"كنت متخوّفا من زيادة الرواتب بدلا من أن أكون سعيدا، لأنني أعلم ما الذي سيتبع الزيادة"، بهذه الكلمات رد الشاب سامي حقوق على سؤال "المشهد" حول زيادة الرواتب في سوريا بنسبة 100 %، ورفع الدعم عن المحروقات.حقوق كغيره من السوريين الذين بقوا داخل البلاد ولم يهاجروا، مبيّنا أنه نادم على قراره بعدم مغادرة البلاد، وبقائه بدمشق. استكمالا لاجتماعات لجان مجلس الشعب (البرلمان) التي أُعلن عنها قبل فترة، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد يوم أمس مرسوما تشريعيا، ينص على زيادة بنسبة 100% في الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والقطاع العام. تبع هذا القرار رفع الدعم عن المحروقات، حيث أصبح سعر مادة المازوت المقدّمة للمخابز التموينية الخاصة، 700 ليرة سورية للتر الواحد، فيما أصبح سعر مادة المازوت المدعوم للمستهلك 2000 ليرة سورية للتر الواحد. أما أسعار مبيع مادة البنزين الأوكتان 90 المدعوم فأصبح 8000 ليرة سورية للتر الواحد، فيما تم تحديد سعر مبيع مادة البنزين عالي الجودة الأوكتان 95، بـ 13500 ليرة سورية للتر الواحد.فوضى في الشارع السوري بعد إعلان القرار عن زيادة الرواتب ورفع الدعم عن المحروقات بساعات، ارتفعت أسعار المواد الغذائية وغيرها من المستلزمات الأساسية اليومية، إذ عادة ما يستغل التجار مثل هذه القرارات لرفع الأسعار، حتى قبل تطبيقه أو استلام الزيادة الجديدة، حيث تربط الجهات الاقتصادية الأسعار بالسوق السوداء للحفاظ على الأرباح. من جهة ثانية، توقّف عدد كبير من أصحاب الحافلات والسيارات الخاصة عن العمل في عدد من المحافظات السورية، وذلك بسبب رفع أسعار المحروقات من دون تحديد تسعيرة رسمية جديدة. يروي حقوق قائلا: "سادت الفوضى في الشارع السوري، سائقو الحافلات رفضوا اليوم الخروج إلى عملهم، وذلك لأنهم سيشترون المحروقات بسعر مرتفع، في مقابل عدم تحديد تسعيرة جديدة، الأمر الذي أحدث فوضى غير مسبوقة، لأنّ الموظفين وطلاب الجامعات يريدون الذهاب إلى مدارسهم وأعمالهم، ولم يجدوا وسائل نقل في الشوارع". ويضيف، "ناهيك عن ذلك، استغل سائقو السيارات الخاصة توقّف المواصلات العامة، ورفعوا أسعارهم إلى الضعف أو حتى إلى الضعفين، خصوصا أنّ هناك بعض الطلاب لديهم امتحانات ولا يمكنهم عدم الذهاب". ويقول حقوق، بأسف شديد "المواطنون في الشوارع، منتظرون أيّ وسيلة تساعدهم للوصول إلى أعمالهم، منهم من يستعين بسيارات غير مخصصة للركاب مثل سيارات نقل البضائع، فلا حيلة لهم إلا الصبر على هذه الأوضاع الخانقة". تتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرا بالعالم بنسبة 82.5%، فيما تشير تقديرات أخرى إلى أنّ نسبة الفقر في سوريا تجاوزت 90%، ويقدّر تقرير الأمم المتحدة حول الاحتياجات الإنسانية لسوريا في عام 2023، أنّ هناك 15.3 مليون شخص، 69% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، منهم 4.1 ملايين في حاجة ماسّة أو كارثية.أزمات متلاحقة من وجهة النظر الحكومية، فإنّ المسؤولية لا تقع عليها فقط، فهي تحاول "إدارة الأزمة" كما وصفها رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس، قائلا: "نحن جزءٌ من عالم تزداد فيه الأزمات عمقا وقسوة، وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية التي تعصف بكل الدول"، مشيرا إلى "التضخم وارتفاع التكاليف والزلزال المدمر، وارتفاع سعر الصرف، والحصار، وخسارة سوريا أهم موارد النفط ". ولا بد من الإشارة أنّ سوريا كغيرها من الدول تأثرت بالكساد الاقتصادي الذي تسبب فيه فيروس كورونا، لكن ما يجعل أزمتها مضاعفة، هي الحرب التي عصفت بها طوال الأعوام الماضية، تبعها العقوبات الاقتصادية، ولم تسلم البلاد أيضا من تبعات وآثار الحرب الروسية- الأوكرانية، التي أثّرت على كل دول العالم تقريبا. وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي حازم عوض في حديثه إلى منصة "المشهد"، أنّ "الراتب اليوم أصبح بلا قيمة، والزيادة التي أُقرت ستُدفع فروقات في الخدمات والضرائب، من المرجح أن ترتفع أسعار المياه والكهرباء والاتصالات، وكل الخدمات التي تقدمها الدولة، وبالتالي الزيادة سيتم دفعها". وبرأي عوض، "يجب تحرير راتب الموظف ليصبح قياسا بنسبة معيّنة من الدولار، أي يرتفع بتغيير قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، هذا الأمر يمكن أن يساعد نوعا ما، لأنّ ارتفاع نسب التضخم ليس بسبب ارتفاع أسعار المحروقات فقط، بل هناك عوامل سابقة كثيرة، مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج وغيرها من الأمور". ويرى الخبير الاقتصادي، أنه "يمكن للحكومة أن تساهم بخفض حدة التضخم من خلال مراجعة أو إلغاء المرسوم رقم 3، المتعلق بعدم التعامل بغير الليرة السورية لشرائح معيّنة من المجتمع، الأمر الذي سيساعد على ضخ القطع الأجنبي في الأسواق، وأيضا سيسمح للبعض بتقدير رواتب الموظفين خصوصا الشركات الخاصة، بالدولار، ما يزيد من القدرة الشرائية بشكل عام". ويستغرب عوض من توقيت القرار، قائلا: "التوقيت خاطئ جدا من ناحية أنه جاء في منتصف الشهر، علما أنّ الموظفين حصلوا على رواتبهم في أول الشهر، إذ حدث تضخم مفاجئ وارتفاع للأسعار، و لم يعُد المواطنون قادرين على إكمال بقية أيام الشهر، ظهر ذلك بشكل مباشر في الشارع، حيث شُلّت الحركة في البلاد، والعديد من المحال التجارية أغلقت أبوابها، إضافة إلى توقف حركة المواصلات، فلا بدّ لقرارات كهذه أن تحصل مع نهاية الشهر وليس بمنتصفه". وينهي عوض حديثه بقوله، "الموظف في القطاع الخاص أفضل بقليل من الموظف في القطاع العام، كونه سيحصل على زيادة معقولة في الراتب تتناسب مع رفع الأسعار التي ستحصل بفعل ارتفاع تكاليف الانتاج".حالة يأس على وسائل التواصل الاجتماعي تعيش سوريا واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية في تاريخها، في وقت تخسر فيه الليرة من قيمتها كل يوم تقريبا، مع تجاوز الدولار عتبة لـ 15 ألف ليرة، تزامن ذلك مع عجز حكومي لحل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وفقدان دمشق لأهم وأكبر حقول النفط في شمال شرق سوريا "شرق الفرات"، مع ضعف قطاع السياحة في البلاد، وتدمير البنى التحتية في عدد من المحافظات السورية بفعل الحرب. انعكست الفوضى التي عمّت البلاد على خلفية زياد الرواتب ورفع الدعم عن المحروقات، على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استنكر السوريون القرارات الحكومية التي وصفوها بـ"غير العقلانية". على خلفية ذلك علق السوريون على الوضع الراهن، كتب الخبير الاقتصادي زياد غصن على فيسبوك، "مشهد هذا الصباح يقول: نحن لسنا بأيدٍ أمينة". فيما طالب الصحفي فراس القاضي وزارة التعليم العالي، بمراعاة الطلاب، قائلًا، "السيد وزير التعليم العالي، الكثير من الطلبة لم يصلوا إلى امتحاناتهم اليوم، بسبب توقّف عدد كبير من الحافلات عن العمل بعد رفع أسعار المحروقات، وبسبب طلب مبالغ كبيرة جدا من قبل سيارات الأجرة، لا ذنب لهؤلاء الطلبة، ولا بدّ من إعادة مواد اليوم لكل من لم يستطع الوصول، لو سمحت". (المشهد)