في خطوة تصعيدية، فجر انتحاري عبوة ناسفة في قلب العاصمة أنقرة، يوم أمس، قبل ساعات من انعقاد جلسة البرلمان، كما قتل مهاجم ثانٍ في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة. في المقابل، ردّت تركيا على هذه الخطوة بالتصعيد أكثر عبر استهداف القيادات الكردية، وسرعان ما أعلنت وزارة الدفاع التركية أنها نفذت ضربات جوية في شمال العراق ودمرت 20 هدفاً لحزب العمال الكردستاني، كذلك استهدفت قياديا بالحزب في مدينة القامشلي شمال شرق سوريا، وأعلنت وزارة الداخلية التركية التعرف على هوية أحد منفذي هجوم أنقرة أمس الأحد، قائلة: "نتيجة البحث وفحص الحمض النووي، كان أحد الإرهابيين عضوًا في منظمة PKK حسن أوغوز الملقب باسم كانيفار إردال". ويُثير التفجير الانتحاري الذي وقع في ظروف إقليمية متوترة التكهنات حول الغاية والرسائل التي يُراد إرسالها لأنقرة.رسائل ممكنة جاء التفجير في وقت حساس على مستوى تركيا والدول المجاورة لها: على مستوى تركيا جاء قبل ساعات من عودة البرلمان للانعقاد عقب العطلة الصيفية.على المستوى الخارجي، جاء التفجير بعد سيطرة أذربيجان حليف تركيا التاريخي على إقليم كاراباخ، وبعد زيارة الرئيس التركي إلى أذربيجان ولقائه نظيره الأذربيجاني إلهام علييف في إقليم ناختشيفان، فيما تسعى تركيا وحليفتها جاهدين لفتح ممر زنغيزور لربط تركيا بأذربيجان، وهو الأمر الذي ترفضه إيران بشدة، وتؤكد استعدادها للتدخل عسكريا "إزاء محاولات تغيير الحدود التاريخية في المنطقة"، ما قد يكون رسالة إيرانية تعبيرا عن غضبها من التصرفات التركية الأخيرة.من جانب آخر، كان البرلمان التركي يستعد للتصويت على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في ظل مساعي غربية حثيثة لإدخال ستوكهولم إلى المنظومة العسكرية الغربية، لكن بسبب التفجير الذي وقع أمس، تم تأجيل التصويت، ما أثار التكهنات أيضا حول دور روسي محتمل، كون الأخيرة هي الخاسر الأكبر من دخول السويد إلى الناتو. يشرح المحلل السياسي يعقوب أصلان لمنصة "المشهد" أن "هناك أسباب مختلفة لهذا الهجوم، وبالنظر إلى توقيت العمل الإرهابي، ينبغي التقييم أنه تم اختيار هدف على مسافة 300 متر من البرلمان في يوم احتفالات السنة التشريعية للبرلمان. أول جدول أعمال للبرلمان هو التصويت على الموافقة على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي، ويعزّز هذا الهجوم احتمالية أن تكون القوات التي تحمي تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي في العراق وسوريا هي التي ترسل رسالة بهذا الهجوم، وبالعودة إلى الأعمال الإرهابية التي وقعت خلال فترات حرجة من تاريخ تركيا الحديث، فإن هذا الاحتمال له وزنه الكبير". وبرأي أصلان "فمسألة مهاجمة تركيا للأكراد لا معنى لها، تركيا تقاتل ضد المنظمات الإرهابية التي تريد تدمير البلاد. الإرهابيون الذين تحميهم الولايات المتحدة وتسلحهم وتدربهم شرق الفرات في سوريا يستهدفون تركيا، ومع القتال ضد تواجد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، فقد انتهى الإرهاب تقريباً. الهدف الجديد يجب أن يكون التنظيم الإرهابي شرق الفرات، لكن ذلك يعتمد على قوة مرتبطة بالاقتصاد. قد نشهد عمليات دقيقة حيث تقوم المخابرات التركية بتحييد ما يسمى بقادة حزب العمال الكردستاني / حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا".استهداف قيادات كرديةبالنسبة لحزب العمال الكردستاني، فقد يكون التفجير ردا على الضربات الجوية التي تنفذها تركيا بحق قيادات كردية، خصوصا في شمال شرق سوريا، إذ بات لا يخلو شهر من استهداف قيادي له مكانته في المجتمع والقرار الكردي. في السياق، يقول الرئيس مشترك لمجلس سوريا الديمقراطي "مسد" رياض درار في تصريح إلى منصة المشهد: "لا نعرف ماهو رد الفعل التركي تجاه هذا الحدث المفاجئ، والاحتمالات مفتوحة، ولا توجد ضمانات أميركية بالمعنى الكامل، ما جرى حتى الآن هو استهدف قيادات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية بطائرات مسيرة. ربما لا يكون هناك تصعيد تركي عسكري على الأرض، الأمر مفاجئ، ولا أدري كيف سيكون الرد". في المقابل، يبيّن أصلان أن تفاوض إردوغان مع حزب العمال الكردستاني وحاول إقناعهم بإلقاء أسلحتهم خلال ما يسمى بـ "فترة الاعتدال". وأضاف: "أسفرت فترة المفاوضات عن خسارة كبيرة لأصوات حزب إردوغان. ولن تكون الهجمات الإرهابية هي معيار نجاح الناخبين الأتراك، بل مدى نجاحه في مكافحة الإرهاب، وهو ما كان عليه الحال في الماضي". وتتّهم الحكومة التركية "حزب الشعوب الديمقراطي" المؤيد للأكراد في تركيا بالارتباط بـ"حزب العمال الكردستاني"، وأنه الجناح السياسي للحزب، وهو ما ينفيه الأخير باستمرار، نتيجة لذلك وبعد الهجوم الأخير قد تضييق تركيا الخناق أكثر على الحزب، في ظل ظروف تسمح للحكومة بذلك. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الحزب صلاح الدين دميرتاش يقبع في السجن منذ عام 2016 بتهم على صلة بالإرهاب.عداء تاريخي بين تركيا والأكراديعتبر العداء التركي-الكردي قديما، ويصنف حزب العمال الكردستاني من قبل الاتحاد الأوروبي وتركيا والولايات المتحدة على أنه جماعة إرهابية. في عام 1978، دعا الحزب إلى إقامة دولة كردية مستقلة في جنوب شرق تركيا، وعلى الحدود في كل من سوريا وتركيا والعراق وإيران. ويشكل الأكراد 20% من المجتمع التركي، لكن رغم ذلك يتم تهميشهم وتحجيمهم من قبل الحكومة التركية. في المقابل، يستهدف حزب العمال الكردستاني أهدافا تركية باستمرار، فلا يكاد أن يمر عام أو عامين من دون استهداف كردي للقوات التركية. وفي عام 2013، حدثت نقلة نوعية في العلاقات التركية الكردية، حيث بدأت الحكومة التركية مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني سعيا لإيجاد حل للقضية الكردية، لكن سرعان ما عاد الاقتتال من جديد بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في عام 2015. بعد انهيار الاتفاق، شدّدت الحكومة التركية الخناق على الأكراد من جديد، مستغلةً محاولة انقلابية شهدتها البلاد في عام 2016، واستهدفت نشطاء أكرادا، على الرغم من اتّهامها حركة فتح الله غولن الدينية بالوقوف وراء الانقلاب.(المشهد)