بعد أكثر من 11 شهرا من بدء الحرب الروسية الأوكرانية، تعرضت مدن في أوكرانيا إلى قصف عنيف من قبل الجيش الروسي على غرار خيرسون وماريوبول وميليتوبول، التي كانت تحتوي على متاحف تاريخية وآثار .شهود عيان تحدثوا عن تفاصيل إحدى مشاهد دخول الجيش الروسي إلى خيسرون ومحاصرته المتحف الإقليمي للفنون وقيامه بإفراغ محتوياته بواسطة 5 شاحنات ضخمة، ووصفوا المشهد بأنه هجوم عسكري خُطط له بعناية كبيرة، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.وتعقيبا على ذلك، قالت مديرة المتحف ألينا دوتسينكو، التي عادت إليه من كييف في أوائل نوفمبر الماضي: "كدت أفقد عقلي". واتهمت الصحيفة في متن تقريرها روسيا بأنها دمرت أوكرانيا بضرباتها الصاروخية القاتلة والفظائع الوحشية ضد المدنيين، وقامت بـ"نهب المؤسسات الثقافية في البلاد لبعض أهم المساهمات المحمية بشكل مكثف لأوكرانيا وأسلافها منذ آلاف السنين".أكبر عملية سرقة يقول خبراء الفن الدوليون إن النهب قد يكون أكبر عملية سرقة فنية جماعية منذ نهب النازيون أوروبا في الحرب العالمية الثانية. وفي خيرسون جنوبي أوكرانيا، يقول المحققون الأوكرانيون ومديرو المتاحف إن الروس سرقوا أكثر من 15000 قطعة من الفنون الجميلة والتحف الفريدة من نوعها. وقام الروس وفق المحققين، بسحب التماثيل البرونزية من المتنزهات ورفعوا الكتب من مكتبة علمية على ضفاف النهر وعبأوا عظام غريغوري بوتيمكين (عاشق كاثرين العظيمة) البالغة من العمر 200 عام وحتى سرقوا راكونا من حديقة الحيوانات تاركين وراءهم أثرا شاغرا. مع استمرار المحققين الأوكرانيين بتصنيف الخسائر في اللوحات الزيتية المفقودة والنماذج القديمة والأواني البرونزية والعملات المعدنية والقلائد، من المرجح أن يزداد عدد العناصر المسروقة المبلغ عنها. هجوم على الهوية ويشدد مسؤولون أوكرانيون وخبراء دوليون على أن النهب ليس حالة من سوء السلوك العشوائي أو الانتهازي من قبل عدد قليل من القوات الروسية ذات السلوك السيئ أو حتى الرغبة في جني ربح سريع من السوق السوداء. وبدلا من ذلك، فإنهم يعتقدون أن السرقات هي هجوم واسع النطاق على الثقافة والهوية الأوكرانية بما يتفق مع موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قلل باستمرار من أهمية فكرة أوكرانيا كدولة منفصلة واستخدمها كمركز مركزي، وهي الأساس المنطقي لغزوه، بحسب التقرير. بدوره، قال جيمس راتكليف الذي يشغل منصب المستشار العام لسجل فقدان الفن وهي منظمة مقرها لندن تتعقب الأعمال الفنية المسروقة: "ليس الأمر وكأن جنديا يضع كأسا فضيا في حقيبته" مبينا "هذا نطاق أكبر بكثير".بأحد المتاحف في ميليتوبول التي تقع جنوبي أوكرانيا واستولى عليها الروس أول أيام من الحرب، قال شهود عيان إن حراس أمن المتحف وغيرهم أجبروا على المساعدة في عملية تفريغ محتويات المتحف. وأكد وزير الثقافة الأوكراني أولكسندر تكاتشينكو حين كان يتجول في متحف خيرسون الفني "المنهوب" إنه "إذا سرقوا تراثنا، فإنهم يعتقدون أننا لن نستمر في العيش والإبداع، لكننا سنفعل".ومع اندلاع الحرب، تعمل مجموعة من المحامين وخبراء الفن الأوكرانيين ليل نهار لجمع الأدلة لما يأملون في أن تكون محاكمات مستقبلية للجرائم الثقافية.وأوضح راتكليف أن "الجميع في مجال الفن في حالة تأهب قصوى للبحث عن القطع المنهوبة"، مشيرا إلى أن منظمته سجلت بالفعل أكثر من 2000 قطعة من أوكرانيا يُعتقد أنها سُرقت وأخرى معرضة للخطر بما في ذلك لوحات من متحف خيرسون للفنون.معاهدة عام 1954 يتهم الأوكرانيون الروس بخرق المعاهدات الدولية التي تحظر نهب الفن، مثل اتفاقية عام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نشوب صراع مسلح. المعاهدة التي تم إنشاؤها في أعقاب الحرب العالمية الثانية ووقعت عليها كل من أوكرانيا وروسيا، تدعو الموقعين إلى "حظر ومنع وإذا لزم الأمر وضع حد لأي شكل من أشكال سرقة" الممتلكات الثقافية. وحول ما حدث للتماثيل التي اختفت من خيرسون، قال نائب مدير المدينة كيريل ستريموسوف الذي عينته روسيا "لا داعي للذعر"، وهو تصريح له قبل أن يقتل بحادث سيارة "مريب"، بحسب الصحيفة.وزاد أنه عندما يتوقف القتال فإن المعالم "ستعود بالتأكيد" وأن "كل شيء يتم من أجل الحفاظ على التراث التاريخي لمدينة خيرسون". لوحات عدة تم "نهبها" من متحف خيرسون منها لوحة "بيكيه على ضفة النهر" ولوحة غروب الشمس لرسام المنمنمات إيفان بوكيتونوف و"وقت الخريف" للمخرج هيورهي كورناكوف التي ظهرت مؤخرا بمتحف في شبه جزيرة القرم على البحر الأسود. وقال مدير متحف شبه جزيرة القرم أندريه مالجوين لصحيفة ألباييس الإسبانية "لدينا 10000 قطعة ونحن نقوم بجردها".ليست المرة الأولىالتقرير أشار إلى أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي تتدخل فيها روسيا في الفن أو الثقافة الأوكرانية، وأنه لمئات السنين خلال الإمبراطورية الروسية ثم في القرن العشرين خلال الحقبة السوفياتية حاولت موسكو باستمرار قمع اللغة الأوكرانية وأي شيء من شأنه أن يعزز الهوية في أوكرانيا. بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، قالت منظمة الشرطة الدولية "الإنتربول" إنها كانت تبحث عن 52 لوحة لفنانين أوكرانيين تم نقلها بشكل غير قانوني إلى متحف فني في سيمفيروبول، وهي ثاني أكبر مدينة بشبه جزيرة القرم في مارس 2014. وعندما اندلعت الحرب في فبراير 2022، سارع المسؤولون الأوكرانيون إلى لف التماثيل في الهواء الطلق بأكياس الرمل وتم نقل الأعمال الفنية الثمينة إلى أقبية تحت الأرض.(ترجمات)