لطالما تحدث العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، عن إصلاح سياسي يقود نحو تحول ديمقراطي يعزز المشاركة الشعبية في صنع القرار، ينتهي بالوصول إلى تشكيل حكومات برلمانية.وأصدر الملك 7 أوراق نقاشية مثلت على مدار أعوام رؤيته في تحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل. وفي يونيو 2021، تم تشكيل لجنة ملكية مُكلّفة بتقديم مقترحات تعديلات على قانوني الانتخاب والأحزاب، والنظر في تعديلات دستورية متصلة بالقانونين وآليات العمل النيابي. وفي يناير 2022، أقر البرلمان الأردني 26 تعديلا مقترحا من أصل 30 على الدستور، أرسلتها الحكومة بناءً على مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، حيث جرى تخصيص 41 مقعدا برلمانيا من أصل 138 للأحزاب، في انتخابات مجلس النواب الـ20. وبهذا التخصيص، سيرتفع عدد مقاعد الأحزاب بما يُتيح لهم تشكيل حكومة برلمانية. 41 مقعدا للأحزابوأكد الرئيس السابق لمجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب العين الدكتور خالد الكلالدة، أنّ منظومة التحديث السياسي التي جرى إنجازها مؤخرا، شهدت تعديلات قانونية كثيرة في المسار السياسي والاقتصادي والإداري. وأوضح أنّ المسار السياسي انبثقت عنه تعديلات في قانوني الأحزاب والانتخاب، والذي فيهما جرى تخصيص 41 مقعدا للدائرة الانتخابية العامة على مستوى الوطن، والتي هي "حكر على الحزبيّين" في الترشح لها. وأضاف الكلالدة، الذي يشغل منصب عين في مجلس الأعيان الأردني حاليا، أنه جرى تكييف الأوضاع للأحزاب انتهت في مايو الماضي، حيث من يريد الترشح للانتخابات عن أيّ حزب، يُشترط أن يكون قد مضى على انتسابه له مدة لا تقل عن 6 أشهر. كما هو متوقع أن تجري الانتخابات البرلمانية في نهاية عام 2024، فإنّ "هناك مدة كافية للمرشحين كي تنطبق عليهم الشروط"، بحسب الكلالدة. إلى ذلك، قال أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية ليث نصراوين في تصريح لمنصة "المشهد"، إنّ الانتخابات النيابية المقبلة ستكون أولى محطات الإصلاح السياسي في الأردن الذي بدأ عام 2021. وأضاف أنّ قانون الانتخاب الجديد الذي أقره مجلس النواب في ما يخص القائمة العامة والقائمة الفرعية، سيكون أول تطبيق له في عام 2024 في انتخابات مجلس النواب الـ20. وأوضح نصراوين أنّ الدولة الأردنية انتهجت نهجا مختلفا هذه المرة، من حيث أنّ العاهل الأردني أكد في أكثر من مناسبة وآخرها منذ أيام، خلال لقائه برئيس وأعضاء مجلس أمناء حقوق الإنسان، على أنّ الانتخابات ستكون في العام 2024.ولفت إلى أنّ هذا الإعلان الملكي يحسم الجدل الدائر في الأردن مؤخرا، حول حل مجلس النواب والحكومة، كما توقف الحديث عن تمديد عمر مجلس النواب الحالي. وأكد: "النهج المختلف للحكومة حاليا يكمن في أنّ جميع التشريعات المتعلقة بالعملية الانتخابية أصبحت متوافرة، خصوصا بعد إقرار مجلس الوزراء لنظام تقسيم الدوائر الانتخابية قبل أيام". وأضاف نصراوين: "جميع التشريعات والقواعد القانونية الناظمة للانتخابات المقبلة أصبحت معروفة ومتاحة للجميع قبل مدة زمنية طويلة". وشدد على أنّ "هذا يعطي الأحزاب السياسية والمترشحين الفرصة الكافية لفهم القواعد القانونية والإجرائية". وقال: "على خلاف باقي الأعوام الماضية، بات هنالك وضوح في آلية وزمان ومكان إجراء الانتخابات النيابية". ما مدى الاختلاف؟ أكد نصراوين أنّ الانتخابات النيابية المقبلة ستكون مختلفة من حيث أنّ هناك مقاعد مخصصة للأحزاب السياسية، مشيرا إلى أنّ القائمة الحزبية الوطنية على مستوى الدائرة العامة، تختلف عن انتخابات عام 2013، من حيث أنها مخصصة للأحزاب السياسية بالإضافة إلى أنه جرى استحداث نسبة الحسم أو ما تُعرف بـ"العتبة". وجود الأحزاب السياسية بات أمرا واقعا في الانتخابات المقبلة، وهو ما أكده نصراوين مع وجود أقل عدد من الأحزاب بأكبر عدد من المرشحين. وأضاف: "لن تتكرر تجربة انتخابات 2013 التي أفضت إلى تمثيل كل قائمة وطنية بنائب أو اثنين". في القانون الجديد، يفترض أن يكون عدد ممثلي الأحزاب السياسية في المجلس المقبل أكبر عدد ممكن من أقل عدد للأحزاب، الأمر الذي يجب أن يكون نواة لعمل برلماني مؤسّسي كتلوي في المجلس القادم. ودعا نصراوين لعدم الإفراط بالتفاؤل بالوصول إلى الحكومة البرلمانية بمفهومها الكامل في مجلس النواب المقبل، بسبب أنّ عدد المقاعد المخصصة للأحزاب هي 41 فقط من أصل 138 مقعدا. وقال: "على سبيل المثال، حزب ما فاز بجميع مقاعد القائمة الوطنية وهي فرضية مستحيلة، فلن يحقق الأغلبية المطلوبة للفوز بأغلبية المقاعد في المجلس". وشدد على أنّ الحكومة المقبلة لن تكون حزبية بالمعنى الدستوري الكامل، لكن قد تأخذ أشكالا أخرى للحكومة البرلمانية، من أهمها مشاركة الأحزاب السياسية في تسمية رئيس مجلس النواب ضمن مفهوم المشاورات الموجود سابقا، ويمكن لها أن تشكل تحالفات في حكومة ائتلاف، فيما يمكن لبعض ممثلي الأحزاب المشاركة في الحكومة المقبلة. وأكد نصراوين أنّ الحكومة المقبلة قد تأخذ أشكالا أكثر بساطة وقربًا من الحكومة البرلمانية. "نضوج سياسي" قال الخبير الدستوري إنّ قانون الأحزاب السياسية لعام 2022، أي أنه خلال 15 شهرا من عمر الدولة، تغيّر المفهوم الشعبي العام للأحزاب السياسية. وأضاف: "لم يعد الحزب السياسي جريمة، ولم يعد الحديث عنه من الكبائر أو من القضايا الممنوعة". أحزاب سياسية جديدة ظهرت في الأشهر الماضية، وقد لا يكون الشارع الأردني متقبلا لفكرتها بالكامل، إلا أنّ نصراوين أكد أنّ "ما تحقق على أرض الواقع خلال آخر 15 شهرا من تغيير النظرة العامة للأحزاب ومن شيطنتها سابقا، بات أمرا غير موجود حاليا". فيما قال الكلالدة إنّ المسألة لا تكمن في نضوج العمل السياسي، لكنّ فئة من الأردنيين لديهم أولويات حياتية. وأضاف: "أنّ القوى المحرّكة للمجتمع وهي فئة الشباب، عندما تعاني ارتفاعا في نسب البطالة والحديث عن نحو 500 ألف عاطل عن العمل، فهذه الفئة همّها الأساسي هو اقتصادي بحت وليس سياسيًا".ولحل هذ المشكلة، اعتبر أنه يجب البحث عن الأسباب الحقيقة للوصول إلى حلول، كما يجب أن يدرك الشباب أنهم إن أرادوا فرص عمل مع تكافؤ في الفرص عليهم الانخراط في عمل عام لتشكيل كتلة وازنة تمكنهم من تحقيق رغباتهم. توقّعات مبهمة وقال الكلالدة إن العملية الانتخابية المقبلة لا يمكن الحكم عليها حاليا، لأنها يجب أن تخضع للتجربة. وأضاف: "نظريا، جرى إنجاز خطوة تحتاج إلى خطوات لاحقة. كله مرهون فيما إذا نجحت الخطوة الأولى". وعن إمكانية نجاحها، شدد على أنها مقيدة بعوامل عدة، منها الذاتي التي تعود للأحزاب والتنظيمات، ومنها ما هو موضوعي وتتجلى في الظروف التي تسمح للأشخاص التنافس في المسار ضمن القوانين السارية. وقال: "يجب أن يعتاد المواطنون على مرشحين حزبيين ضمن برامج"، معتبرا أنه "لم يرَ" أية برامج جديدة.وجدّد العاهل الأردني الثلاثاء الالتزام بمسارات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري دون أي تراجع، وبما يضمن تحقيق التنمية الشاملة ورفع نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين.هل من حكومة برلمانية عام 2024؟ القانون الجديد تحدّث صراحة عن "مسألة الخروج بحكومة برلمانية"، بحسب الكلالدة. وأضاف: "الهدف معقود عبر الأوراق الملكية النقاشية لترجمتها والوصول إلى حكومة برلمانية. هي لا تشترط أن يكون المواطنين حزبيين". وأكد أنه لو كان هناك كتلا في داخل البرلمان تشكل أغلبية، فإن تستطيع أن تشكل حكومة، وتستطيع أن تسقط أخرى إذا تم طرح الثقة بها. وأوضح الكلالدة أن تشكيل الحكومة يكون أسهل في حال وجود حزبيين ضمن كتل في البرلمان، بحيث يكون التفاهم فيما بينهم أكبر. وتضمنت التعديلات الدستورية في قانون الانتخاب، أنه لا يجوز الجمع بين "الوزارة والنيابة"، حيث أكد أن "الحزب يحتفظ بمقعده". وأضاف: "لا يجب أن يغيب عن البال أن الأحزاب مختصرة فقط على 41 مقعد"، حيث يمكن أن تنافس على باقي المقاعد أيضا.(المشهد)