مع تصاعد عدد قتلى القصف الإسرائيليّ في غزّة، الذي وصل بحسب وزارة الصّحة الفلسطينيّة في القطاع إلى 8796، بينهم 3648 طفلًا و2290 امرأة، في ظلّ حديث عن ارتكاب إسرائيل عشرات من جرائم الحرب في غزّة، آخرها قصف جباليا، يتساءل عدد كبير من الناشطين والرأي العام، هل يمكن محاسبة تلّ أبيب على ارتكاباتها؟ومن أمام معبر رفح، قال المدّعي العامّ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة كريم خان، في مؤتمر صحفيّ في مصر الأحد، إنّ عرقلة إمدادات الإغاثة لسكّان غزّة قد تشكّل جريمة بموجب اختصاص المحكمة.وهو ما اعتبره البعض تحوّلًا في موقف المحكمة، ويمكن أن يتبعه إجراءات محاسبة لإسرائيل على "جرائمها في غزّة".طرق محاسبة إسرائيلويرى أستاذ القانون الدوليّ والمحامي المعتمد لدى المحكمة الجنائيّة الدكتور أنطوان صفير، أنه يمكن محاسبة إسرائيل على ارتكاباتها بطرق عدّة.وأوضح صفير في حديثه لمنصّة "المشهد" هذه الطرق:أولًا: عن طريق مجلس الأمن الدوليّ، إلَا أنّ الموضوع صعب بسبب الفيتو الأميركيّ.ثانيًا: الملاحقة أمام المحاكم الدوليّة، وهنا المحكمة الجنائيّة هي أساسيّة، انطلاقًا من إنشائها بموجب ميثاق روما عام 2002، وبالتّالي لها صلاحيّة بمواضيع تتعلّق بجرائم ضدّ الإنسانيّة، وجرائم حرب وجرائم العدوان والإبادة.وأشار صفير إلى أنّ إسرائيل لم توقّع على هذه الاتفاقيّة، وبالتّالي ليست عضوًا في المحكمة الجنائيّة الدوليّة، ولكن هذا لا يُعفيها، لأنه يمكن أن تتحرّك الدعوى العامّة انطلاقًا من مجلس الأمن الدوليّ، إذا كان هناك من مجال، أو انطلاقًا من السّلطة التقديريّة المعطاة للمدّعي العامّ لدى هذه المحكمة، للتحرّك إذا ما رأى أنّ هنالك قضايا واضحة المعالم في هذا الاتّجاه.وتحقّق المحكمة في وقائع بالأراضي الفلسطينيّة منذ عام 2021، وتتحرّى عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم محتملة ضدّ الإنسانيّة هناك، بدءًا من عام 2014.وسبق أن رفضت إسرائيل، وهي ليست عضوًا في المحكمة الجنائيّة الدوليّة، اختصاص المحكمة، ولا تتعاون رسميًا مع تحقيقاتها.وقال خان في وقت سابق، إنّ للمحكمة الجنائيّة ولاية قضائيّة على جرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانيّة المزعومة، سواء خلال هجوم "حماس" في 7 أكتوبر في إسرائيل، أو في أراضي غزّة.دعوة مراسلين بلا حدودوأمّا من يحقّ لهم رفع القضايا، فقال صفير إنه يمكن أن يتمّ ذلك، إمّا عن طريق دولة، وإمّا المدّعي العام يتحرك من تلقاء نفسه وإمّا مجلس الأمن الدوليّ يُحيل الملفّ إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة عبر المدّعي العام، ومن ثمّ ضمن إطار التّحقيقات وغيره إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة.وأشار إلى أنّه لا يمكن لأشخاص أو مؤسّسات تقديم الدعوى، ولكن يمكن للمتضرّرين أن يدخلوا إلى الدّعوى العامّة المقامة، إذا لم يكن هناك قضيّة قد فُتحت بهذا الاتّجاه، وبالتّالي يمكن أن يقدّموا دعمًا لهذا الملفّ أو هذه القضيّة المفتوحة، عبر شهادات أو قرائن قد تشكّل قناعة لدى المحكمة، لاتّخاذ قرارها في أيّ اتّجاه.وتجدر الإشارة إلى أنّ المحكمة الجنائيّة الدوليّة، ليست محكمة تحاكم دولًا، هي تحاكم أفرادًا أي المسؤولين في هذه الدول من قادة وسياسيّين وعسكريّين، ومن كان لديه القرار أو المشاركة أو نوع من التّخطيط أو التّنظيم لجرائم ارتُكبت تتخلّل جرائم حرب، جرائم ضدّ الإنسانيّة، وجرائم إبادة، وجرائم العدوان.وأخذت منظّمة "مراسلون بلا حدود"، خطوة في هذا الاتجاه، فقد أعلنت أنّها رفعت دعوى أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة بشأن ارتكاب "جرائم حرب" بحقّ صحفيّين، الحرب بين حركة "حماس" وإسرائيل.وجاء في بيان للمنظّمة "قدّمت مراسلون بلا حدود شكوى تتعلق بجرائم حرب، إلى مكتب المدّعي العامّ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة في 31 أكتوبر 2023، تتضمّن تفاصيل حالات 9 صحفيّين قُتلوا منذ 7 أكتوبر، واثنين أصيبا أثناء ممارسة عملهم".تتعلق هذه الدعوى "بثمانية صحفيّين فلسطينيّين قُتلوا في قصف إسرائيليّ على مناطق مدنيّة في غزّة، وصحفيّ إسرائيليّ قُتل في 7 أكتوبر أثناء تغطيته هجوم "حماس" على الكيبوتز الذي كان يعيش فيه".وتشير الدّعوى أيضًا إلى "التّدمير المتعمد، الكلّي أو الجزئيّ، لمكاتب أكثر من 50 وسيلة إعلاميّة في غزّة".رفض إسرائيلي وقال كريستوف دولوار سكرتير المنظّمة، إنّ "حجم وخطورة وتكرار الجرائم الدوليّة الّتي تستهدف الصحفيّين خصوصًا في غزّة، يستدعي تحقيقًا ذا أولويّة من جانب المدّعية العامّة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة. نحن نطالب بذلك منذ 2018. وتثبت الأحداث المأسويّة الجارية، الحاجة الملحّة لحصول تعبئة".واعتبر البروفسور أنطونيوس أبو كسم، محامٍ رئيسيّ لدى المحاكم الجنائيّة الدوليّة، وأستاذ القانون الدوليّ في الجامعة اللبنانيّة، في حديث خاص لقناة ومنصّة "المشهد"، أنه واضح للجميع أنّ هناك جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل، كما جرائم حرب ارتكبتها "حماس".ورأى أنّ الإشكاليّة الكبرى أنّ إسرائيل ليست دولة طرف، وبالتّالي مدّعي عامّ المحكمة الجنائيّة كريم خان، حاليًا عليه التّحقيق مع مسؤولين إسرائيليّين ليطلب منهم أدلّة وداتا وورقة عمليّات وإثباتات، وهذا الموضوع يدينهم، وهذه معلومات عسكريّة لا يمكن تسليمها، فهم حتّى لم يسمحوا له بدخول خان إلى بوّابة رفح، ومنعوه من دخول الأراضي الفلسطينيّة لا الإسرائيليّة فقط.ويتوقّف ذلك بحسب أبو كسم على "تعاون إسرائيل، وإذا لم تتجاوب عندها على المدّعي العامّ، إذا كان لديه أدلّة ثابتة، أن يصدر قرار اتّهام وأن يتّهم من سبّب ارتكاب جرائم حرب" .(المشهد)