قتل الطبيب البيطري بسام صباح وزوجته طبيبة الأسنان ربا وابنيهما طالب الطب وطالب الصف العاشر بدم بارد في منزلهم الكائن في حي القصور وسط مدينة بانياس التي تتوسط الشريط الساحلي بين مدينتي اللاذقية وطرطوس، دون أن يتمكّن أي من أقربائهم من الوصول إلى جثامينهم حتى ساعة إعداد التقرير. قصة عائلة الصبّاح واحدة من عشرات القصص التي شهدها الحي المذكور، ذو الغالبية العلوية في المدينة التي يتقاسمونها مع أشقائهم في الوطن من السنّة والمسيحيين منذ عقود."انتهاكات بحق العلويين"المرصد السوري لحقوق الإنسان قال إن "الإدارة الجديدة ووزارة الداخلية شريكان بالمجازر التي وقعت بحق الطائفة العلوية، مشيرا إلى ارتفاع حصيلة المواجهات في الساحل السوري إلى أكثر من 600 قتيل".تروي الصحفية السورية حلا منصور تفاصيل تصفية عائلة خالتها لـ"المشهد" قائلة "صباح أمس الجمعة، ومع توالي أنباء المجازر التي تعرّضت لها قرى علوية في الساحل السوري، كثّفنا من اتصالاتنا مع خالتي ربا، التي روت في العاشرة صباحاً دخول عناصر من الهيئة (قوات الأمن التابعة للحكومة السورية الانتقالية) مكونة من سوريين وأجانب إلى المنزل في الساعة التاسعة صباحاً لتفتيشه مشتكية من أن كل المحاولات لإقناعهم بدورهم في المصالحات والوساطات خلال سنوات الحرب الماضية لم تمنعهم عن تكسير البيت وإطلاق الرصاص في داخله وتكسير سيارتها". وتستطرد منصور قائلة "رغم الخسائر المادية كانت وكنا سعداء على سلامتهم، إلى أن فقدنا الاتّصال معهم حوالي الساعة الواحدة من بعد الظهر، فلم يعد أحد من العائلة يجيب على مكالماتنا إلى أن جاء الرد بعد الاتصال دون توقف من جارهم في البناء المقابل الذي أكّد دخول مجموعة مسلّحة إلى البناء الذي كان شبه خال من قاطنيه عدا عائلة خالتي وجيرانهم من عائلة حمامي المكونة من الرجل وزوجته وابنته، حيث وجدوا جميعهم وقد قتلوا بالرصاص داخل منازلهم". قصة عائلة صباح وحمامي، واحدة من مئات الحالات التي تكشّفت خلال الساعات الأخيرة، مع توقّعات بوجود مئات القصص المشابهة التي لم تتكشف بعد، وسط توارد الأنباء بشكل متتال عن انتهاكات شهدتها قرى تابعة لمدن اللاذقية وجبلة وطرطوس وحتى حماة في الشريط السوري الداخلي. وتأكّدت "المشهد" من خلال التواصل مع عشرات الناشطين وشهود العيان في سوريا، من وقوع أعمال انتقام على الهوّية استهدفت أبناء الطائفة العلوّية في قرية المختارية في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، حيث تم فرز الشبّان والرجال من القرية وإعدامهم ميدانياً. كما شهدت بلدات الصنوبرة في ريف جبلة وأرزة في ريف حماة أعمال قتل مشابهة، فيما خلى حي القصور في مدينة بانياس من سكّانه الذين توزعوا بين قتلى وفارين إلى القرى الجبلية المطلة على المدينة هرباً من عمليات التصفية. وأكّد شهود عيان إقدام أرتال المسلّحين بإطلاق النار على المارة في شوارع رئيسية على طريق حمص-طرطوس وفي الشوارع الفرعية في البلدات التي دخلوا عليها، مستهدفين كل من يتحرّك من المدنيين، فيما أظهرت مقاطع فيديو مسلّحين يجوبون على دراجات نارية في قرى علوية ويطلقون النار على السكان المدنيين مرددين هتافات طائفية.كيف انفجرت الأحداث؟ انطلقت شرارة الأحداث من ريف جبلة، وتحديداً من قرية "الدالية" حينما تعرّض رتل دورية تابعة للأمن العام لكمين بعد توترات مع الأهالي. ويروي أحد سكان القرية، مشترطاً عدم الكشف عن اسمه "لاعتقاده بوجود تهديد على حياته" أن "الدورية المذكورة اعتقلت نجل أحد أعيان القرية من بيت معروف، وهو طالب دون 18 من العمر، بحجة وجود بلاغ ضده، فحدثت مناوشات بين الأهالي والعناصر الذين وجّهوا لهم شتائم طائفية". ويستطرد الشاهد راوياً "قامت مجموعة مسلّحة بنصب كمين للدورية على الطرق العام بعد خروجها من القرية، حيث تم قتل معظم عناصرها، حسب الأنباء التي وصلت إلى القرية، فقامت القوّات العسكرية التابعة للحكومة الانتقالية بقصف القرية ومحيطها بالقذائق المدفعية والهاون من الكلية البحرية على مدخل مدينة جبلة، إلى جانب القصف الجوي عبر المروحيات". مع حلول ساعات المساء، انتشرت حالة من الفوضى في قرى جبلة، بالتزامن مع خروج مظاهرات في طرطوس واللاذقية وحمص رفضاً لحملات الاعتقال التي تشنها قوات الأمن العام، حيث كانت أحياء الدعتور واسناداً في اللاذقية شهدت قبل يومين حالات قتل وترهيب أثناء هذه الحملات التي تتم تحت عنوان ملاحقة فلول النظام، دون أن تؤدي إلى اعتقال أي من المطلوبين المفترضين، يرافقها إطلاق رصاص عشوائي على المنازل ما أدّى إلى مقتل طفل أمام فرن الخبز في حي الدعتور، وتصوير فيديوهات بخطابات طائفية، دفع الانتشار الواسع لأحدها بالسلطات الأمنية إلى الإعلان عن توقيف العنصر وإحالته إلى القضاء. بالتزامن مع حالة الفوضى شهدت مراكز تابعة للأمن العام في جبلة ومخافر في قرى طرطوس هجمات مسلّحة، وانتشر بيان منسوب إلى عميد في الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، شقيق الرئيس الفار، ويدعى غياث دلّا يعلن فيه "إنشاء وانطلاق المجلس العسكري لتحرير سوريا"، ليتم إعلان النفير العام من مساجد في إدلب وحماة رافقه تحريض طائفي على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتجه عشرات المجموعات المسلّحة من أرياف إدلب وحماة وحمص باتجاه الساحل وتنضم إلى التعزيزات العسكرية التي زجت بها الحكومة الانتقالية لمواجهة "فلول النظام".هدوء حذر ومخاوف متواصلة مع ساعات بعد ظهر السبت، أعلنت الحكومة الانتقالية عودة سيطرتها على جميع المناطق التي خسرتها في الساحل السوري، متوعّدة بملاحقة "فلول النظام" وعدم التهاون بهم، معترفة في الوقت ذاته "بارتكاب بعض المجموعات" لأفعال خارجة عن القانون تستوجب محاسبتها. وأكّد شادي ا. من سكان بانياس، تعرّض معظم المنازل التي يقطنها العلويون في حي القصور إلى النهب، مضيفاً أن اشتباكاً وقع بين الأمن العام وفصيل مسلّح معظم عناصره من القومية الشيشانية رفضوا الامتثال لأوامر الخروج من المدينة، وفي حالة مماثلة لما شهدته الكثير من المحلّات العائدة لعلويين في شارع جبلة الرئيسي، حسب مجد د. من سكان جبلة المدينة، إضافة إلى مئات السيارات التي تم نقلها إلى إدلب، حسب شهادته. كما أكّد النشطاء الذين تواصلت معهم "المشهد" تراجع حدة التوتّر في العديد من المناطق، وذلك بالتزامن مع إعلان الحكومة المؤقتة إيقاف الحملة الأمنية إلى حين إخراج المجموعات غير المنضبظة من منطقة الساحل، في محاولة لإبعاد شبهة ارتكاب الجرائم عن عناصرها. وتتضارب أرقام المنظّمات الحقوقية ومراصد الانتهاكات حول عدد القتلى، مع التأكيد على وجود مئات الحالات التي لم يتم الكشف عن أسمائهم ومواقعهم بعد، بانتظار عودة الهدوء والكهرباء إلى المناطق المنكوبة. انقسم السوريون في هذه المحنة، كما هو الحال منذ أكثر من 14 عاماً، بين محرّض ومتشّف بالقتلى وبين محذّر من عواقب مثل هذه الأعمال التي "لا تجلب إلا المزيد من الدم"، لكن أكثر ما كان لافتاً في منشوراتهم، قصص بعض المعارضين العلويين، الذين نجوا من اعتقال وتنكيل الأسد ليقضوا هم أو أفراد من عائلاتهم على يد "المجموعات المسلّحة" ومنهم الناشطة هنادي زحلوط، المعتقلة 3 مرات في سجون الأسد، والناشطة قبل الثورة ضد النظام، والتي نعت إخوتها الثلاثة، وتضامنت معها عضوة لجنة الحوار الوطني المحسوبة على الحكومة الانتقالية هند قبوات. في جو التحريض المستمر، والذي بات فيه كل علوي في سوريا متّهماً بكونه "من فلول النظام"، بات مطلب الكثير من العلويين الحفاظ على حياة من تبقى من النساء والأطفال في القرى المهددة والسماح بالوصول إلى جثث أقاربهم ودفنها. (المشهد)