخارجية الأميركي المفاجئة للعراق، ستضع حكومة السودانيّ أمام خيارين إما إخراج أذرع إيران طواعيةً من المشهد العراقيّ أو عنوةً كما حدث في سوريا، وذلك لوجود رغبة دولية بالقضاء على هذه الأذرع في المنطقة.وأوضح عبد الرحمن لـ"المشهد" أنه، في حال فشل السوداني بتطبيق الخيار الأول، أظن أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل ستتدخلان إلى جانب الجيش العراقيّ للتخلّص من الفصائل الموالية لإيران.وذكّّر عبد الرحمن، بالتصريح الأخير للمرشد الأعلى الإيرانيّ علي خامنئي، الذي قال إنّ إيران مستمرة بدعم هذه الفصائل والميليشيات، مضيفاً: "بما أنهم فقدوا أذرعهم في المنطقة، سيصبون كل جهودهم داخل العراق لدعم هذه الفصائل".وقال: "الأمر ليس سهلًا، وستكون مدينة جرف الصخر التي استولى عليها (حزب الله) العراقي، الإنطلاقة الأولى لاستهداف هذه الجماعات، كما كانت مدينة القصير في سوريا التي استولى عليها (حزب الله) اللبنانيّ الانطلاقة الأولى للقضاء عليه من قبل إسرائيل".ويعتقد عبد الرحمن أنّ حكومة محمد شياع السوداني ستحذّر هذه الفصائل والجماعات، وستبلغهم بالرسائل الأميركية، لافتا إلى أنه رغم أنّ السوداني محسوب على الجناح الإيراني، إلا أنه لا يرغب بهذه المحسوبية، ومنذ فترة طويلة يحاول إمساك العصا من المنتصف، من خلال تحقيق التوازن بين الغرب والفصائل العراقية المدعومة من إيران.وقال: "لكن إذا ضعفت إذرع إيران في الداخل العراقيّ سيرّحب السوداني بذلك".ورأى المتخصص في الشأن الإيراني، أنّ ما حدث في سوريا، يمكن تطبيقه في إيران أكثر من العراق، لأنّ العراق يمتلك حكومة شبه مستقلة عن النظام الإيراني، لكنها تحت ضغوط الفصائل العراقية التي نمت واستقوت على الحكومات العراقية، لذلك ما سيحدث في العراق سيكون مختلفًا عما حدث في سوريا. وأضاف أنّ الشارع الإيرانيّ سيلعب دور القوات العسكرية التي ستسقط النظام الإيراني، وربما سيتم استهداف قواعد عسكرية أو منشآت نووية إيرانية، وسيتحرك الشارع الإيراني لإسقاط النظام، خصوصًا أنّ الداخل الإيرانيّ ممتلئ بالانشقاقات حتى أنها أكثر بكثير من الانشقاقات في الداخل السوري.شرق أوسط جديد في المقابل، قال عضو تيار الحكمة العراقي، رحيم العبودي إن "إيران دولة جارة للعراق، لا نرى أنها دولة إرهابية وتصدّر الإرهاب. بل تتطلّع لبناء منظومتها النووية، وهي دولة صناعية مهمة في الشرق الأوسط".وتحدث العبودي عن الدوري السياسي لإيران قائلا: "قضية التخلّص من الطوق الإيرانيّ الذي يتحدث عنها البعض مبالغ بها، ولا وجود لهذا الطوق الإيرانيّ في العراق، إنها فقط علاقات اقتصادية ودبلوماسية طبيعية بين أيّ بلدين تجمعهما حدود مشتركة".وأضاف العبودي في حديث لـ"المشهد" أنّ "ما حدث في سوريا هو جزء من المخطط الغربيّ الأميركي، الذي يحاول أيضًا جرّ العراق إلى هذه الحرب.وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قد ألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، نهاية سبتمبر الماضي، تمحورت حول آفاق التطبيع والسلام مع الدول العربية، ورفع خريطة شملت مناطق مكسيّة باللون الأخضر الداكن للدول التي تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل، أو تخوض مفاوضات لإبرام اتفاقات السلام، ولم تشمل الخريطة أيّ ذكر لوجود دولة فلسطينية، حيث طغى اللون الأزرق الذي يحمل كلمة إسرائيل على خريطة الضفة الغربية وقطاع غزة.وأشار العبودي إلى أن العراق يقع جغرافيًا في قلب الشرق الأوسط، ويتعامل مع كل الظروف المحيطة ومع ما يحصل في سوريا بكل مسؤولية واحترام لإرادة الشعب السوري.لكن في الوقت ذاته، أكد أهمية عدم الوثوق بالجماعات المسلحة في سوريا، وقال: "نحن لن نغيّر نظرتنا لهذه الجماعات، إلا إذا غيّرت الأمم المتحدة ومجلس الأمن قراراتها تجاه هذه الجماعات والفصائل المسلحة".وقال العبودي إنّ العراق بعيد جدًا عما حدث في سوريا، ولن يشهد ذلك أبدًا، لوجود الأمن والجيش والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي.(المشهد - أربيل)