كغيرها من الأمّهات توجّهت فاتن حبيب في الصباح الباكر من مدينتها جبلة إلى حمص على بعد 140 كم تقريبا، لحضور حفل تخرّج ولدها ماجد مع 1499 من زملائه في الكلّية الحربية، "والضحكة والفرحة تعلوان وجهها منتظرة الضمّة" وفي حوزتها الأرزّ الذي جمعته من خلال رفع كمية قليلة "من كل طبخة لتنثره على ابنها الضابط" بعد تخرّجه. نجت فاتن وأبنها وأفراد عائلتهم من الهجوم، التي راح ضحيّتها 84 شخصا بينهم نساء وأطفال، وأصيب 240 آخرون وفق الأرقام الرسمية، بينما تتحدث مصادر أخرى عن تجاوز عدد الضحايا الـ120، في دليل واضح على هول الفاجعة التي تعرّضت لها المدينة المتوسّطة للجغرافيا السورية. وفي ظل الكارثة الإنسانية التي حلّت، إلّا أنّ استهداف الكلية العسكرية يثير التساؤلات حول من يقف وراء هذا الهجوم؟ وما الغاية منه؟ أصابع الاتهام تتوجه نحو تركيا يحمل الهجوم الذي استهدف إلى جانب الضبّاط الطلاب عددا كبيرا من المدنيّين، بينهم نساء وأطفال، رسائل سياسية معقّدة، تعكس تعقيدات الصراع في سوريا وتشابك مصالح الدول المنخرطة فيه بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يزيد من صعوبة تحديد الجهة التي تقف خلفه. لكن، استنادا على ديناميات الصراع، أشار أغلب المحلّلين إلى تركيا كالجهة الأكثر مصلحة بين داعمي الهجوم، الذي نفّذته جماعات مسلّحة متمركزة في الشمال السوري. تعليقا على ذلك، قال رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية في مجلس الشعب السوري بطرس مرجانة في تصريح خاص إلى منصة "المشهد"، إنّ "المستفيد بالدرجة الأولى من هذا الهجوم هو من يعادي الدولة السورية، وأهم مؤسساتها "الجيش العربي السوري". من قام بهذا العمل القذر هم الجماعات المصنّفة إرهابية بقرارات مجلس الأمن المتعددة، هذه العصابات التي تتمركز في الشمال الغربيّ من سوريا، وهي تحت حماية ووصاية تركيا التي تحتل هذه المنطقة، حيث إنّ هذه العصابات تحتاج إلى أذن من أجل هجمات كهذه". وأضاف مرجانة "لا يمكن لهذه الجماعات القيام بعمل كهذا من دون دعم لوجيستي. في الوقت ذاته هناك مستفيدون غير مباشرين، ويستطيع من يقرأ تواتر الأحداث بشكلها السريع، أن يستنتج من هو المستفيد ومدى الاستفادة".أسباب الهجوم على الكلية الحربيةتزامن الاستهداف مع الضربات التي تشنها تركيا في شمال شرق سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وذلك بعد الهجوم الانتحاريّ الذي تبنّاه حزب العمال الكردستاني في أنقرة قبل جلسة البرلمان، ما دفع البعض إلى اعتبار الاستهداف وسيلة لصرف الأنظار عن الاعتداءات التي تحصل في شمال شرق البلاد. لعبت المسيّرات دورا مهما في الحرب السورية، وساعدت أنقرة في إحكام سيطرتها على مناطق في شمال سوريا، لكنّ انتقال هذه التقنيّة المتقدّمة إلى يد التنظيمات المتطرفة، أو تلك التابعة لأنقرة، يزيد من مخاوف دمشق اليوم، ويمكن أن يؤدي إلى تغيير الوضع الراهن المفروض بحكم تفاهمات سوتشي وآستانا. واعتبر مصدر إعلاميّ سوريّ لمنصة "المشهد" مفضّلا عدم ذكر اسمه، أنّ "التصعيد الأخير قد يكون ورقة تركية للضغط على دمشق وإجبارها على القبول بالتطبيع بشروط أنقرة، أي عدم التمسّك بشرط انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، والتي تعتبرها دمشق قوى احتلال ووجود عسكريّ غير شرعيّ على أراضيها". وأضاف المصدر "الهجوم الأخير بالإضافة إلى تعزيزه للخطاب التركي المشدد على عدم جواز الانسحاب من دون حل نهائيّ يضمن زوال الإرهاب، وبالتالي التهديدات للأمن القوميّ التركي، يشير في الوقت ذاته إلى قدرة تركيّة على تصعيد الوضع الميداني في حل عدم الوصول إلى حل مرضي".الردّ السوري على هجوم حمصبعد الهجوم بمسيّرة أو أكثر على حفل التخرج في الكلية العسكرية بحمص، شهدت محاور بريف إدلب وحماه، استهدافات مدفعية وصاروخية وجوية من قبل سلاح الجو السوري - الروسي المشترك، تركزت على مقرات تابعة للفصائل المسلّحة المتمركزة هناك، وكانت سوريا قد توعّدت في بيان للخارجية "التنظيمات الإرهابيّة" بالردّ على الهجوم.في هذا الصدد، قال الكاتب والمحلل السياسي غسان يوسف في حديثه إلى منصة "المشهد"، إنّ "بيان الجيش أكد أنّ من يقف وراء هذا العمل هي جماعات تقف وراءها دول معروفة، ونلاحظ ردّ الجيش السوريّ كان باستهداف أوكار الإرهابيّين في إدلب، والمناطق التي تحتلها تركيا، والتي بدورها نقلت تقنية الطائرات المسيّرة إلى التنظيمات الإرهابية، واستخدمت هذه المسيّرات ضد عدد من المناطق، مثل ريف حماة ومصياف وريف اللاذقية وحتى وصلت إلى طرطوس".وشرح يوسف، "لذلك كل أصابع الاتهام تتجه نحو تركيا، وربما هي من تقف خلف هذا العمل لحرف الأنظار عن الضربات التي تقوم فيها شمال شرق سوريا، أو أيّ تخطيط تعمل عليه لشن عملية برية. هذا العمل شنيع ومدان لأنه استهدف مدنيّين وطلابا، لم يستهدف مستودعات ذخيرة أو جنود على خط النار". ترفض تركيا اتّهامات دمشق وحلفائها بدعم الفصائل المسلّحة المنتشرة على طول الجبهة من ريف حلب الغربي إلى ريف اللاذقية الشرقي مرورا بإدلب، كون معظمها من المجموعات التي تصنّفها الأمم المتّحدة ومعظم الدول الغربية بتنظيمات إرهابية، لارتباطها بشكل معلن أو غير مباشر بتنظيم القاعدة. لكن، في الوقت ذاته، تنشر أنقرة قوّاتها في المنطقة ضمن نقاط عسكرية تحت مسمّى نقاط مراقبة، حيث تتعهّد بموجب اتفاقية آستانا عام 2017 وما بعدها من تفاهمات في سوتشي وآستانا وموسكو، بضبط نشاط تلك التنظيمات ومنعها من الإخلال باتّفاقات وقف إطلاق النار وفرز المعارضة المعتدلة عن المتطرفة، بالإضافة إلى فتح طريق "أم 4" الذي يربط مدينة حلب الشمالية باللاذقيّة على ساحل المتوسّط، وهي التزامات لم تتحقق إلا في حدود وقف إطلاق النار الذي لم يسلم بدوره من الخروقات شبه اليومية. يشير هجوم حمص إلى تفاقم الصراع في سوريا وانتقاله إلى مستويات جديدة من العنف، فيما يتوقّع معظم المحلّلين الذين تحدّثوا إلى "منصّة المشهد" ردّ فعل عسكريّ قويّ من قبل دمشق وحليفتها موسكو، لفرض معادلة ردع تتيح إمكانية تهيئة الظروف المناسبة للحلّ السياسي.(المشهد)