أطلقت القوات الإسرائيلية الحملة العسكرية "السور الحديدي" على مدينة جنين ومخيمها، وتتواصل لليوم الثاني على التوالي، موقعة ضحايا وجرحى ويترافق معها تخريب وتدمير للبنية التحتية، وتتخللها اشتباكات مسلحة، في حين نزح قرابة 600 فلسطيني خارج مخيم جنين.وصرح محافظ مدينة جنين كمال أبو الرب، بأن "إسرائيل تريد إحراج السلطة الفلسطينية أمام العالم بأنها غير قادرة على حفظ الأمن في الضفة الغربية، وتهدف لتصدير صورة للعالم بأن الأوضاع في الضفة غير مستقرة، وهناك عنف، مما يستدعي تدخلها لبسط الأمن، وهي طريقة لاستمرار واتساع رقعة احتلال الأرض الفلسطينية". وتفيد التصريحات الرسمية الإسرائيلية بأن "العملية ستستمر، وبداية تحرك سيكون أوسع نطاقاً، وتهدف لمواصلة الحفاظ على حرية عمل الجيش الإسرائيلي في جميع أنحاء الضفة الغربية، وتدمير وتحييد البنية التحتية المسلحة والقنابل الموقوتة، ما دام ذلك ضرورياً". تزامناً، لم تحدد إسرائيل موعد إنهاء العملية، بل أكدت تصريحات تل أبيب بأن "القوات الإسرائيلية مستعدة لشن حملات عسكرية ملموسة"، ويعتقد أن القوات الإسرائيلية ستوسع عمليتها بالضفة التي حولت تصنيفها من "ساحة تهديد رئيسية" إلى "أحد أهداف الحرب". وفي هذا الإطار، دانت السلطة الفلسطينية "العملية الإسرائيلية في جنين وباقي الإجراءات العدوانية في الضفة الغربية"، في حين طالبت "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الفلسطينيين "بالنفير العام والتصديّ للعدوان الإسرائيلي في جنين وعموم الضفة، فالعملية ستفشل كبقية العمليات العسكرية السابقة". حصار عسكري إسرائيلي منذ الساعات الأولى لسريان اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، اتخذت إسرائيل خطوات مباشرة بالضفة، شملت عزل المدن، وتركيب بوابات حديدية، وفرض إغلاق شبه محكم على كل قرية ومدينة، تزامناً مع تنامي الاعتداءات الدامية لعصابات المستوطنين على الفلسطينيين، في المناطق كافة تحديداً القرى والبلدات المحاذية للمستوطنات الإسرائيلية، ونشرت القوات الإسرائيلية عشرات الحواجز العسكرية، وعززت وجودها بالبوابات الحديدية، والمكعبات الإسمنتية، وأغلقت عشرات الطرق الرئيسية والفرعية بالسواتر الترابية، وتسببت بتعطيل حركة وحياة الفلسطينيين، وقادت لأزمة مرور خانقة، حالت دون وصول الفلسطينيين لأماكن عملهم ومنازلهم. وأفادت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، إن أكثر من 146 بوابة حديدية أقامتها إسرائيل بأنحاء الضفة منذ اندلاع الحرب، منها 17 منذ بداية العام 2025، ويصل مجموع كل الحواجز العسكرية لـ898، موزعة بين بوابة وحاجز بكافة أشكاله، دائم أو مؤقت، أو حاجز ترابي ومكعبات وغيرها. الحملة العسكرية لالتهام الضفة الغربيةيكشف الخبير بالشأن الإسرائيلي فراس ياغي لمنصة "المشهد" المساعي والأهداف الإسرائيلية المنشودة من وراء الحملة العسكرية الإسرائيلية الحالية على الضفة الغربية والتي استهلتها في مدينة جنين ومخيمها، قائلاً "العملية العسكرية في الضفة الغربية والتي بدأت في مدينة جنين ومخيمها، بالأساس لاسترضاء اليمين الإسرائيلي، ولكي يبقى وزير المالية سموتريتش في الائتلاف الحاكم بإسرائيل، لكن في جوهرها هناك توجه إسرائيلي لفرض أمر واقع لبسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية بشكل كامل، والحملة العسكرية تأتي لتسريع المخططات بالضم والاستيطان على الأرض". واستطرد حديثه بالقول "هذا يستدعي ضرب كل المجموعات المقاومة الموجودة بالضفة الغربية، وإحداث ما تسميه إسرائيل تعزيز الأمن بالضفة، ووضعت هذا البند كهدف من أهداف الحرب، بمعنى أن إسرائيل ستفرض مسؤوليتها بشكل كامل على الضفة من دون اعتبار للسلطة الفلسطينية، أو حتى القرارت الشرعية الدولية، بما يشير أن التوجهات الحقيقية لإسرائيل تتعلق بسياسة الحسم العام 2025 ببسط السيادة على الضفة، عبر استغلال وجود ترامب بالبيت الأبيض، حيث يرى أعضاء حكومته بأن الضفة أرض توراتية، وجزء من إسرائيل وليس فلسطين، وقد يكون هناك توجه لشرعنة عمليات ضم الأراضي في الضفة الغربية وغور الأردن". وشدد الخبير ياغي في حديثه لمنصة "المشهد": "مما لاشك فيه، هناك مخطط واضحا لتيئيس الفلسطينيين ودفعهم إلى النزوح وتهجيرهم، حيث تسعى حكومة اليمين المتطرف إلى تنفيذ الإزاحة السكانية، بهدف تفريغ أطراف المخيمات والمدن من السكان، وقد تكون هذه الخطوة استباقية لأهداف مستقبلية، تمهيداً لعمليات واسعة النطاق في الضفة الغربية". السلطة و"حماس" في مواجهة "السور الحديدي"في المقلب الثاني، يعتقد الأكاديمي والمحلل السياسي د. أحمد رفيق عوض في حديثه لمنصة "المشهد" بأن "أهداف العملية العسكرية الإسرائيلية بالضفة: أولاً، رشوة سياسية لشركاء نتانياهو في الائتلاف الحاكم.ثانياً، إسرائيل تسعى لاستمرار الحرب وعدم وقفها، لأنها تمنع محاكمة نتانياهو وإبقاء الحكومة الحالية. ثالثاً، نتانياهو يريد أن يحرف الأنظار عن الصفقة التي يتهم بأنه كان مفرطاً جداً فيها. رابعاً، جبهة الضفة الغربية غير مكلفة على إسرائيل، ينتصر فيها نتانياهو كما يريد.خامساً، التمهيد الفعلي والعملي لضم الضفة الغربية وإضعاف السلطة الفلسطينية وإحراجها، لأنه لا يريدها أن تحكم في قطاع غزة، واستغلال الإدارة الأميركية الحالية. وحول ردود الأفعال المتوقعة للسلطة الفلسطينية رداً على الحملة العسكرية الإسرائيلية يجيب د. عوض قائلا: "بالتأكيد السلطة، ستكون ضد العملية العسكرية الإسرائيلية بالضفة، وإسرائيل لم تنسق معها، وستحاول أن تذهب للمؤسسات الدولية من أجل الاحتجاج والاعتراض، وربما ستكون هناك مقاومة شعبية بشكل أو بآخر". وأضاف "أما بخصوص حركة "حماس"، فإنها على الأغلب ستحاول استثمار العملية العسكرية، وتوسع من دائرة الاشتباك مع القوات الإسرائيلية، كون "حماس" معنية بأن يكون هناك اشتباك مع إسرائيل خصوصا بالضفة، للقول بأنه ما زالت "حماس موجودة، وتستطيع أن تؤثر ولها كلمة في الميدان طيلة الوقت".إسرائيل وجبهة الضفة الغربية أمام هذا الواقع المستجد بعد هدنة غزة، أوضح المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان لمنصة "المشهد" بأنه "لا مفر ولا حل أمام الحكومة الإسرائيلية وقوات الجيش الإسرائيلي، سوى أن تشرع بحملة عسكرية واسعة النطاق للتصدي لمخططات إيران بالمنطقة، وضد أوكار المخربين للقضاء عليهم تماماً، فإيران تلعب دوراً كبيراً بالمنطقة، وأقصد تهريب الأسلحة والأموال عن طريق الأردن إلى جهات مشبوهة، بهدف تأجيج الأحوال وإشعالها، وهي لا تسلح عناصر من "حماس" والجهاد الإسلامي فحسب، وإنما تمول كل هذه العمليات الإرهابية". وشدد المحلل السياسي نيسان في حديثه لمنصة "المشهد" على أن "الحكومة الإسرائيلية تعمل على كبح جماح هذه الظواهر والقضاء عليها كلياً، عبر حملة الأسوار الحديدية التي بدأت في جنين ومخيمها وستمتد لباقي المناطق بالضفة، وبدلاً من أن يصل المخربون إلى إسرائيل، قواتها وجيشها يصلون إليهم". ونفى الخبير السياسي الإسرائيلي رغبة الحكومة الإسرائيلية بضم الضفة الغربية قائلاً: "من حق إسرائيل أن تكون صاحبة السيادة على الضفة الغربية، لكن من الناحية الديمغرافية، والمسؤوليات التي ستترتب على إسرائيل إزاء هذه السيادة، لا أعتقد بأنه سيكون بإمكان إسرائيل تحمل كل هذه الأعباء".(المشهد - القدس)