تواجه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين المعروفة باسم "الأونروا"، تحديا جديدا على صعيد استمرار عملياتها في قطاع غزة وبالمنطقة ككل، مع إيقاف دول عدة للتمويل الجديد المخصص لها على خلفية الادعاءات الإسرائيلية بتورط بعض موظفيها في هجوم 7 أكتوبر. وأعلنت "الأونروا" الجمعة أن السلطات الإسرائيلية قدمت معلومات عن الاشتباه بضلوع عدد من موظفيها في هجوم 7 أكتوبر داخل الأراضي الإسرائيلية، حيث قال المفوض العام فيليب لازاريني في بيان "من أجل حماية قدرة الوكالة على تقديم المساعدات الإنسانية، قررت إنهاء عقود هؤلاء الموظفين على الفور وفتح تحقيق حتى إثبات الحقيقة من دون تأخير". وكشف تقرير لصحفية "نيويورك تايمز" الأميركية أن عدد الموظفين المفصولين يبلغ 12 وجميعهم رجال، حسبما ذكر مسؤول أممي اطلع على الاتهامات، والذي قال أيضا "الاتهامات خطيرة ومروعة للغاية". وتعهد المفوض العام لوكالة "الأونروا"، بـ"محاسبة كلّ موظف تورط في أعمال إرهابية، بما في ذلك من خلال ملاحقات قضائية"، مكررا في بيانه "التنديد بأشد العبارات" بهجوم "حماس"، والدعوة إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن الأسرى الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين.أميركا توقف التمويل.. والاتحاد الأوروبي ينتظر نتائج التحقيقوعلى إثر ذلك، سارعت الولايات المتحدة لإعلان أنها "ستعلّق مؤقتًا" التمويل الجديد لـ"الأونروا" على خلفية الادعاءات. وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في بيان "إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء المزاعم القائلة إن 12 موظفًا لدى الأونروا قد يكونون متورطين في الهجوم (الإرهابي) الذي شنته حركة (حماس) على إسرائيل". وانضمت إلى الولايات المتحدة، كل من كندا وأستراليا وإيطاليا لوقف تمويل الوكالة الأممية، إذ أكد وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني التزام بلاده على توفير مساعدة إنسانية للشعب الفلسطيني بالتوازي مع حماية أمن إسرائيل. وحتى اللحظة لم يتخذ الاتحاد الأوروبي موقفا متشددا بشأن التمويل المخصص لوكالة "الأونروا"، حيث قال المتحدث الإقليمي باسم الاتحاد الأوروبي لويس ميغيل في تصريح خاص لمنصة "المشهد" إن التكتل ينتظر نتائج التحقيق الكامل والشامل بشأن تورط بعض الموظفين في هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل. وأضاف ميغل ردا على سؤال من "المشهد" حول إمكانية وقف الاتحاد الأوروبي للتمويل المخصص للوكالة الأممية: "سيقوم الاتحاد الأوروبي بتقييم الخطوات الإضافية واستخلاص الدروس استنادا إلى نتائج التحقيق الكامل والشامل". وأكد المتحدث الإقليمي باسم الاتحاد الأوروبي في تصريحاته لـ"المشهد" أنهم على اتصال مع "الأونروا"، ويتوقعون أن توفر الوكالة الأممية الشفافية الكاملة بشأن الادعاءات "وأن تتخذ تدابير فورية ضد الموظفين المعنيين"، مشيرا إلى أن "الاتحاد الأوروبي يشعر بقلق بالغ إزاء الادعاءات المتعلقة بتورط موظفين من الأونروا في هجمات 7 أكتوبر (الإرهابية) في إسرائيل". وانتقد الناشط في حماية حقوق اللاجئين قصي دالي خلال حديثه مع منصة "المشهد" قرارات بعض الدول بإيقاف تمويل وكالة الأونروا، معتبرا أنها تمثل "استمرارية للنهج المتبع للضغط على المدنيين في غزة بطريقة مختلفة، غير تلك التي كانت تتبعها السلطات الإسرائيلية بشكل فاضح في منع وصول المساعدات الإنسانية علانية، وذلك قبل قرارات محكمة العدل الدولية في هذا الصدد". بدورها، تؤكد المحامية والأستاذة في مجال هجرة اللاجئين بالجامعة الأردنية سمر محارب خلال حديثها مع منصة "المشهد" أن القرار يشمل المساهمات الجديدة، و"بالتالي فإن التأثير على عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية الجارية في غزة لن يكون فوريا، ومن المتوقع أنه بحلول الوقت الذي تحين فيه المساهمات المالية التالية، ستكون التحقيقات قد أسفرت عن استنتاجات ثابتة". توقعات بتبني المزيد من الدول موقف أميركاتُعد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، واحدة من أكبر جهات التوظيف في غزة، حيث يعمل لديها 13000 موظف، كما أنها تقود معظم عمليات المساعدة التعليمية والصحية والغذائية في القطاع ومخيمات أخرى في دول الجوار، إلى جانب عمليات الإغاثة الحالية للنازحين بفعل الحرب منذ 7 أكتوبر.ويعرقل إيقاف تمويل "الأونروا" الجهود الرامية لاستمرار مساعدة المدنيين في غزة، بحسب ما يضيف الناشط قصي دالي، مشيرا إلى أن "القرار لا يؤثر فقط على داخل غزة، بل في داخل فلسطين وخارجها، حيث إن هناك آلافا من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون ظروفا صعبة في بلدان اللجوء التي تواجه أزمات متعاقبة". وتدير "الأونروا" التي تستفيد من دعم الدول الأعضاء بالأمم المتحدة والحكومات الإقليمية والاتحاد الأوروبي وتمثل جميعها أكثر من 93.28% من التبرعات المالية للوكالة مكاتب في سوريا ولبنان والأردن، وذلك إلى جانب الضفة الغربية وغزة. وبحسب الموقع الإلكتروني لوكالة الأمم المتحدة، فإنها ترعى 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني في نحو 58 مخيما للاجئين، أغلبيتهم خارج الأراضي الفلسطينية. وأبدى المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي تقديره للدور الذي تقوم به "الأونروا" على مدار سنوات، قائلا لمنصة "المشهد": "الأونروا تقوم بدور حيوي على مدى سنوات عديدة في دعم اللاجئين الفلسطينيين في الحصول على الخدمات الحيوية مثل التعليم والصحة، وهي شريك حاسم للمجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي". رغم ذلك، يتوقع الناشط في حماية حقوق اللاجئين قصي دالي أن تقدم دول عدة على اتباع نهج مشابه لقرار الولايات المتحدة وإيقاف التمويل المخصص للوكالة، قائلا: "أعتقد أننا نشهد صراعا في تقاسم المصالح على المستوى العالمي بشكل غير مسبوق، وبالتالي قد تتفوق المصالح السياسية والاقتصادية على حقوق الإنسان". وترى والأستاذة في مجال هجرة اللاجئين سمر محارب أن " من المتوقع أن يعلق عدد محدود من الدول مساهماته التالية في الوكالة الأممية حتى يتم تقاسم نتائج التحقيق"، لافتة إلى أن مثل هذا الأمر حدث في الماضي مع كل من الأونروا ووكالات الأمم المتحدة الأخرى عندما كان هناك ادعاء بانتهاكات خطيرة للنزاهة.هل هناك نوايا سياسية وراء ذلك؟اعتادت إسرائيل اتهام وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بمساعدة المسلحين في قطاع غزة، وذلك منذ فترة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان قبل أكثر من عقدين. كما كانت أيضا الولايات المتحدة، الداعم البارز للوكالة، على رأس المنتقدين لها في أكثر من مناسبة، وسحبت تمويلها في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب التي اعتبرت أنشطتها "منحازة بشكل لا يمكن إصلاحه"، لكن ذلك تغير مع وصول جو بايدن والإعلان عام 2021 عن تمويل جديد للأونروا. ورغم ذلك، تدفع المستجدات الأخيرة المحلل السياسيّ الفلسطينيّ والباحث في العلاقات الدولية أشرف عكّة لاعتبار أن إيقاف التمويل يرتبط بمواقف سياسية تتبناها الدول الممولة تجاه إسرائيل والحرب في غزة. ويقول عكّة خلال حديثه مع منصة "المشهد": "الوكالة الأممية أوقفت هؤلاء الموظفين ويجري التحقيق معهم لمحاسبتهم، وهذا إجراء له علاقة بمهامهم الوظيفية. لكن لا يعني هذا أن تقوم الولايات المتحدة أو أي دولة بوقف التمويل لوكالة دولية معنية برعاية اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرار دولي". ويضيف المحلل السياسيّ: "قرار الولايات المتحدة وبعض الدول يأتي في إطار الضغط على المؤسسات الدولية حتى لا تقوم بأي إجراءات ضد إسرائيل". وتؤكد هذا الرأي الباحثة في مجال هجرة اللاجئين سمر محارب، والتي تقول إن "جوهر التهم وتوقيتها يعكس ضعف إسرائيل ويأسها من خسارة معركة العلاقات العامة بسبب هجومها على غزة"، مشيرة إلى أن الأونروا هي نقطة "الضعف" في منظومة الأمم المتحدة، ومن خلال محاولة تقويضها، فإن إسرائيل تحاول بشكل غير مباشر تقويض شرعية محكمة العدل الدولية، وهي واحدة من الأذرع الرئيسية للأمم المتحدة. وعلى مدار الأشهر الأربعة الماضية من الحرب المستعرة، اتهمت "الأونروا" في بيانات عدة إسرائيل باستهداف المباني والمقار التابعة لها بقطاع غزة، كما قالت إن ملاجئها تأثر بشكل مباشر وغير مباشر جراء النشاط العسكري، وأن ما يقرب من 150 موظفا يعملون لصالحها لقوا حتفهم في القطاع منذ 7 أكتوبر. ويعتقد المحلل السياسيّ أشرف عكّة في حديثه مع "المشهد" أن إيقاف التمويل محاولة لاستباق أيضا لأي رؤية سياسية تجاه إيجاد حل للأزمة في المستقبل، "وهو ما يتعارض مع الرؤية السياسية التي ترتبط بمطالب الفلسطينيين بضرورة عودة اللاجئين إلى الأراضي على أساس قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194". ويضيف: "عودة اللاجئين الفلسطينيين يُعد عمليا إحدى قضايا الحل الدائم والنهائي ضمن القضايا الـ5 التي كانت مطروحة على جدول المفاوضات خلال العقود الماضية. وأن تفكيك المؤسسات المعنية باللاجئين هي محاولة واضحة لفرض حل سياسي على المنطقة له علاقة بالمستقبل في غزة وفلسطين من دون اللاجئين". وأكدت إسرائيل بشكل مباشر على أنها تسعى لإنهاء أي دور للأونروا في غزة بعد الحرب، حيث قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس السبت إن الوزارة تهدف إلى ضمان "ألا تكون الأونروا جزءا من المرحلة" التي تلي الحرب.هل يحق لموظفي الوكالات الأممية الانحياز؟واتفق الخبراء والمحللون خلال حديثهم مع منصة "المشهد" أن المؤسسات الإنسانية والإغاثية لا يجب أن تتحمل مسؤولية خطأ موظفها، وأن هذا لا يتعارض في نفس الوقع مع أن "العاملين في المنظمات الإنسانية الدولية يجب أن يكونوا غير منحازين، وأن يقدموا المساعدة الإنسانية وفقا لمبادئ ومهمة وأهداف المنظمة المحددة مسبقا"، حسبما يقول الناشط في حماية حقوق اللاجئين قصي دالي.ويضيف دالي: "يجب الأخذ بالاعتبار أنه قد تحصل تجاوزات في المؤسسات الإنسانية، كأي مؤسسة أخرى، وهناك أطر محددة لمعالجة التجاوزات. لذا من غير المنطق معاقبة المؤسسة الإنسانية بالكامل، لمجرد الشك بأن ارتكب أفراد من العاملين أخطاء أو تجاوز، لأن هذا يعرقل الجهود الإنسانية وسيؤثر على إنقاذ أرواح الناس وحماية حقوقهم ومساعدتهم على العيش". من جانبها، تقول الباحثة في مجال هجرة اللاجئين بالجامعة الأردنية سمر محارب إن "موظفي منظمات الإغاثة/الإنسانية، بغض النظر عما إذا كانت الأمم المتحدة أو الصليب الأحمر/الهلال أو المنظمات غير الحكومية الدولية أو المحلية، يلتزمون بما يسمى بالمبادئ الإنسانية للإنسانية والنزاهة والحياد والاستقلال التشغيلي". وتضيف: "في الحالة الحالية، هناك انتهاك محتمل لمبدأ الحياد. وبموجب هذا المبدأ الإنساني، حيث لا يسمح للعاملين في المجال الإنساني إبداء وجهات نظر حول مسائل سياسية أو دينية أو غيرها، بما في ذلك من خلال المشاركة العسكرية أو السياسية".وأشارت إلى أن "لهم الحق في التصويت ولديهم آراء سياسية أو دينية، ولكن لا يسمح بالتعبير العلني عن هذه الآراء لأنهم ينتهكون مبدأ الحياد. وفي هذه الحالة، لا يسمح بدعم (حماس) علنا، أو الانخراط في أعمال سياسية أو عسكرية نيابة عن الحركة أو أي حزب أو حركة سياسية أخرى في هذا الشأن".(المشهد)