يتواصل الشدّ والجذب بين وزارة التربية في تونس ونقابات التعليم، على خلفية مطالب ترفعها هذه الأخيرة، تقول الأولى إنّها عاجزة حاليّا عن تلبيتها بسبب الأزمة الاقتصادية التي تخنق البلد، فيما يطلق الأولياء ومنظمات المجتمع المدني، صيحة فزع خوفًا من سنة دراسية بيضاء، بسبب التمسك بقرار حجب كشوف العلامات. وتعيش تونس على وقع صراع بين نقابتي التعليم الأساسي والثانوي، التابعتين للاتحاد العام التونسي للشغل ووزارة التربية، ألقى بظلاله على العام الدراسي الذي لا يزال مصيره غامضا، في ظلّ تمسك كلّ طرف بمواقفه، وبلغ القضاء بعد أن تقدّم مجموعة من الأولياء بقضيّة ضدّ النقابات، من أجل إجبارها على تسليم كشوف العلامات. وأعلنت نقابات التعليم الأساسي والثانوي في تونس، حجب كشوف العلامات (الدرجات) لاختبارات الفصلين الأوّل والثاني، ولا يُعرف مصير كشوف درجات الفصل الثالث والأخير، علمًا بأنّ نظام الامتحانات في تونس، يقوم على إجراءات اختبارات كلّ ثلاثة أشهر، يجري بعدها تقديم كشف بدرجات الطالب، ثم يقع احتساب مجموعها في نهاية العام، وإقرار ارتقائه إلى المستوى الموالي من عدمه بناءً عليها.ومساء الثلاثاء، عُقدت جلسة تفاوض بين نقابة التعليم الأساسي ووزارة التربية، لكنّها لم تنتهِ إلى حلّ للأزمة، فيما قالت نقابة التعليم الثانوي إنّ قرارها بحجب العلامات قائم.وتطالب النقابات بتسوية وضعيّة المدرسين الذين يدرّسون بالمعاهد الحكومية بشكل عرضي، إضافة إلى جملة من المطالب الأخرى ذات الصبغة المادية، متعلقة بالترقيات وصرف المنح. القضاء يتدخلووصل الصراع بين نقابات التعليم في تونس ووزارة التربية إلى القضاء، الذي سينظر منتصف شهر مايو المقبل، في قضيّة كان عدد من الأولياء قد رفعها ضدّ الطرف النقابي وخسر طورها الابتدائي. وتقدّمت مجموعة من الأولياء منذ أسابيع، بقضّية ضدّ نقابات التعليم تم رفضها في الطور الابتدائي، لكنّ المحامي مختار بوقرة الذي يمثّل المشتكين قال، إنّ قرار المحكمة في الطور الأوّل لم يكن معلّلا، وهو ما دفعه لاستئنافه، موضّحا في تصريح لمنصّة "المشهد"، أنه رفع القضية بناءً على تكليف من مجموعة من الأولياء، الذين اعتبروا أنّ حجب كشوف العلامات أضرّ بمصلحة أبنائهم. وقالت حياة الهاشمي وهي أربعينية وأمّ لطالب بالمرحلة الثانوية، إنها كانت تنتظر بفارغ الصبر معرفة العلامات التي تحصّل عليها ابنها، بعد أن بذل جهدًا كبيرا في الدراسة والتحضير للامتحانات، لكنّها فوجئت بقرار الأساتذة رفض تسليم كشف الدرجات لإدارات المعاهد، مضيفة: "كيف سأكون قادرةً على تقييم مستوى ابني، إذا لم أطّلع على العلامات التي تحصّل عليها"، وتواصل، "لماذا يحرم الطالب من حقّه في أن يتحصل على علاماته، ثمّ أيّ معنى لإجراء الاختبارات إذا لم يحصل على كشف درجاته". وكانت النقابات قد أكدت أنها قرّرت حجب الدرجات عن الإدارة وليس عن الطالب ووليّه، الذي يمكنه الاطّلاع بشكل مباشر على علامات ابنه. ويقول كاتب عام نقابة التعليم الأساسي إقبال العزّابي، إنّ المدرسين أُجبروا على حجب كشوف الدرجات، بسبب تنصّل وزارة التربية من تطبيق الاتفاقات السابقة، ويحمّل النقابي التونسي في تصريح لمنصّة "المشهد"، المسؤولية كاملة للوزارة، قائلًا: "أيّ ذنب للمدرسين الذين يعملون بشكل عرضي؟".ويهدّد قرار النقابات أكثر من مليون تلميذ وتلميذة في المرحلة الثانوية، يتابعون تعليمهم في القطاع الحكومي، إذ يضع حجب الدرجات إدارات المعاهد والوزارة، أمام إشكال حسم مصير طلّاب المعاهد الحكوميّة، وتقرير ارتقائهم للمستوى الموالي من عدمه، ما قد ينذر بسنة دراسية بيضاء. لكنّ وزير التربية محمد علي البوغديري وهو نقابي سابق، كان قد طمأن الأولياء، مؤكدا أنه لن تكون هناك سنة بيضاء، غير أنّه لم يشرح الإجراءات التي تعتزم وزارته القيام بها، للحيلولة دون ذلك. وتتعلّل وزارة التربية بعدم قدرتها على تلبية المطالب التي يرفعها المدرسون، وتقول إنها عاجزة حاليًا على الاستجابة لأيّ مطلب مادي. أزمة تلد أخرى ولا يكاد يمرّ عام دراسي في تونس منذ 2011، من دون بروز أزمة بين الأطراف النقابية ووزارة التربية التونسية. وبسبب الإضرابات، أقرّت تونس سنة 2015 "الارتقاء الآلي للمستوى الموالي" لجميع طلاّب الابتدائي، بعدما تعذّر إجراء الاختبارات. وتوازيًا مع قرار حجب كشوف العلامات، شهدت انطلاقة العام الدراسي الحالي تأخّرا، حرم آلاف الطلاّب بالمدارس الابتدائية من الدراسة لمدّة شهرين، بسبب إضراب المدرسين الذين يطالبون بتسوية وضعياتهم المهنية. ويُذكر أنّ الرئيس سعيّد كان قد عبّر عن تبرّمه من هذا الصراع المتواصل، معتبرا أنّه ارتهن الطلاب، مشددا على أنه لا سبيل لأن يكون التلاميذ رهائن. وقال: ''اليوم لا يمكن أن يكون التلميذ بمثابة الرهينة، حيث يتم التلاعب بمستقبل أجيال. هذا الوضع طال أكثر من اللزوم، ولا يمكن أن يتواصل. فليتحمّل كل واحد منّا مسؤوليته، لأنّ هذه الأجيال المتعاقبة لا يمكن أن تذهب ضحيّةً لحسابات سياسية". وفي السياق، دعت "الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ" الاثنين، الرئيس سعيّد إلى التدخّل لحلّ أزمة التعليم الحكومي، ووقف عمليّة حجب علامات امتحانات الفصلين الأول والثاني. ويقول رئيس الجمعية رضا الزهروني لمنصّة "المشهد"، إنّ أزمة العلامات ليست الأولى من نوعها في تونس، إذ لا يكاد وفق المتحدث، "يمرّ عام دراسي من دون أن تشتعل أزمة جديدة بين الوزارة والمدرسين". ويتابع، أنّ هذه الأزمات تصدّرت أولويات وزارة التربية، التي صارت في كل سنة تبحث عن طرق لإطفائها، موضّحا، "كان المفترض أن يكون النقاش الحقيقي حول أزمة منظومة التعليم في تونس، وكيفية إيجاد حلول لإصلاحها"، ويزيد، أنّ " هذا الصراع حوّلها إلى مسالة ثانوية، وصار كل الاهتمام منصبًا حول كيفية إيجاد حلول له". "لا مساواة"ويشدد الزهروني على أنّ المتضرر الأول من سياسة ليّ الذراع في قطاع التعليم الحكومي، هو الطالب الذي ينتمي إلى الطبقة المتوسطة والفقيرة، مضيفًا، "تدفع هذه الأزمات الأولياء للتفكير في تدريس أبنائهم بالمدارس الخاصّة، من أجل ضمان استمرارية ومتانة التكوين"، متسائلًا: "لكن ماذا عن أبناء الفقراء"؟.ويتّهم كثيرون النقابات برَهن مصير الطلاّب لأغراض سياسية، ومن أجل دفع الأولياء للهجرة نحو التعليم الخاص. وبحسب أحدث الأرقام، فقد زاد الإقبال على التعليم الخاصّ في تونس بنسبة 500 بالمئة خلال السنوات الأخيرة. وترفض النقابات الاتهامات الموجهة لها، وتقول إنّ تحركاتها الاحتجاجية غايتها الدفاع عن حقوق منظوريها. بينما يعتبر المحلل السياسي مهدي المناعي، أنّ تمسّك المدرسين بهذه المطالب رغم علمهم بالأزمة الكبيرة للمالية العمومية في تونس، "تحرّك يكشف رغبة المدرسين في تحصيل منافع مادية على حساب مصلحة الطالب"، ويرى في تصريح لمنصّة "المشهد"، أنّ ارتهان الطالب هو عمل لا أخلاقي من مدرسين، يفترض بهم نبل الأخلاق، مضيفا، "أيّ مطلب يُرفع في الوقت الحالي الذي تمرّ به تونس، هو مطلب لا أخلاقي". (المشهد)