مع مطلع العام الجاري، التقى ممثلو القوى المدنية بقيادة رئيس الحكومة السودانية السابق عبد الله حمدوك، مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وهو ما أثار التوترات مع الجيش السوداني.وعلى مدار الشهور الماضية، وجهت الحكومة السودانية والجيش، انتقادات قوية لقوى الحرية والتغيير والقوى المدنية، بسبب موقفها الحياديّ من الحرب، واتهمتها بأنها "الذراع السياسيّ للدعم السريع، وتسعى لتشكيل حكومة بالتعاون مع حميدتي".والأربعاء، وجهت النيابة العامة السودانية التابعة لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، اتهامات تصل عقوبتها إلى الإعدام لحمدوك و15 آخرين من القوى المدنية، من بينهم وزيرة الخارجية السابقة مريم الصادق المهدي.وقال التلفزيون الرسميّ السوداني، إنّ النيابة العامة "قيّدت بلاغًا" ضد رئيس وزراء الحكومة المدنية السابق عبد الله حمدوك و15 آخرين، بينهم قيادات حزبية وصحفيون، تتهمهم فيه بـ"تقويض الدستور وإثارة الحرب ضد الدولة"، وهي اتهامات تصل عقوبتها إلى الإعدام.ويقول القياديّ بقوى الحرية والتغيير جعفر حسن عثمان، إنّ هذا القرار "ليس له قيمة، وهو قرار سياسي صادر عن فلول النظام السابق، ومبنيّ على أكاذيب وأباطيل ليس لها صحة".وذكر عثمان، وهو أحد الأشخاص الذين أمرت النيابة بالقبض عليهم، في تصريحات خاصة لمنصة "المشهد"، أنّ "الدولة غائبة منذ بدء الحرب، ولا توجد شرعية لأيّ حكومة أو أيّ أحد الآن في السودان".وقال: "النائب العام الذي هو جزء من فلول النظام السابق، أصدر أوامر قبض بحق القوى المدنية التي تسعى للسلام، وترك الأشخاص الذين يُشعلون فتيل الحرب". وأضاف: "كان الأولى أن يُصدر أوامر بالقبض على قيادات النظام السابق الذين فروا من السجون، ومطلوبون للجنائية الدولية مثل عمر البشير، أو القبض على الأشخاص الذين يبثّون الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي"."أمر معيب"ويتفق المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير شهاب الدين الطيب مع هذا الرأي، ويقول إنه "أمر معيب أن يتم استخدام القانون لتصفية الخصومات السياسية، بدلًا من القبض على فلول النظام السابق المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية".وأضاف الطيب في حديثه مع منصة "المشهد"، أنّ "هذا القرار واحد من قرارات كثيرة صدرت مؤخرًا، تتضارب فيها مصالح المجموعات الموجودة في حكومة الأمر الواقع".وأكد عثمان أنّ هذا القرار الغرض منه هو التغطية على التقدمات الناجحة التي تقوم بها القوى المدنية لتحقيق السلام في السودان، ووقف الحرب.ويقيم عثمان وجميع الذين وُجهت إليهم اتهامات خارج السودان.واندلعت الحرب في السودان في منتصف أبريل الماضي، والتي تقترب من إتمام سنة، بسبب خلافات حول السلطات الممنوحة للجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمادن دقلو "حميدتي"، بموجب خطة مدعومة دوليًا للانتقال السياسيّ نحو حكم مدنيّ وإجراء انتخابات حرّة.ومع اندلاع الحرب اتخذت القوى المدنية موقف الحياد، وأعلنت عن مبادرات لمحاولة للتوصل لاتفاق مع القوى المتصارعة.ومنذ أشهر عدة يُجري حمدوك اتصالات مع أطراف سودانية وإقليمية، من أجل وقف الحرب في السودان عبر التفاوض.وتوصل حمدوك في إطار هذه المساعي، إلى اتفاق مع دقلو، على بدء مفاوضات لإنهاء النزاع الذي اندلع في أبريل 2023، بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف، وأجبر الملايين على الفرار، ودفع الدولة التي تعاني الفقر، إلى حافة المجاعة.وتأتي هذه الخطوة من جانب معسكر البرهان ضد حمدوك، بعد أن أعلن مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى السودان توم بيرييلو نهاية الشهر الماضي، عن أمله باستئناف طرفَي النزاع في السودان الحوار بعد رمضان، والعمل لمنع اندلاع حرب إقليمية أوسع، رغم فشل المفاوضات السابقة."قنبلة دخانية"ولم تسفر جولات محادثات سابقة جرت في مدينة جدة السعودية، سوى عن تعهّدات عامة بوقف النزاع في السودان، الذي كان يشهد مرحلة صعبة من الانتقال إلى الديمقراطية.ويرى المحلل السياسيّ فايز السليك، أنّ هذه القرارات "سياسية وليست قانونية، وجزء منها هو عبارة عن كيد سياسي".وذكر السليك في تصريحات لمنصة "المشهد"، أنّ هذا القرار هو عبارة عن "قنبلة دخانية" لتحويل الرأي العام عن ضرب كتيبة عطبرة بالمسيّرات، وتعطيل عمل القوى المدنية الساعية للتوصل لاتفاق نحو السلام.قُتل 12 شخصًا وأصيب 30 آخرون بجروح، في هجوم بواسطة طائرة مسيّرة في مدينة عطبرة الواقعة في شمال شرق السودان، والتي كانت بمنأًى من الحرب الدائرة في البلاد. وقال إنّ "هذه القرارات تثير الشفقة على الأشخاص الذين أصدروها". وأشار إلى أنّ القوى المدنية تقف على الحياد في هذه الحرب، وتسعى لوقف دائم لإطلاق النار.كارثة إنسانيةوأدى القتال منذ 15 أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، الرجل الثاني السابق في السلطة العسكرية، إلى مقتل آلاف السودانيّين ونزوح نحو 8 ملايين آخرين.مطلع مارس، دعا مجلس الأمن الدوليّ إلى وقف "فوريّ" لإطلاق النار في السودان خلال شهر رمضان، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق.ويواجه نحو 18 مليون سودانيّ خطر المجاعة، أي بزيادة 10 ملايين شخص مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ويعاني 730 ألف طفل من سوء التغذية الحاد.في وثيقة إلى مجلس الأمن الدوليّ اطّلعت عليها وكالة فرانس برس الأسبوع الماضي، حذر غريفيث من أنّ 5 ملايين سودانيّ قد يواجهون في غضون بضعة أشهر، "انعدام أمن غذائيّ كارثيّ"، بسبب الحرب الأهلية الدائرة في بلادهم.ورفض عثمان الاتهامات بأنّ القوى المدنية أصبحت الذراع السياسيّ لقوات الدعم السريع، وتسعى لتشكيل حكومة بالاتفاق مع حميدتي، وقال: "هذا الكلام غير صحيح، ودليل على عدم وجود موقف موحد داخل الجيش، لأنّ بعض الجيش على اتصال مع القيادات المدنية".وقال الطيب: "هذا القرار ليس لها قيمة، ولن يؤثر على مساعينا لوقف الحرب. (المشهد)